الإتجار في معاناة البشر !!

تابعنا على:   18:14 2017-08-18

داليا العفيفي

من المؤلم جدا ان نرى بعض من المرتزقة والفاسدين يستغلون حاجة المواطنين ومعاناتهم لتحقيق مكاسب قذرة تعود عليهم بالنفع عبر المتاجرة بالآلام والجراح بلا أي وازع من الضمير ، حقيقة ما يدفع للكتابة في قضية تثير الإشمئزاز والإستهجان نظرا لكونها تمس عمق المشاعر الإنسانية التي يعشها شعبنا ، خاصة إذا ما وضعت نفسك أو أسرتك في ذات الموقع والظرف الذي يتعرض له المواطن المغلوب على امره صاحب الحاجة وقد ضاقت الدنيا في وجهه بما رحبت ، فمن طالب يسعى لإكمال تعليمه الجامعي ويخاف ضياع عامه الدراسي أو المنحة الجامعية التي حصل عليها إلى مريض يصارع المرض و الموت معا على أمل العلاج في الخارج ، وأخر يسابق الزمن من أجل الإلتحاق بعمله وتجديد إقامته في دول المهجر إلى غير ذلك من الإحتياجات الإنسانية .

أمام الحالة المزمنة لإغلاق معبر رفح الذي يشكل شريان الحياة والبوابة التي تربط قطاع غزة بالعالم الخارجي والحاجة الماسة للسفر وتكدس عشرات الألاف من المواطنين الراغبين بالسفر ظهر إلى حيز الوجود انتشار ظاهرة التنسيق المسبق عبر جهات مختلفة للمسافرين مقابل دفع المال على شكل خدمات أو رشاوي لمصاصي الدماء والمتاجرين بألام الناس لتسهيل مرورهم و سفرهم من معبر رفح البري و ينسحب الأمر على بقية المعابر مع الجانب الإسرائيلي بأشكال مختلفة ، ومن المؤسف جدا ان هذه الظاهرة بدأت بالتفشي في مجتمعنا الفلسطيني في ظل الوضع المأساوي الخطير والسيء الذي يعيشه الأهل في قطاع غزة على كل الصعد .

وهنا نتحدث عن كل المعابر في فلسطين ففي كل منفذ سنجد المستفدين والمستغلين لحاجات الناس الضرورية والرقص على الامهم وجراحهم ، غير أن الظاهرة الأبرز إرتبطت بالسفر عن طريق معبر رفح البري ، فقد تسمع من الروايات والحكاوي ما يشيب له الولدان ويصعق كل ذي ضمير حتى تصل إلى مستوى مساومة الحرائر على أعراضهن بكل وقاحة وممارسة كل أشكال الإبتزاز البشع .

وبدلا من تجسيد معاني التكافل الإجتماعي والوطني وإعلاء الحس الإنساني في التعامل مع هؤلاء الضحايا والمحتاجين وتقديم العون اللازم لهم والتخفيف من ألامهم يقوم هؤلاء السماسرة برش الملح على جراحهم وإستغلال ظروفهم القاسية بإستثمارمصائبهم لجني المكاسب المغمسة بالدم و الألم ، والتلذذ في ذبحهم ونحرهم أكثر وأكثر وكاننا لسنا ابناء شعب واحد وقضية وطنية وأخلاقية وإنسانية واحدة . 

معبر رفح الذي نعرف حجم الازمات المتواجدة فيه والظروف الصعبة التي تصاحب عملية فتحه وإغلاقه ، كما نلمس بوضوح حجم الاستبداد والظلم الواقع على اهلنا في قطاع غزة من كافة الاطراف والاحزاب وهنا لا استثني احدا فجميعنا مشارك في هذه الجريمة الممتدة حتى ولو بصمتنا نشارك ، هذا المعبر الذي بتنا نحلم بفتح بواباته على الفضاء لتتنفس طيور القطاع بعضا من نسائم الحرية خارج السجن الاكبر في العالم .

أصبح اليوم معبر رفح يستغل من جميع الاطراف فيتم مساومة المحتاج للسفر على مال يترواح بين 1500 دولار حتى يصل مايقارب 5000 دولار للفرد ، على الرغم من حاجة المواطن الماسة للسفر حتى ان كان يريد الخروج لتغير جو فهو حق مشروع لأي انسان ، غير أننا نجد تجار المعاناة والألم في الميدان يستغلون علاقاتهم بجهات متنفذة على جانبي المعبر لإبتزاز الناس ومساومتهم على حياتهم كمرضى أو مستقبلهم كطلاب أو مصادر رزقهم في الخارج من خلال بيع ما يعرف بالتنسيقات مع الجانب المصري أو إدراجهم في أوائل كشوف المسافرين من طرف جماس .

ان بعض الارزقية والفاسدين والمفسدين لا يدخرون جهدا من أجل استغلال هذا الأمر بكل الطرق ، ولم يعد ذلك سرا على أحد ، لدرجة أن هناك عناوين معروفة تقوم بهذا العمل ويجاهرون به عبر أدوات رخيصة تقوم بعقد الصفقات الإبتزازية مع المواطنين الراغبين بالسفر تحت ضغط الحاجة والحصول على المال مقابل تسهيل مرورهم وخروجهم من معبر رفح .

هنا لابد من الإشارة إلى قضية في غاية الأهمية وهي أن الجانب المصري يتعامل مع موضوع التنسيقات عبر الأجهزة المختصة بهدف التخفيف من معاناة الناس والسماح للحالات الحرجة والمحتاجة بالسفر في ظل تحكم حماس بالجانب الأخر من المعبر حسب مصالحها وأولوياتها ومنع شرائح محددة من السفر لأسباب تخصها ، غير أنه من المؤسف جدا أن نترك هؤلاء المجرمين يعبثون بمصائر وحياة المواطنين دون شفقة ولا رحمة وأن نصمت عليهم ، نعم ان صاحب الحاجة أرعن ولكن ليس الى هذا الحد ، فلماذا لا يتم محاسبة هذه الشبكات الفاسدة والمتاجرة بدماء ومعاناة أبناء شعبنا، ولماذا هذا الصمت والتعتيم عليهم ؟ّ!! ولماذا حماس تترك البعض في قطاع غزة يمتهن مهنة السمسرة على أبناء شعبنا وبيع التنسيقات ؟!! إن هذه الشبكات من أخطر ما يكون ويجب أن تتوقف عند حدها ويتم فضحها ، فهم لا يختلفون كثيرا عن أي نوعية أخرى من المجرمين الخطرين ، وهنا نوجه النداء أيضا للجهات السيادية في الشقيقة الكبرى مصر ، بمراجعة قضية التنسيقات الأمنية بشكل يعود بالفائدة على المواطن الفلسطيني ويحقق الغاية منها ، كذلك كل الجهات الفلسطينية ذات الصلة بمتابعة ومحاسبة كل من يثبت علاقته ببيع التنسيقات وتجييرها لخدمة مصالح خاصة وتحويلها إلى غير أهدافها الأصلية التي وجدت من أجلها .

اخر الأخبار