في ظل غياب الحياة السياسية تنتشر الفوضى وترخص ارواح الناس

تابعنا على:   20:34 2017-07-05

محمود الشيخ

تعيش البلاد حالة من فراغ الحياة السياسية ،وهي انعكاس لمجموعة اسباب تمتد منذ تسعينات القرن الماضي، نلخصها في المستجدات السياسية التي طرأت في العام 1993 وبشكل خاص بعد توقيع اتفاق اوسلو، الذى اطاح بالمنجزات السياسية للانتفاضة الأولى لشعبنا الفلسطيني وشكل منقذا لإسرائيل من هزيمتها امام جبروت شعبنا المسلح بإرادته الفولاذية وبعدالة قضيته الوطنية، ولذلك واجه جبروت اسرائيل وانتصر على التها العسكرية.

لذلك شكل اوسلو الفرج لإسرائيل، من قبضة انتفاضة دخلت التاريخ ووضعت اسرائيل في قفص الاتهام امام العالم كونها دولة ليست غير ديمقراطية بل عنصرية وفاشية يقوم نظامها على اسس عنصرية وتتشابه في كل تصرفاتها واجراءاتها بالنظام الابارتهايدي في جنوب افريقيا.

لقد قدم اتفاق اوسلو اعظم فرصة ذهبية لإسرائيل للالتفاف على منجزات شعبنا في انتفاضته الأولى، كما شكل ايضا فرصة لوقفها، بعد ان نثر مبدعي اوسلو افكارا تدعي الوصول الى حل سياسي وتبين فيما بعد انه حل كاذب، فانتشرت فكرة الركون على حلول هؤلاء السحرية التي ورطت شعبنا وقضيته بفهلوتهم السياسية، وكذبهم وهذه كانت من اهم خطوات انتهاء الفعل السياسي الجماهيري على الأرض كون ذلك غير مطلوب بعد وصول المبدعين الاوسلويين بأن الحل قاب قوسين او ادنى.

واول عمل نجحوا فيه الأسلويين هو تدميرهم للثقافة الوطنية بعد نشرهم لثقافة اوسلو ثقافة ( سلام الشجعان ) في الوقت الذى كان يدرك الإسرائيلي ماذا يريد وكيف يريد امام جهل الفلسطيني وارتجاليته وعدم معرفته لماذا وكيف ومتى، يذهب بلا خطه ويعود ايضا جاهلا لما يراد، الى ان بدأ بالصراخ بعد ان ادرك ان الإسرائيلي يخطط وينفذ ولديه هدف بخلاف الفلسطيني الذى لا يعرف ما الذى يريده وكيف يريد.

ان الثقافة التي نشرها اتباع اوسلو تعتمد على خيار واحد هو خيار المفاوضات ولن يحيد عنه ابدا قدسه وشرعنه واسس عليه، فقام في اعادة هيكلة المفاهيم الوطنية وخلق تبدلا في الوعي المجتمعي والفكر السياسي، ولم يتوقف ذلك على الفئة المستفيدة من نشوء السلطة بل انتقل فيروسها الى كافة القوى والأحزاب السياسية ،التي اسعدها مناخ علنية عملها وعلنية قيادتها، فحد ذلك من قدرتها على العمل الوطني.

يضاف الى ذلك بعد ان غيرت جلدها وبعد اهتزاز قناعاتها الفكرية، وسيادة حاله من الردة والانحراف وايضا الفوضى الفكرية والتنظيمية التي تخللت صفوف اليسار، في ظل عدم توفر كفاءات قادره على وقف السيل الجارف للمسار السياسي والفكري والمجتمعي لتلك القوى السياسية، والذى سهل عليها الارتماء في حضن النظام السياسي بعد ان تصالحت مع نهجه السياسي ،واختلاقها اوهام امكانية الإصلاح من الداخل، وبذلك انتقلت تلك القوى من حالة خدمة القضية الوطنية والجماهير الشعبية والطبقة العاملة الى خدمة السلطة والفئة الحاكمة فيها، ولم يعد بمقدورهم ممارسة حقهم في الشراكة الوطنية في القرار السياسي، فباتت بحكم القوى الغائبة عن الساحة، لا هم لها غير تقاضي المخصصات، ولذلك تمكنت القيادة الفلسطينية من التفرد في القرار والغاء دور

( م.ت.ف ) لتصبح هي الأمر الناهي في كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني.

بعد ان خلقت القيادة لدى تلك القوى هاجس الخوف من قطع المخصصات في حال الاعتراض على اي قرار للرئيس وبذلك اصبحت عاجزة عن القيام بأي دور لا كفاحي ولا اصلاحي ولا حتى اعتراضي على اي من سياسات الرئيس ظهر ذلك العجز بعد الانقسام الأسود الذى منيت به الساحة الفلسطينية واثر سلبا على كل مكونات القضية الفلسطينية وعلى مواقف الناس من القوى العاملة على الساحة الفلسطينية، واستنكافها عن اي فعل ونشاط تدعوا له تلك القوى وباتت الجماهير على قناعة ان اي حراك جماهيري سيجند لخدنة الفئة الحاكمة في السلطة الوطنية ولذلك تراجعت همم الناس وتباطأت في اي فعل بل اعتبرت اي فعل ضياع للوقت .

كل هذا دفع نسبة عالية من الناس للتفكير في الذات بعيدا عن المصالح الوطنية العليا لقضيتنا ومع ازدياد نسبة البطالة وارتفاع الاسعار تفشت ظاهرة الطوش والمشاجرات في القرى وكذلك المدن الفلسطينية، واصبح القتل سمة يتميز به المجتمع الفلسطيني بفعل الضيق النفسي والمالي تعمقت العصبية واثرت على سيكولوجية الإنسان وكما يقال

( من راس مناخيرهم الناس ابتحكي ) ما حد متحمل حد.

كل هذه الأسباب التي قدمناها مع النزاعات الداخلية كانت وراء بروز كافة الظواهر الاجتماعية مجتمعه مع غياب دور القوى السياسية والسلطة الفلسطينية وعلماء الاجتماع والمثقفين لوضع حد لتلك الظواهر.

وما زاد الناس احباطا ليس ما تقدم فحسب بل استمرار تقليص صلاحيات السلطة من قبل الاحتلال ووقوف السلطة متفرجة على مختلف اجراءات الاحتلال التعسفية ضد الجماهير الفلسطينية، من هدم بيوت الى قتل متعمد ومصادرة اراضي واقامة الاف الوحدات الاستيطانية واقتحامات يوميه للمسجد الأقصى وغير ذلك الكثير في الوقت الذى تقدم فيه السلطة خدمات امنيه للاحتلال دون توقف او احتجاج، ودون ان يرى شعبنا اي حراك سواء من السلطة او القوى السياسية يبرز بوضوح تام الموقف مما ينشر اليوم من اقاويل عن امكانية حل القضية الفلسطينية في اطار صفقة اقليمية تضع اسرائيل بصماتها بكل وضوح عليها وبموافقة الدول العربية وبشكل خاص السعودية ومصر، مع اجراءات التطبيع الجارية اليوم بين معظم الدول العربية الخليجية واسرائيل دون حل يسبق ذلك للقضية الفلسطينية وقوانا السياسية والسلطة في حالة من السكوت التام، لكل ذلك تعيش البلاد حالة من غياب الحياة السياسية.

في الوقت الذى نحن احوج ما نكون الى حراك يستوجب سرعة الاصطفاف لتصويب وتصحيح المسار للخروج من الحالة التي تعيشها قضيتنا من اجل الحفاظ على حقوق شعبنا الفلسطيني خوفا من الضياع، خاصة اننا نقف على مفترق طرق.

اخر الأخبار