بعد فشل وساطة أردوغان... التوتّر الإقليمي إلى إرتفاع

تابعنا على:   11:49 2017-07-26

ناجي س. البستاني

لم تكن الآمال التي عُلّقت على الوساطة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان بين قطر من جهة والسعوديةوالدول الحليفة من جهة ثانية، كبيرة من الأساس، بسبب إعتبار خُصوم الدوحة أنّ أنقرة مُنحازة تمامًا إلى جانب قطر، ولا يُمكن أن تقوم بدور وسطي حيادي، خاصة وأنّها أرسلت وحدات عسكريّة تابعة لها إلى قطر، وورّطت نفسها بالتالي في عمق الأزمة القائمة. لكن وعلى الرغم من أجواء التشاؤم كان يوجد بريق أمل طفيف بأن يتمكّن أردوغان من إيجاد مخرج ما يُرضي الجميع. إلا أنّ هذا الأمر لم يحصل، وأجمعت كل التقارير والمعلومات المتوفّرة على فشل الوساطة التركيّة، على الرغم من وصف أردوغان زيارته بالمُثمرة. فما الذي سيحصل تبعًا لذلك؟.
لا شكّ أنّ الصراع الحالي بين قطر من جهة وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى، يتجاوز الأسباب المُعلنة في الإعلام، ويُلامس مسألة زعامة العالم الإسلامي في المنطقة، وهو دور تطمح إليه كل من السعودية ومصر من الدول العربيّة وكل منتركياوإيرانمن خارج هذه الدول.

والخلافات تعاظمت بين قطر وخُصومها في الخليج، نتيجة سعي الدوحة إلى لعب دور إقليمي يفوق بكثير ثقلها السياسي وقدراتها العسكريّة، وذلك من خلال إستغلال أموالها الطائلة لتمويل ولدعم العديد من الجماعات المُسلّحة في مُختلف الدول العربيّة التي شهدت مشاكل أمنيّة وتحرّكات شعبيّة مُناهضة للسُلطات الحاكمة فيها. وقد أسفر هذا الأمر عن حُصول مُواجهات أمنيّة مُباشرة بين جماعات مُسلّحة مدعومة من قطر وجماعات مُسلّحة أخرى مدعومة من خُصومها في الخليج، وذلك في كل من سوريا واليمن وليبيا، وإلى تباين كبير في التعاطي مع المشاكل في هذه الدول وفي غيرها أيضًا مثل العراق ومصر، إلخ...
ولأنّ الصراع في المنطقة بلغ في السنوات القليلة الماضية أشدّه بين إيران والدول والقوى الحليفة لها من جهة، والسعودية والدول والقوى الحليفة لها من جهة أخرى، سارعت طهران إلى توفير الدعم اللازم لقطر، للإلتفاف على العُقوبات الخليجيّة التي فُرضت عليها، ولوّ من دون الكثير من الضجيج الإعلامي، وذلك بهدف إستخدام ورقة الصراع القطري-الخليجي ضمن الصراع الإيراني مع السعوديّة والدول الحليفة لها. وفي الوقت نفسه، سارعت أنقره إلى دعم ومُؤازرة الدوحة بشكل علني وواضح، بهدف الإستفادة بدورها من الإنقسام الخليجي، ومُقايضة تدخّلها إلى جانب قطر، بمطالب مُتفرّقة لها تمتد من مصر إلى الخليج، وتشمل قضايا سياسيّة وإقتصاديّة مُختلفة.
إشارة إلى أنّه بعد أن لمست تركيا رفض السعوديّة والإمارات والبحرين ومصر التنازل عن لائحة المطالب التي رفعتها إلى قطر، ومن بينها إقفال القاعدة العسكريّة التركيّة في الدوحة، بدأت تصدر من أنقره مواقف تُنذر بارتفاع مُستوى التوتّر الإقليمي، مع تأكيد مصادر تركيّة عدّة عزم أنقره توسيع قاعدتها العسكرية في الدوحة وليس إقفالها، ومع حديث بعض المسؤولين الأتراك عن "ربيع" جديد قد يظهر في بعض الدول العربيّة "الضخمة والكبيرة والتي تسير خلف قبيلة واحدة"، في إستفزاز واضح للمَملكة العربيّة السعوديّة.
والإتجاه الحالي للأزمة مع قطر يُنذر بمزيد من التدهور، في ظلّ توقّعات بتشديد الإجراءات والعُقوبات المفروضة على الدوحة، لجهة المُضيّ قُدمًا في تجميد عضويّة قطر فيمجلس التعاون الخليجي، وكذلك تجميد عُضويّتها في جامعة الدول العربيّة، وفرض المزيد من العقوبات الإقتصادية والدبلوماسية عليها، وسحب الودائع المالية كافة من مصارفها، ومنع طيرانها المدني من استخدام مطارات الدول المُقاطعة، وُصولاً إلى مُقاضاتها أمام المحكمة الجنائيّة الدَوليّة، بسبب إتهامات بتورّطها "فيتمويل الإرهاب" في العديد من الدول العربيّة، خاصة في ليبيا ومصر.
والمُفارقة أنّ التوتّر الإقليمي المُتصاعد حجب الرؤية عن صراعات أخرى لا تقلّ أهميّة، بدءًا بالتوتّر الحاصل بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، مُرورًا بالحرب السوريّة التي لم تنتهِ فُصولاً بعد، وُصولاً إلى المعارك في العراق والتي لم تصل بدورها إلى نهايتها بعد. وعلى الرغم من أنّه من المُستبعد تمامًا أن تتعرّض السعوديّة إلى أزمة داخليّة على غرار ما حصل في أكثر من بلد عربي في السنوات القليلة الماضية، على الرغم من مُحاولات العديد من خصومها لدفع الأمور بهذا الإتجاه، وذلك بسب إختلاف ظروفها وكذلك بسبب أهمّية إستقرارها على الإستقرار الإقتصادي والمالي والنفطي في العالم أجمع، فإنّ إستمرار عمليّات "شدّ الحبال" بين المحاور الأربعة المُتصارعة على الزعامة الإسلاميّة في المنطقة، أي كل من إيران والسعودية ومصر وتركيا، سيُبقي حال التوتّر على أعلى مُستوى، وسيُبقي بعض التحالفات التكتيّة عرضة للتبدّل تبعًا لتطوّرات الصراع.
ولا شكّ أنّ أبرز المُستفيدين من الأزمة الخليّجية الحالية همالولايات المتحدة الأميركيّة التي تسعى لأن تكون الوسيط الذي سيُنهي الأزمة في المُستقبل في مُقابل مكاسب عدّة، وإيران التي تُواصل توسيع سيطرتها السياسيّة والأمنيّة إقليميًا مُستفيدة من أذرعها العسكريّة التي تنمو باضطراد وكذلك من الإنقسامات الداخليّة التي تسمح لها بالتمدّد من دون مُواجهة حقيقيّة. أمّا تركيا التي تُعتبر بدورها مُستفيدة-ولوّ بنسبة أقلّ، فتسعى من جهتها لحفظ مصالحها السياسيّة والإقتصاديّة المُتشعّبة مع أكثر من دولة إقليميّة، وتُحاول إستغلال أكبر قدر مُمكن من الملفّات لتحويلها إلى أوراق مُساومة في يدها، عندما ستحين ساعة التسوية الكبرى في المنطقة، بدءًا من سوريا.
عن النشرة اللبنانية

اخر الأخبار