حاجة أميركا وروسيا... إلى صفقة سورية

تابعنا على:   12:21 2017-07-25

خيرالله خيرالله

عندما تعلن الولايات المتحدة وقف تدريب المعارضة المعتدلة في سورية، فانّ ذلك يعكس بكل وضوح وجود رغبة لواشنطن في إعادة لحساباتها تجاه ما يدور في ذلك البلد منذ ما يزيد على ست سنوات.

من الواضح، اقلّه الى الآن، ان إدارة دونالد ترامب تفضّل التعاون مع روسيا في شأن كلّ ما له علاقة بسورية. جاء تخليها عن برنامج تدريب المعارضة المعتدلة، وهو برنامج لم يقدّم ولم يؤخّر، منذ بدئه في العام 2013، بمثابة اعتراف بأن هناك حاجة الى سياسة جديدة... او الاستمرار في اللاسياسة الأميركي التي اسّست لها إدارة أوباما. هذا معناه بكل بساطة ترك سورية لروسيا التي عليها تدبّر امورها مع ايران. اللهمّ الّا اذا كان الهدف الاميركي صار محصورا بالسيطرة على مناطق معيّنة في الشمال، حيث الغاز والنفط والمياه والثروة الزراعية، أي ما يمثل بالفعل ثروات سورية من جهة وضمان حدود إسرائيل في الجنوب السوري من جهة اخرى.

ليست اميركا وحدها التي في حاجة الى روسيا. هناك أيضا حاجة روسية الى اميركا. هناك اتجاه الى صفقة بين القوة العظمى الوحيدة في العالم من جهة والقوّة الطامحة الى لعب دور في سورية من جهة أخرى، وذلك حفاظا على مصالح عدّة لموسكو. هناك مصلحة روسية في وجود على المتوسط. لم يعد من ميناء يعتبر قاعدة لروسيا في هذه المنطقة من العالم غير ميناء طرطوس. وهناك رغبة روسية في سدّ الأراضي السورية امام أي خط انابيب للغاز الآتي من الخليج. فضلا عن ذلك، تعتبر روسيا ان الورقة السورية تسمح لها بالمساومة في الموضوع الاوكراني عموما وما يخصّ شبه جزيرة القرم تحديداً.

الاهمّ من ذلك كلّه ان صفقة مع اميركا في سورية تسهّل على روسيا التخلص من العقوبات المفروضة عليها مستقبلاً. هذه العقوبات مرشّحة لان تزداد في غياب تفاهم مع إدارة ترامب التي تسعى بين وقت وآخر الى تأكيد انّها ليست على استعداد لمسايرة فلاديمير بوتين. تفعل ذلك من اجل نفي التهم التي وجهت الى الإدارة والى مساعدين كبار لترامب او افراد عائلته، بمن في ذلك نجله، في شأن اتصالات مع جهات روسية قبل يوم الانتخابات الأميركية في نوفمبر الماضي.

ما يقلق الروس حالياً، خصوصا الدوائر التي أوصلت بوتين الى الرئاسة، ان الرجل لم يفعل شيئا من اجل التخلص من العقوبات الأميركية وذلك في وقت ليس ما يشير الى ان أسعار النفط ستتحسّن قريبا. ستكون عقوبات جديدة تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا على روسيا بمثابة ضربة قويّة جديدة للاقتصاد الروسي، الضعيف أصلا، الذي ليس لديه ما يعتمد عليه سوى النفط والغاز. سيكون كافيا اخراج روسيا من النظام المصرفي العالمي الذي تتحكّم به الولايات المتحدة، كي تعاني من العزلة التي تعاني منها حاليا ايران.

هناك اهتمام في الدوائر التي أوصلت بوتين الى الرئاسة باعادة العلاقات مع الولايات المتحدة الى طبيعتها. تدرك هذه الدوائر انّ روسيا لا تستطيع العودة الى لعب دور القوّة العظمى القادرة على منافسة الولايات المتحدة مهما امتلكت من صواريخ وقنابل نووية. ايّام الحرب الباردة بين اميركا والاتحاد السوفياتي انتهت. لو كان الاتحاد السوفياتي قادرا على الدخول في منافسة مع اميركا، لما كان انهار قبل ربع قرن ولما كانت روسيا استعادت علمها وتخلت عن العلم الأحمر والمنجل والمطرقة.

ليس امام روسيا سوى مواجهة الواقع. الواقع يعني عقد صفقة مع الولايات المتحدة في وقت يوجد عشرة مطارات أميركية في الأراضي السورية بحجة الحرب على «داعش». في حين ان الوجود العسكري الاميركي في الأراضي السورية يصب في دعم الاكراد في إقامة كيان مستقلّ في الشمال السوري. مثل هذا التوجّه يقلق تركيا الى حد كبير، وقد ساعد حتّى الآن في التقريب بين انقرة وموسكو وفي جعل الحذر يخيّم على كل التصرفات التركية حيال كلّ ما هو أميركي في المنطقة.

ما يمكن ان يشجّع روسيا على الصفقة انّ إدارة ترامب تواجه حاليا مشاكل داخلية كثيرة. كان آخر دليل على ذلك استقالة الناطق باسم البيت الابيض شون سبايسر احتجاجا على تعيين انطوني سكاراموتشي، وهو رجل اعمال في «وول ستريت»، مسؤولا عن الاتصالات في الرئاسة الأميركية.

ايّا تكن اهمّية استقالة الناطق باسم البيت الأبيض، فهي تظهر ان إدارة ترامب لم تستطع بعد ترتيب أوضاعها، رغم مرور سبعة اشهر على بداية عهده. لا شكّ ان شخصا مثل بوتين سيأخذ ذلك في الاعتبار، كذلك الدوائر التي تدعمه، وهي مرتبطة بالاقتصاد والمال والامن...

هناك فرصة لا تعوّض لعقد مثل هذه الصفقة الروسية ـ الأميركية، في ضوء التهاء دونالد ترامب بمشاكله الداخلية وترتيب أوضاع ادارته التي لا تتحدث كلّ الوقت بصوت واحد.

يظل السؤال الأهمّ اين موقع ايران في صفقة أميركية ـ روسية تتعلّق بسورية، خصوصا ان الاستثمار الايراني في المحافظة على بشّار الأسد، ولو رئيسا شكليا، كان ضخماً؟ هل يمكن لإيران ان تخرج خالية الوفاض من سورية بعد كلّ الذي فعلته من اجل النظام؟

من الواضح ان هناك ميلاً في واشنطن وموسكو الى تفاهم بين الجانبين. ولكن هل تستطيع روسيا تجاهل المصالح الايرانية، رغم ان التدخل العسكري الروسي المباشر كان بالتنسيق بين موسكو وطهران؟

يصعب على روسيا التخلي عن ايران في سورية. سيتوجب عليها إيجاد وسيلة لاقناع طهران بأن خسارتها لورقتها السورية صار امراً محسوماً وذلك مهما فعلت من اجل اظهار العكس.

سيكلف ايران الاقتناع بأن ورقتها السورية صارت جزءا من الماضي، الكثير. ليس الهجوم الذي يشنّه «حزب الله» مع بقايا القوات التابعة للنظام السوري في جرود بلدة عرسال، سوى دليل على رغبة إيرانية في اثبات انّها لا تزال لاعباً في سورية.

هل تكفي مغامرة عرسال كي تثبت ايران انّ لا احد يستطيع إخراجها من سورية، خصوصا بعد الاتفاق الاميركي ـ الروسي - الأردني في شأن الجنوب السوري؟

تصعب الإجابة عن هذا السؤال حتّى لو انّ إسرائيل أعلنت اعتراضها عليه. في نهاية المطاف، لا يمكن لإسرائيل الّا ان تكون الطرف الرابع، غير المعلن، في الاتفاق، وذلك في ضوء العلاقة العميقة التي تربطها بروسيا والاصرار الروسي والاميركي على اخذ مصالحها في الاعتبار.

تبدو الصفقة الأميركية ـ الروسية اكثر من حاجة للجانبين. موسكو في حاجة اليها وواشنطن تبدو مستعدة لها كي يتفرّغ ترامب لمشاكله الداخلية. صحيح ان ايران تظلّ لاعبا في سورية، لكنّ الصحيح أيضا انّ الوسائل التي تمتلكها ليست كافية لعرقلة مثل هذه الصفقة التي ستجعلها تركّز اكثر فأكثر على الإمساك بلبنان عبر «حزب الله». وهذا ما تفعله حالياً بوسائل مختلفة، تعتبر معركة عرسال احداها.

عن الرأي الكويتية

اخر الأخبار