الاندفاع نحو القدس بداية النهاية

تابعنا على:   11:21 2017-07-24

صالح عوض

مع كل التقدير لكل قطرة دم سالت في معاركنا الكثيرة ومع كل احترام لافكارنا السابقة التي انضوت تحت بيارقها طلائع الشباب الفدائيين وانبعثت منها ثقافة مرحلة.. مع كل ذلك يبدو انها لم تكن اكثر من بروفات لصارع قادم بيننا والكيان الصهيوني المزود بالارادة الغربية والمدد الغربي..

نحن والعدو نتدافع الان نحو القدس وهنا تكمن لحظة الذروة في الصراع ولئن انبثقت معركة القدس في عدة مراحل سابقة لاسيما مع الزعيم الرحل ياسر عرفات الذي اطلق انتفاضة الاقصى هاتفا "للقدس زاحفين شهداء بالملايين" وأسس بذلك لمناخ يتدفق بمعطيات التدافع الذي ليس من السهل التنبوء بنهايات قريبة له.

القدس ام "اورشليم".. الاقصى ام "الهيكل" هنا تكمن المعركة الرمز المعركة المتشبعة بالمشاعر والاحلام والعنوان.. فكما انه لاوجود لدولة اسرائيل بدون اورشليم ولا قيمة لاورشليم بدون الهيكل كما يحلو لكثير من قادة المشروع الصهيوني القول والتاكيد على معزوفة الدولة اليهودية.. فالامر نفسه على الجبهة المضادة اذ لامعنى لفلسطين دون القدس ولامعنى للقدس دون الاقصى ولكن هنا المسألة ليست موقفا سياسيا ولا خطبة لمتطرف ديني انما هي نداء الخلود في ضمير كل فلسطيني بغض النظر عن دينه او مدى تدينه اومذهبه.. هنا ترتفع العناوين واضحة بدون لف او دوران.. ولكن هنا على الفلسطينيين ان يقرأوا جملتهم مرة ثانية وثالثة ورابعة على العالمين حتى تؤدي فعلها في الوعي الانساني هل هم فعلا مستعدون للمواجهة الى اخر نفس وان يقدموا في سبيل كرامة الاقصى دمهم بغزارة وعلى مدى طويل وباستمرار؟؟ وفي المقابل الى اي مدى تستطيع الثكنة العسكرية الصهيونية والمشعوذون من المستوطنين البقاء في الشوارع في مدينة القدس وفي باحات المسجد الاقصى فيما هم يرون عجز حكومتهم عن اعلان قيام الهيكل على انقاض الاقصى؟

هنا تبدأ المعادلة في الانكشاف عن خلل جوهري.. ففي حين يجمع الفلسطينيون على انهم في جاهزية كاملة للتضحية حتى اخر نفس من اجل انتزاع كرامة القدس والاقصى وهاهم يتحركون بلا قيادة ولا مؤسسات رسمية ولا امكانات ولا دعم اسلامي وعربي يتحركون في الشوارع وعلى ابواب بيت المقدس في قرار نهائي بعدم التخلي عن القدس وعن كرامة الاقصى ويبدأون في تشكيل انفسهم على وقع اليات المواجهات اليومية وتنصاغ مشاعرهم وافكارهم وواقعهم على ضوء المعركة المحتدمة فتتولد ثقافة انسانية من التعاون والتماسك المجتمعي قل نظيرها.. وفي الجبهة المضادة -جبهة العدو-الاضطراب والتناقض والارتباك بين قيادات فاقدة للحس التاريخي تستند الى عتو اللحظة وطغيانها وحساباتها المختلة والمهددة بالانهيار في لحظات دراماتيكية.. فالمواجهة لديهم قرار وليست قناعة وايضا هي قرار مضطرب تسمع حوله الراي والراي المخالف والاحتمالات المرعبة التي تتهدد مستقبل الكيان بل وتطرح من جديد الاسئلة الوجودية القديمة حيث تصبح حالة التأهب والاستنفار الوضعية الاكثر بروزا لحياة الكيان الصهيوني.. وهكذا تتكشف المعادلة على طرفيها طرف ممتلئ باليقين ولكنه يفتقد لمؤسسة تدير معركته كما ينبغي لحسم جولات الصراع في اقصر وقت وطرف اخر مهزوز مرتبك وقلق ويحول جبنه الى فائض بطش لكنه بقيادة تعمل على الاستفادة من الخراب على المستوى العربي الرسمي والانحياز الدولي الاعمى.

المعركة بين الاقصى و"الهيكل" هي معركة واسعة تمتد في الجغرافيا والتاريخ والمزاج الدولي فكما ان تحدي الاقصى وازمته يتفاعل في وجدان امة عربية واسلامية وينغص ضميرها ووجدانها ويجد تخريجاته في اشكال عدة تتطرف احيانا وتتقوقع احيانا اخرى وتتحول الى قوى منظمة ورؤى حضارية في الصراع كذلك.. فهو كذلك يشد الوتر العصبي المركزي في وجدان الامة التي لن تقبل بان تصبح خرافة عنصرية مهددة لاحد اهم رموزها الحضارية والدينية..

ولكن ايضا تمتد المعركة في مفاصل وضعنا العربي الرسمي تنفث فيه السموم لتشل حركته وتجذبه الى مربعات الوهن والضعف ومحاربة الذات وانتشار الخلايا السرطانية تفتك بكل عناصر المناعة الذاتية.. وهكذا تتجلى تحديات الاقصى في كل الواقع العربي بل لعلها المسئول المباشر عن عن كل الاوضاع في الوطن العربي بايجابيها وسلبيها بشكل او باخر.. والمسألة هنا تظهر على كل عناصرها الحقيقية التي تشكل واقع العرب بقليل من تحليل وهذا ما يجعل حال القدس هو صورة مصغرة لما عليه حال الامة وهو يكشف بالدقة عن مكامن الضعف والقوة وبواطن العزيمة والتردي في الامة.

والمعركة تمتد كذلك على المسرح الدولي حيث تنشط القوى الصهيونية والموالية لها في اختراق الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية الدولية لكي تكون الظهير القوي في حماية الوهم ببناء هيكل يعلن قيام دولة يهودية على ارض فلسطين.

اجل ان التدافع نحو القدس بين الفلسطينيين ومن خلفهم العرب والمسلمين واحرار وشرفاء العالم في مواجهة القيادة الصهيونية العنصرية والمؤسسة الصهيونية وراس المال العالمي النجس وقوى الشر الدولية التي تلعب بمقدرات الشعوب وتحطم امنها واستقرارها.. ومن هنا تصبح معركة القدس لا تنتهي بالغاء اجراءات تعسفية فرضها العدو. انما بالغاء المعادلة الشريرة كلها بنفي احد طرفيها طرف الوهم والجريمة والعنصرية الذي كان سببا مباشرا او سببا مرافقا لكل افات الوضع العربي الذي يمكن اجماله بمصطلح التخلف والعبثية.

و من اهم ما جاءت به هبة الاقصى الحالية انها تقربنا الى الاصطفاف الطبيعي في المعركة بعنوانها الواضح القوي.. ويمكن هنا التأكيد ان العدو لا يمتلك شجاعة - رغم ان الظروف الحالية نموذجية بالنسبة له- لكي يحدث تغييرات جوهرية على الارض بالنسبة لرمز الشعب الفلسطيني الكبير المسجد الاقصى.. وفي هذا انكسار معنوي كبير في الروح الصهيونية يمثل ضمانات هزيمته امام شعب اعزل يمارس نضاله المستميت بجوعه احيانا وبدمه احيانا أخرى وبصلواته على أسفلت الشوارع بلا قيادة ولا ادارة علمية للمعركة.. وان استمرار اندفاع الشعب الفلسطيني المقدسي في المواجهة سيحفز قوى المقاومة في المنطقة في سورية ولبنان والعراق واليمن وينمي الوعي والانتباه والغيرة في كل بلاد العرب والاسلام وكل الارهاصات تتجلى اليوم لميلاد حالة ثورية كبيرة في المنطقة ستجرف حالات التردي والتخلف جانبا.. ولنكتشف كم هي المشاريع الحالية تدور حول مصلحة شخصية او حزبية او فئوية وهي تحكم على نفسها جميعا بالتلاشي في معركة اندفاع الشعب الى القدس.

اخر الأخبار