معركة الأقصى والدروس المستفادة‏

تابعنا على:   10:49 2017-07-27

كمال أبو شاويش

على مدى الأسبوعين الماضيين عاشت جماهير شعبنا عامة، وأهلنا في القدس خاصة، أياماً ‏عصيبة، نتيجة للإجراءات التعسفية التي أقدمت عليها حكومة الاحتلال الإسرائيلي على بوابات المسجد ‏الأقصى، وبخاصة باب الأسباط. وطوال تلك الأيام والليالي، ظلّ أبناء القدس معتصمين مرابطين أمام ‏بوابات الأقصى، رافضين كل الإجراءات التي تحول بينهم بين الصلاة في المسجد الأقصى بشكلٍ ‏طبيعي، مصممين بكل عزم وفدائية على عودة الأمور كما كانت عليه سابقاً، حتى تحقق لهم ما أرادوا ‏بفعل الصمود والثبات والتحدي الذي تحلى به المقدسيين. وأمام هذا الانجاز الوطني، الذي لا يمكن ‏وصفة إلا بالنصر على آلة الاحتلال، فلا بد لنا أن نتوقف عند جملة من الدروس المُستخلصة من هذه ‏المعركة:‏

‏1)‏       الدرس الأول: أن القدس والأقصى خطٌ أحمر: لعل أهم الدروس، التي كرستها معركة ‏الأقصى الأخيرة، أن مدينة القدس هي جوهر الصراع، وعنوان الاستقرار في فلسطين ‏والعالمين العربي والإسلامي، ومخطئ من يظن أن الانتهاكات الإسرائيلية في القدس يمكن ‏أن تمر مرور الكرام. ولعل هذه المعركة قد لفتت انتباه العالم لحجم المعاناة اليومية التي ‏يكابدها المقدسيون، نتيجة لمحاولات التهويد والتجريف والتضييق، التي تستهدف المعالم ‏الإسلامية للمدينة. وهذا في حد ذاته انجاز مهم ينبغي المراكمة عليه، والاستمرار في دعم ‏صمود أهلنا في القدس بشكل دائماً ومستمر، وليس في المحن والمحكات فحسب.‏

‏2)‏       الدرس الثاني: الحقوق لا تُستعاد إلا بالصمود: لقد أكد المقدسيون – ومن خلفهم أبناء ‏شعبنا- من جديد على أن الحقوق الوطنية تُنتزع ولا تُعطى، ولا تتأتى إلا بالصمود والثبات ‏على الأرض، ورفض كل الحلول «الوسط» التي تنتقص من الحقوق الكاملة لشعبنا في ‏أرضه ومقدساته. كما وأظهرت الهبة الأخيرة قدرة الشعب الفلسطيني على استعادة طاقته ‏وحيويته النضالية، وتسعير المواجهات المباشرة مع قوات الاحتلال في كافة أماكن تواجده، ‏مما هدد باندلاع موجة جديدة من الانفجار والانتفاض الشعبي في وجه الاحتلال، قد تتسع ‏رقعتها لتشمل كافة مناطق الضفة الغربية. وأن العمل النضالي الكفاحي لا بد أن يتوازي ‏بجهد إعلامي فعال وقادر على نقل الصورة الحية، وكذا جهد سياسي جاد ومثابر لإيصال ‏الرواية الفلسطينية لكل العالم. ‏

‏3)‏       الدرس الثالث: لقد برهنت الأيام السابقة على مركزية الدور الذي يلعبه الفلسطينيون في ‏الدفاع عن الأرض والمقدسات، وأنه يقع على عاتق الفلسطينيين تفعيل أدوات نضالهم، ‏وتعزيز وسائل صمودهم وثباتهم على الأرض. فلقد كانت معركة الأقصى الأخيرة كاشفة ‏لحجم الضعف والهوان العربي والإسلامي، وحق لنا أن نتساءل عن الدور العربي ‏والإسلامي، والدور الذي تضطلع به لجنة القدس (برئاسة المملكة المغربية) في دعم صمود ‏أهلنا في القدس. والحاصل، أن تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الوطن العربي، في ‏أعقاب «الثورات العربية»، أدت لتراجع مكانة القضية الفلسطينية على جدول أعمال النظم ‏العربية؛ وهذا بالتالي يضيف أعباءً أخرى على كاهل الفلسطينيين.‏

‏4)‏       الدرس الرابع: الوحدة الوطنية: لقد عكست معركة الأقصى حالة مثالية من الوحدة الوطنية، ‏التي تجسدت في الميدان؛ فلم يكن غريباً أن نرى المسلمين والمسيحيين يقفون جنباً إلى ‏جنب أمام بوابات الأقصى، ولفت انتباه العالم رجل الدين المسيحي وهو يؤدي صلاته ‏الخاصة بين جموع المسلمين. كما وعكست هبة الأقصى المعدن الأصيل لأبناء شعبنا ‏الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، في الضفة الغربية وقطاع غزة والداخل المحتل، وفي ‏كافة مناطق الشتات الفلسطيني، الذين هبوا هبة رجل واحد دفاعاً عن الأقصى، وإسناداً ‏لأهلها الصامدين.‏

هذه بعضاً من الدروس المُستفادة من معركة الأقصى. لكن الدرس الأهم على الإطلاق – في وجهة ‏نظري- هو ضرورة تجسيد الوحدة الوطنية بين كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي. فلقد برهنت ‏أحداث الأيام الماضي أننا لم نعُد نملك ترف الإبقاء على حالة الانقسام الداخلي، ومن غير المتوقع ‏أن يلتفت لنا الأشقاء والأصدقاء طالما بقينا منقسمين مشرذمين. لقد آن الأوان أن نستغل هذه الحالة ‏الوطنية الفياضة، وأن نراكم على هذا الانجاز، ونسارع فوراً لطي صفحة الانقسام مرة وإلى الأبد؛ ‏لنجنب شعبنا وقضيتنا المهالك والأخطار. ‏ 

اخر الأخبار