بعد نتنياهو: تاريخ جديد لإسرائيل- فلسطين

تابعنا على:   11:21 2017-08-17

أسامة الغزولي

يوشك ظل بنيامين نتنياهو أن ينحسر عن المشهد الإسرائيلى- الفلسطينى. ويبدو توماس فريدمان (نيويورك تايمز 12 يوليو 2017) وكأنه يحرض على التعجيل بالتخلص من نتنياهو، بقوله: «فى ظل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تجاوزت إسرائيل حد الممكن والمعقول بأن مَحَت الخط الفاصل بينها وبين الفلسطينيين- باستيعابها مليونين ونصف المليون من الفلسطينيين القادرين على تحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، يهودية/ عربية، بحكم الواقع- وبأن مدت، فى الوقت ذاته، خطا فاصلا بينها وبين يهود الشتات، وبخاصة الجماعة اليهودية فى الولايات المتحدة».

لا يزعج فريدمان أن الجماعات الإثنية الأقرب إليه فى إسرائيل- فلسطين، وهى الجماعات اليهودية، تنتهك حقوق الجماعة الإثنية الوحيدة التى تمتلك حقا تاريخيا موثقا فى فلسطين، وهى الجماعة العربية الفلسطينية التى عمرت فلسطين وحفظتها، عبر التاريخ، وأحسنت استقبال كل مَن عاد إليها من اليهود عبر العصور، وقبل انكشاف الخيانة الصهيونية. وها هى الجماعة الفلسطينية، اليوم، ضحية عزلاء تضطهدها الجماعات اليهودية وتسرق أراضيها. لا يخجل من حقيقة أن المشروع الصهيونى هو الكولونيالية الوحيدة الباقية على ظهر الأرض، لكنه يخشى ما يمكن أن يترتب على السياسات الاستيطانية الراهنة من تقارب بين الجماعات الإثنية، خاصة بين اليهود والفلسطينيين، بحكم التجاور الذى ينشأ عن الاستيطان، بحكم الخير الذى ينشأ عن الشر، وإن جاء ذلك الخير عن غير قصد. ويخشى أيضا أن تصبح تلك الدولة «دولة وطنية للإسرائيليين» على تنوع إثنياتهم، لا«دولة وطنية لمجمل الشعب اليهودى».

فهل الدولة العبرية دولة لليهود، أم دولة للإشكناز؟ فى الدولة العبرية، اليوم، أقل من ثلاثة ملايين يهودى إشكنازى، وفى الولايات المتحدة ما يزيد على ستة ملايين منهم، وهؤلاء هم أقوى وأغنى مؤيدى إسرائيل، وبالتالى فهم موجِّهو سياساتها. وعندما أعلن الإشكنازى ديفيد بن جوريون قيام إسرائيل، فقد أسس دولة للإشكناز. لكنها تحولت مع الأيام إلى دولة لمختلف الجماعات اليهودية، للإشكناز (يهود الغرب) وللسفارديم والمزراحى (يهود إسبانيا والبرتغال والشرق الأوسط) على السواء. ويبقى أن تتحرر من سلطة المال الإشكنازى، لتصبح أقدر على التجاوب مع واقعها المحلى والإقليمى.

وهذا ما يخشاه فريدمان. يخشى التقارب بين اليهود والعرب فى الدولة العبرية، والذى نراه ضروريا للسبب ذاته الذى يجعل فريدمان يرفضه، فهذا التقارب هو الذى يحول الدولة العبرية إلى دولة وطنية حقيقية، لا قاعدة نفوذ فى الشرق الأوسط ليهود نيويورك. وعندئذ تخطو منطقتنا خطوة واسعة، خطوة ثورية، فى اتجاه الاستقرار الذى لم تعرفه منذ 1948 ولكن بشرط أن يتوقف الاستيطان، وأن تكف إسرائيل عن السياسات التى تجعل حياة أى شاب فلسطينى «مثقلة بالمهانة والحرمان والفرص الضائعة»، كما قال وارن سبيلبرج، فى دراسة عن الشباب العربى فى القدس. عندئذ فقط يمكن أن تتشكل البيئة التى يمكن فيها للعرب واليهود صوغ مستقبل يقوم على احترام متبادل.

فهل يكون اختفاء نتنياهو مقدمة لمثل هذه التطورات؟ هل تولد إسرائيل جديدة أكثر قدرة على التفاهم والتعاون مع جيرانها، بعد اختفاء هذا السياسى الذى يترأس التكتل الأكثر يمينية فى تاريخها، والذى وضع التفاهمات مع الفلسطينيين على طريق مسدود؟

نتنياهو الذى يحتل المرتبة الثانية بعد بن جوريون، من حيث عدد سنوات رئاسته للحكومة، قد لا تُسقطه مظاهرات تحتل الشوارع والميادين الكبرى، أو صيحات تقول: «الشعب يريد إسقاط نتنياهو»، بل ربما تُسقطه قضيتان، يؤكد هو- حتى الآن- أنهما ملفقتان. لكن إذا انتهت التحقيقات الجارية اليوم إلى توجيه اتهام إلى نتنياهو فسوف يكون أول رئيس حكومة توجه له اتهامات جنائية وهو فى منصبه. وإن أُدين فسوف يكون أول رئيس حكومة يغادر المنصب بغير الطريق الانتخابى. وتخلِّى مساعديه وأعضاء حزبه عنه- والذى بدأ بالفعل- قد يتحول إلى تطور «ثورى» فى الحدود الضيقة لمفهوم الثورة فى دولة مهزوزة، بسبب غياب العدل وليس بسبب قلة السلاح، مثل الدولة العبرية.

النخبة تتغير، فى العالم كله، فلماذا لا تتغير فى إسرائيل- فلسطين؟ الثقافة السياسية تتغير فى العالم كله، فلماذا لا تتغير فى إسرائيل- فلسطين؟

عن المصري اليوم

اخر الأخبار