السبب في دفاع الموظفين الضحايا عن جلادهم

تابعنا على:   15:15 2017-08-17

احمد جمال النجار

مازال المشهد غريباً متناقضاً فما أن شرع رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته باجراءاته الغير انسانية تجاه قطاع غزة وعلى وجه الخصوص اقتطاع 30% من رواتب آلالاف الموظفين ممن هم ليسوا على رأس عملهم ,وقيامه مؤخراً بإحالة الآلاف منهم للتقاعد المبكر ,

خرج الآلاف من عناصر الأجهزة الأمنية المكلومين في المحافظات الجنوبية بتظاهرة احتجاجية كبيرة نسبيا بساحة السرايا, و دوت صرخاتهم المدمدمة في أرجاء المكان, معلنة الثبور والرفض الكامل ل-قرارات "حكومة الحمدلله"

الظالمة ,متجاهلة عمداً ,الجاني المخطط والمدبر والمسئول الاول عما يحدث لهم , بل وصل بهم الحال بمطالبته بالدفاع عنهم والوقوف بجانبهم في مجابهة حكومة الحمد لله الجائرة وصدها عن غيها , وهم على علم يقيني بأن الحمد لله

وحكومته مجرد بيادق يحركها الرئيس كيفما شاء,

لعب الموظفون دور الاطفال المفرطين في الطاعة العمياء بعلاقتهم مع السلطة الأبوية الآمرة ولم ينتهوا عن تكرار ذلك, هل ابدوا تلك الردود اللامنطقية الاستجدائية الخانعة لكي

يبادلهم الرئيس الجلاد بمشاعر العطف وينظر لهم بعين الشفقة والرحمة ؟ نعم هذه واحدة , الثانية سيطرة حالة من الرعب المطبق والخوف من الأسوا والاشد ضراوة وقسوة (القطع الكلي للراتب) و وصولهم تهديدات بذلك, " ريحة البر ولا عدمه "منطق الخنوع والخضوع والذيلية الكلبية ,

لكن يبقى هناك علامات استفهام كبيرة حول فئة تطور بها الحال وازداد غرابة أكثر فأكثر وشططا في اللامنطقية ,حيث تشاهد أفرادها خلال جلساتهم العامة والخاصة في الدواوين والمقاهي وغيرها لا ينكرون على الرئيس ما فعل ويفعل وما سيفعل ,

و الأغرب تطور الأمر وصولاً للتعاطف مع الرئيس الجلاد بمشاعر ايجابية علاوة على لعب دور المدافع العنيد عند تبرير تلك الاجراءات (هذه اجراءات مؤقتة ستلغى بعد مدة حينما تؤتي أكلها,نقبل ان نكون بارود في مدافع الرئيس ان كان الهدف اسقاط قلاع حماس),

كيف لضحية أن تتعاطف مع جلادها بل الدفاع عنه رغم تعريضه حياتها للخطر وكيف لضعيف أن يتعاطف مع قوي , في حين أن جوهر التعاطف مبني على شعور صاحب القدرة بفاقدها ، حيث تجد الغني متعاطف مع الفقير , بينما الفقير أقل قدرة من الغني على التعاطف مع أقرانه من الفقراء لأن فاقد الشيء لا يعطيه ,

هذا أمر مستجد في بلادنا لكنه ليس بسابقة تاريخية, إبان ثورة 25 يناير 2011 العظيمة ضد النظام البائد ,نظام الاستبداد والفساد والقمع ,خرجت تظاهرات كبيرة مناوئة مضادة للثورة , متعاطفة مع مبارك عقب خطابه الذي ألهب به عاطفة الجماهير ,و قامت بالاشتباك مع المتظاهرين بميدان التحرير مثربة عليهم كفرانهم بنعمة الإستبداد

(نعمة القذافي ,ونعمة مبارك,... ),ها نحن مرة امام تعاطف للضحايا مع جلاديها ,ما السبب في ذلك هل هو سيكولوجي؟

الراجح ان الامر سيكولوجي ,في الثالث والعشرين من أغسطس عام 1973 قام مجموعة من اللصوص بالسطو على بنك (كريدتبانكن) بالعاصمة السويدية ستوكهلوم وقاموا باحتجاز مجموعة من موظفي البنك كرهائن واستمر ذلك

الاحتجاز لمدة 6 ايام وتم الافراج عنهم , الغريب العجيب أنه بدا على موظفي البنك حملهم لمشاعر ايجابية تجاه الخاطفين بل ان بعضهم قام بالدفاع باستماتة عن الخاطفين داخل أروقة المحكمة, فما الذي حدث داخل ذلك البنك وأدى إلى ظهور تلك المشاعر الإيجابية لدى المخطوفين تجاه خاطفيهم؟

حسب تفسير المختص بعلم النفس "فرانك أوشبيرغ " لمكتب التحقيقات الفيدرالي و جهاز الشرطة البريطانية "سكوتلاند يارد" ,لكيفية تطور التعاطف لدى الرهينة مع الخاطف، الضحية مع جلادها ، يرى أن الرهينة تشعر بخطر داهم و مفاجئ بداية

الأمر، كما تشعر أن (الموت بات قريباً جداً)(الحسم الكلي للراتب)، لكن بعد فترة وجيزة ، تجد أن الخاطف يقدم للرهينة أسباب الحياة، كالطعام، والشراب، إضافة إلى الطبابة في بعض الأحيان(30%)، كما فعل لصوص ستوكهولم .

من جهة أخرى، تشعر الرهينة بارتياح تجاه بقائها على قيد الحياة بعد مرور وقت من الاختطاف، حيث يفكر الشخص الواقع في الأسر، أن المختطف قادر على قتله منذ اللحظة الأولى ليثبت جديته للشرطة ، لكنه لم يفعل ، فيفسر ذلك على أن المختطف لا يريد قتله، بل يعتبره منحه فرصة جديدة للحياة.(70%)

العامل الأكثر قوة كما يرى أوشبيرغ ؛ أن مصدر الخطر يتغير من وجهة نظر الرهينة، خاصة بعد أن يتثبت من حسن نية الخاطف، ليصبح تدخل الشرطة واقتحام المبنى، هو مصدر الخطر الأكبر بالنسبة إلى الرهينة ؛ فرهائن ستوكهولم حاولوا إقناع السلطات بتأمين سيارة وهروب آمن للصوص، وأقروا فيما بعد أن ذلك لم يكن خوفاً من اللصوص، بل خوفاً من اقتحام الشرطة للمبنى.

يقول د.جبران اليحي "عندما تكون الضحية تحت ضغط نفسي كبير، فإنها تبدأ لا إرادياً بصنع آلية نفسية للدفاع عن النفس، من خلال الاطمئنان للجاني، خاصة إذا أبدى الجاني حركة تنم عن الحنان، أو الاهتمام، حتى لو كانت صغيرة جداً، فإن الضحية تقوم بتضخيمها، وتبدو لها كشيء كبير جداً,وهذا ما يفسر تضخيم الموظفين لأي حدث يقوم به الرئيس من شأنه تخفيف ازمة الموظفين الحاصلة كقرار سلطة النقد مؤخرا عدم اقتطاع اكثر من 50% من الراتب لاستيفاء اقساط القروض المستحقة.

هل نستيطع القياس الجمعي لحالة الموظفين على هذه الظاهرة النفسية و تطبيق نتائج الصدمة الفردية الناجمة عن حالة طارئة كحالة الخطف على الموظفين وما حصل معهم ؟؟

اخر الأخبار