في نقاش العملية في القدس

تابعنا على:   14:36 2017-07-22

ماجد كيالي

لم تكن عملية القدس، التي حصلت في باحات المسجد الأقصى (14/7)، خارج السياق العام للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، الذي تتحكم به إسرائيل، أكثر من الفلسطينيين، وضمن ذلك بأسبابه وبعوامل استمراره وتأزّمه. ومعنى ذلك أننا سنبقى مع عمليات رمي حجارة وهجوم بالأيدي والعصي، ومع عمليات طعن ودهس وإطلاق نار (كما حصل)، طالما بقي الاحتلال، وطالما استمرت إسرائيل بسياساتها المتغطرسة، الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية ضد الفلسطينيين، وهي سياسات مضمرة أو «ناعمة» إزاء فلسطينيي 48، من «مواطنيها»، ومعلنة ومباشرة وفجّة إزاء الفلسطينيين في الضفة الغربية، لا سيما في القدس.

ومعلوم أن تلك العملية التي قام بها ثلاثة من فلسطينيي 48، من أم الفحم، وأودت بحياتهم، كانت أودت، أيضاً، بحياة جنديين في الجيش الإسرائيلي، صدف أنهما من فلسطينيي 48، أيضاً، من الذين يؤدون الخدمة الإلزامية («الدروز»)، الأمر الذي خلق إرباكات كثيرة في أوساط الفلسطينيين، مع العلم أن هؤلاء لقوا مصرعهم بوصفهم ضمن جيش الاحتلال، وليس لأي شيء آخر.

القصد هنا أن تلك إسرائيل هي المسؤول الأساسي عن كل ما يجري، بسياساتها الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية والإجرامية التي تستند إلى عنجهية القوة، وإنكار حقوق الفلسطينيين، وامتهان كرامتهم، وذلك يعني أن تلك العمليات هي بمثابة رد فعل على السياسات الإسرائيلية.

بيد أن هكذا عملية تفضي عموماً إلى مجموعة استنتاجات، لعل أهمها:

أولاً، أن الفلسطينيين، كمجتمع، عبروا عن موقفهم الجمعي برفضهم للاحتلال ومقاومتهم للسياسات الإسرائيلية، بصمودهم في أرضهم، وبمقاومتهم للاستيطان وللسياسات العنصرية، في كل تجمعاتهم، وهذا يتمثل تحديداً بانتفاضاتهم المتواصلة، التي توّجت بالانتفاضتين الأولى والثانية (قبل اختصارها بالعسكرة). والمعنى من ذلك أن القول العمومي بأن نمط عمليات الطعن والدهس وإطلاق الرصاص هو الذي يعبر عن الشعب الفلسطيني غير دقيق، ولا مسؤول، لأن ذلك يحصر خمسة ملايين فلسطيني في شكل معين، أو يختصرهم بأفراد، أو يقلل من وطنيتهم (عن قصد أو من دونه).

ثانياً، أن العمليات المذكورة إنما هي عمليات فردية وعفوية وظرفية، ومن يزور القدس سيرى أن إسرائيل فعلت كل شيء لاستفزاز الفلسطينيين، والحط من كرامتهم، فالصراع هناك يدور على كل شبر، واليهود من التيارين الديني والقومي المتطرف لا يتركون فرصة لإثارة غضب الفلسطينيين، تحت حماية السلطة الإسرائيلية، التي تساهم بدورها في مفاقمة ذلك، سيما عبر نشر جنود الجيش ليس فقط على أبواب المدينة القديمة (المقدسة)، وإنما حتى في باحات المسجد الأقصى وقبة الصخرة.

ثالثاً، إذا كان يمكن تفهم مقاصد من قام بهكذا عمليات، فإن الفصائل التي تقوم بالتهليل لها إنما هي في الواقع تفعل ذلك كي تغطّي على ذاتها في جانبين، أولهما، عجزها عن مواصلة خطها الذي اعتمدته في مواجهة إسرائيل (الكفاح المسلح)، وعدم رغبتها الاعتراف بذلك. وثانيتهما، عجز هذه الفصائل عن اجتراح أشكال نضالية ممكنة، أكثر تناسباً مع قدراتها ومع إمكانات شعبها، وتالياً عجزها عن ترشيد أشكال الكفاح الشعبية، وشعورها باحتمال خسارة مكانتها كمرجعية سياسية وكفاحية بالنسبة إلى الفلسطينيين.

رابعاً، إن فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية، التي أضحت بمثابة سلطة، في الضفة وغزة، ما زالت غير قادرة، ولا راغبة، بمراجعة مساراتها وتجاربها، وضمن ذلك القيام بمراجعة نقدية ومسؤولة لتجربة الكفاح المسلح في الداخل والخارج، بما لها وما عليها، ولا حتى مراجعة تجربتي الانتفاضة الأولى والثانية، واستنباط العبر المناسبة من كل منهما، لطرح الشكل الأكثر مناسبة وجدوى لمواجهة التحديات الإسرائيلية، لا سيما في هذه الظروف.

خامساً، على ما يظهر فإن هذه الفصائل، في سعيها الى تعويم دورها، تتصرّف كأن شيئاً لم يحصل في العالم وفي الإقليم، فهي ما زالت، على ما يبدو، غير مدركة تماماً للتطورات الحاصلة دولياً وإقليمياً، وضمنه تراجع مكانة القضية الفلسطينية، وانهيار البيئة الحاضنة لها، وبخاصة التأثيرات الناجمة عن انهيار البني الدولتية والمجتمعية في المشرق العربي، لجهة إضعاف وضع الفلسطينيين، في مقابل تعزيز مكانة إسرائيل في المنطقة. هذه الفصائل لا تريد أن تدرك أن ما يجري قد يحرر إسرائيل أو يطلق يدها في الإقدام على خطوات غير مسبوقة، ضد فلسطينيي 48 او فلسطينيي القدس أو الجليل أو الخليل، في مرحلة تجري فيها تغييرات ديموغرافية هائلة في سورية والعراق، وهذا ما ينبغي التحسب له وتدارك أخطاره والقيام بكل ما من شأنه لتفويت أي مسارات تؤدي إليه، لأن عملية هنا وعملية هناك يمكن أن تحدث فارقاً كبيراً. هنا يجدر أن لا ننسى أن إسرائيل اجتاحت جنوب لبنان إلى بيروت (1982) بدعوى إطلاق النار على سفيرها في لندن (الذي قام بها فرد من جماعة أبو نضال)، فيما هي شنت حرب 2006 على لبنان بحجة خطف حزب الله جنديين»، وأن العمليات التفجيرية في الانتفاضة الثانية، أدت إلى منع الفلسطينيين من دخول القدس، وإقرار بناء الجدار الفاصل، وتعزيز النقاط الاستيطانية، ومعاودة احتلال مدن الضفة.

قصارى القوى أن مهمة الفصائل ليست التهليل لعملية هنا وعملية هناك، للتغطية على قصورها أو أفول دورها أو عجزها عن القيام بأي عمل لمواجهة السياسات الإسرائيلية، وإنما مهمتها تعزيز صمود شعبها، وتطوير كياناته المجتمعية والسياسية، وإدارة كفاحه بأفضل وأقوم ما يمكن، وليس وضعه مكشوفاً أمام العاصفة في هذه الظروف العاتية. لذا فإن القول بـ «سنزلزل الأرض تحت أقدامهم»، و «سيتحملون العواقب»، والحديث عن بليون ونص بليون مسلم، لا يفيد شيئاً، وهو مجرد كلام كما ثبت بالتجربة، لأن الفلسطينيين سيبقون وحدهم في مواجهة إسرائيل، إذ لم نسمع عن أية تظاهرة لا في بلدان عربية ولا في بلدان إسلامية، من كازاخستان وصولاً إلى باكستان مروراً بتركيا وإندونيسيا ونيجيريا وإيران، على رغم منع إسرائيل الصلاة في المسجد الأقصى الجمعة الماضي. على ذلك ينبغي الانتباه للتفويت على إسرائيل أي عمل قد يسهل عليها إضعاف أو زعزعة وجود الفلسطينيين في أرضهم، ودعم كل ما يمكنهم من الصمود في هذه المرحلة.

عن الحياة اللندنية

اخر الأخبار