معركة الأقصى والدروس المستفادة
كمال أبو شاويش
على مدى الأسبوعين الماضيين عاشت جماهير شعبنا عامة، وأهلنا في القدس خاصة، أياماً عصيبة، نتيجة للإجراءات التعسفية التي أقدمت عليها حكومة الاحتلال الإسرائيلي على بوابات المسجد الأقصى، وبخاصة باب الأسباط. وطوال تلك الأيام والليالي، ظلّ أبناء القدس معتصمين مرابطين أمام بوابات الأقصى، رافضين كل الإجراءات التي تحول بينهم بين الصلاة في المسجد الأقصى بشكلٍ طبيعي، مصممين بكل عزم وفدائية على عودة الأمور كما كانت عليه سابقاً، حتى تحقق لهم ما أرادوا بفعل الصمود والثبات والتحدي الذي تحلى به المقدسيين. وأمام هذا الانجاز الوطني، الذي لا يمكن وصفة إلا بالنصر على آلة الاحتلال، فلا بد لنا أن نتوقف عند جملة من الدروس المُستخلصة من هذه المعركة:
1) الدرس الأول: أن القدس والأقصى خطٌ أحمر: لعل أهم الدروس، التي كرستها معركة الأقصى الأخيرة، أن مدينة القدس هي جوهر الصراع، وعنوان الاستقرار في فلسطين والعالمين العربي والإسلامي، ومخطئ من يظن أن الانتهاكات الإسرائيلية في القدس يمكن أن تمر مرور الكرام. ولعل هذه المعركة قد لفتت انتباه العالم لحجم المعاناة اليومية التي يكابدها المقدسيون، نتيجة لمحاولات التهويد والتجريف والتضييق، التي تستهدف المعالم الإسلامية للمدينة. وهذا في حد ذاته انجاز مهم ينبغي المراكمة عليه، والاستمرار في دعم صمود أهلنا في القدس بشكل دائماً ومستمر، وليس في المحن والمحكات فحسب.
2) الدرس الثاني: الحقوق لا تُستعاد إلا بالصمود: لقد أكد المقدسيون – ومن خلفهم أبناء شعبنا- من جديد على أن الحقوق الوطنية تُنتزع ولا تُعطى، ولا تتأتى إلا بالصمود والثبات على الأرض، ورفض كل الحلول «الوسط» التي تنتقص من الحقوق الكاملة لشعبنا في أرضه ومقدساته. كما وأظهرت الهبة الأخيرة قدرة الشعب الفلسطيني على استعادة طاقته وحيويته النضالية، وتسعير المواجهات المباشرة مع قوات الاحتلال في كافة أماكن تواجده، مما هدد باندلاع موجة جديدة من الانفجار والانتفاض الشعبي في وجه الاحتلال، قد تتسع رقعتها لتشمل كافة مناطق الضفة الغربية. وأن العمل النضالي الكفاحي لا بد أن يتوازي بجهد إعلامي فعال وقادر على نقل الصورة الحية، وكذا جهد سياسي جاد ومثابر لإيصال الرواية الفلسطينية لكل العالم.
3) الدرس الثالث: لقد برهنت الأيام السابقة على مركزية الدور الذي يلعبه الفلسطينيون في الدفاع عن الأرض والمقدسات، وأنه يقع على عاتق الفلسطينيين تفعيل أدوات نضالهم، وتعزيز وسائل صمودهم وثباتهم على الأرض. فلقد كانت معركة الأقصى الأخيرة كاشفة لحجم الضعف والهوان العربي والإسلامي، وحق لنا أن نتساءل عن الدور العربي والإسلامي، والدور الذي تضطلع به لجنة القدس (برئاسة المملكة المغربية) في دعم صمود أهلنا في القدس. والحاصل، أن تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الوطن العربي، في أعقاب «الثورات العربية»، أدت لتراجع مكانة القضية الفلسطينية على جدول أعمال النظم العربية؛ وهذا بالتالي يضيف أعباءً أخرى على كاهل الفلسطينيين.
4) الدرس الرابع: الوحدة الوطنية: لقد عكست معركة الأقصى حالة مثالية من الوحدة الوطنية، التي تجسدت في الميدان؛ فلم يكن غريباً أن نرى المسلمين والمسيحيين يقفون جنباً إلى جنب أمام بوابات الأقصى، ولفت انتباه العالم رجل الدين المسيحي وهو يؤدي صلاته الخاصة بين جموع المسلمين. كما وعكست هبة الأقصى المعدن الأصيل لأبناء شعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، في الضفة الغربية وقطاع غزة والداخل المحتل، وفي كافة مناطق الشتات الفلسطيني، الذين هبوا هبة رجل واحد دفاعاً عن الأقصى، وإسناداً لأهلها الصامدين.
هذه بعضاً من الدروس المُستفادة من معركة الأقصى. لكن الدرس الأهم على الإطلاق – في وجهة نظري- هو ضرورة تجسيد الوحدة الوطنية بين كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي. فلقد برهنت أحداث الأيام الماضي أننا لم نعُد نملك ترف الإبقاء على حالة الانقسام الداخلي، ومن غير المتوقع أن يلتفت لنا الأشقاء والأصدقاء طالما بقينا منقسمين مشرذمين. لقد آن الأوان أن نستغل هذه الحالة الوطنية الفياضة، وأن نراكم على هذا الانجاز، ونسارع فوراً لطي صفحة الانقسام مرة وإلى الأبد؛ لنجنب شعبنا وقضيتنا المهالك والأخطار.