العالم إلى الأمام قطر إلى الخلف

تابعنا على:   11:43 2017-08-13

سوسن الشاعر

نجحت «عاصفة الحزم» في منع اكتمال مشروع «الهلال الإيراني»، ووصوله إلى صنعاء، وقدمت من أجل منع هذا المشروع أرواح شبابها للحفاظ على عروبة اليمن، وحماية حدودها من المد الصفوي، وقطعت الطريق أمام سقوط اليمن في مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي كان من المفروض أن يقسم الدول العربية إلى دويلات يهيمن النفوذ الإيراني على كثير منها في منطقة الجزيرة العربية.
حين صرح حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات الإيراني في حكومة أحمدي نجاد، عام 2015 بأن «إيران تسيطر على أربع عواصم عربية»، كان يقصد حينها دمشق وبيروت وصنعاء وبغداد، وعلينا أن نأخذ في الاعتبار أن مصلحي وزير للاستخبارات، أي أنه يعلم من هم عملاؤه؛ كان يقصد أن التقسيمات الإثنية الجديدة للشرق الأوسط الجديد أوشكت أن تكتمل، لولا «عاصفة الحزم» التي حطمت أحلام مصلحي، إلى أن فوجئت إيران بأن هناك عاصمة عربية تعرض عليها نفسها طواعية، وتتبرع لتحل محل صنعاء مقابل حماية النظام، فأي غباء سياسي هذا؟ وأي إفلاس؟
فبعد أن دحرت البحرين الصغيرة إيران، ولقنتها درساً في العزة والكرامة والقوة والمنعة، وقدمت من أجل ذلك التضحيات الجسيمة، وبعد أن منعت «عاصفة الحزم» سقوط صنعاء، فتحت الدوحة أبوابها طواعية لإيران كي تكون لها العاصمة العربية الرابعة. ودون أن تبذل إيران جهداً، ارتمت قطر في أحضانها، وتظن أنها بذلك تكيد للمملكة العربية السعودية، إنه السفه ممثلاً في دولة، فإن لم يكن ذلك انتحاراً سياسياً، فماذا يكون؟
تتبرع الدوحة الآن لتكون الذراع الإيرانية داخل مجلس التعاون، تتبنى أهدافها وخطابها وأدواتها، إنما الغباء السياسي لا يتجلى في الارتماء في حضن الذئب الإيراني؛ الغباء يصبح في أعلى درجاته في اختيار التوقيت!!
ألا ترى الدوحة أن هناك التفاتة دولية واستدارة عالمية ضد إيران، وأن المشروع يعاد تقسيمه ورسمه من جديد على حساب السهم الإيراني فيه؟
ألا ترى أن إيران ذاتها بدأت تعي ذلك، رغم عنادها، فإنها أدركت تلك المتغيرات الدولية منذ لحظة انتخاب ترمب، ولم تعاند الواقع، وها هي تعيد ترتيب أوراقها، فما بال قطر لا تتعلم من شريكتها على الأقل؟!
إيران تعرف أن المتغيرات ستأتي على مناطق نفوذها في العراق، وفي سوريا، وستخسر كثيراً مما كسبته على الأرض نتيجة التسويات والتفاهمات الروسية الأميركية في سوريا من جهة، ونتيجة التفاهمات السعودية الأميركية في العراق من جهة أخرى، ونتيجة صمود مصر والسعودية والبحرين، لهذا أسرعت ببناء استراتيجيتها الجديدة، فأمرت عملاءها بتبديل جلودهم لركوب الموجة الجديدة، فهاهو الحكيم والمالكي يبدلان جلودهما بخطوات متسارعة، نتيجة إدراك قطر أن التسويات تقتضي تقليص نفوذها.
وهذا هو سبب «انتفاضة» دول التحالف الرباعي، وتحركاتها غير المعهودة في العراق، بالتواصل مع الصدر والأعرجي هناك، وفي ليبيا، بالتواصل مع السراج والمشير حفتر، وإعادة الوصل بين حماس والقاهرة؛ كل تلك المتغيرات أتت على نفوذ إيراني كان مرسوماً. أصحاب المشروع يعيدون رسمه من جديد، والتصدي للدور القطري، ومنعه من تمويل التنظيمات المسلحة المكلفة إسقاط تلك الأنظمة، ما عاد منوطاً بالتحالف الرباعي الآن، بل بالعالم أجمع. كان ذلك التقاطة ذكية، وتوظيفاً جيداً لتلك المتغيرات، وهذا ما لم تدركه قطر في مؤتمر الرياض، رغم توجيه الدعوة لها للانضمام لهذا الركب، لكنها أبت، ولم تكتفِ بالرفض، بل انتحرت حين ارتمت في أحضان اللاعب الخاسر، إذ ما زالت تعتقد أن تلك المتغيرات طارئة، وستعود الأمور كما كانت عليه قبل انتخاب ترمب، وقبل دخول الروس!
ما بال قطر ماضية وحدها كالكبش الذي يتنافض ويرفس لمنع السكينة عن نحره؟ ألا تقرأ المعطيات الواقعية؟ ألا ترى أن جل ما تفعله الولايات المتحدة هو محاولة تقليل الخسائر القطرية، لا أكثر ولا أقل، إكراماً لـ«العديد»، وإكراماً للمليارات السابقة التي صرفتها قطر على المشروع السابق؟ وأن تلك (الإكراميات) لها حدود، ولن تستمر؟ فإن أصرت قطر وعاندت ستتخلى أميركا عنها، فهناك أولويات آتية تخدم المصالح الأميركية، وهناك تسويات وصفقات آتية تهمش الدور القطري الذي كان ثانوياً من الأساس، للعودة بها لحجمها الطبيعي، ألا ترى قطر أنها تصرف المليارات في الوقت الضائع، وتحرقها كما تحرق أعواد البخور دون طائل لكسب الوقت؟ ألا ترى أن رهانها على الجواد الخاسر (إيران) هو أيضاً في الوقت الضائع ويعد قمة في الغباء السياسي؟!
«المشاريع الدولية العظمى»، أيتها العزيزة قطر، لاعبوها كبار بثقلهم الجيوسياسي، وكون الكبار منحوها دوراً ثانوياً صغيراً في أحد تلك المشاريع لا يعني أبداً أن قطر أصبحت دولة عظمى؛ كلما أدركت قطر هذا الواقع مبكراً، أنقذت شعبها المسالم البسيط الذي كان عيشه يأتيه رغداً، فأجبرته قيادته أن يصحو فجأة، ويواجه إعصاراً دولياً خطيراً دون ذنب، ودون استيعاب، ودون قدرة على الفهم.

عن الشرق الأوسط

اخر الأخبار