ما بعد واقعية السنوار

تابعنا على:   14:39 2017-08-30

د. أحمد جميل عزم

في أشمل لقاء من نوعه مع الإعلام منذ انتخابه قائدا لحركة "حماس" في غزة طرح يحيى السنوار مجموعة كبيرة من المواقف التي ستبدو واقعية، ومبشرة، إذا ما تبعها المزيد من التطوير والخطوات العملية.
معالم واقعية السنوار في الخطاب متعددة، بدءا من الحديث عن المجلس الوطني الفلسطيني، الذي طالب بإعادة تشكيله دون اشتراط الانتخاب، وهذا قد يفتح الباب، إذا ما تحول إلى موقف لحركة "حماس" لعقد انتخابات تشريعية ورئاسية مع التوصل لصيغة لإعادة تشكيل المجلس الوطني، وانتفاء الشرط الصعب بأن تجري انتخابات المجلس الوطني بالتزامن.
معلم ثانٍ للواقعية هو حديثه عن الحرب فهو يقول "لا نريد الحرب، وشعبنا يريد التقاط أنفاسه، ولأننا نعمل على مراكمة القوة بشكل يومي بهدف التحرير وليس بهدف حماية غزة فقط". ولكن الواقعية هنا تحتاج بعدا عمليا، وهو وضع برنامج حقيقي وعقلاني وواقعي يتعلق بالتحرير. فهذا التصريح فيه إقرار مزدوج، الأول أنّه لا يمكن اللجوء للعمل المسلح انطلاقا من غزة، والثاني أنّ هذا لا يلغي السؤال، ماذا عن باقي فلسطين؟ ولكن فكرة "مراكمة القوة" لا تكفي، فما المقصود؟ وأين؟ وكيف؟ فبدون تصور يطرح للشعب حول الأهداف بعيدة المدى ووسيلة تحقيقها، يبدو الأمر أقرب للشعارات.
أمّا بالنسبة لتصريح السنوار استعداد حركته لحل اللجنة الإدارية شريطة" إنهاء المبررات التي أدت لتشكيلها"، فإنّ هناك حاجة للصراحة أكثر هنا. هل "حماس" على استعداد للسماح لحكومة الوفاق بالعمل في غزة؟ هل يمكن للوزراء أن يأتوا مثلا لمباشرة وزاراتهم، أم سيستمر منعهم كما حدث سابقاً؟. وبشكل أكثر دقة، فإنّ المعضلة أو "العصا الموضوعة في دولاب حكومة الوفاق"، من قبل حركة "حماس" هي موضوع الموظفين الذين عينتهم الحركة، وتساءل السنوار مجدداً إن "كانت النخب والشارع يقبل التخلي عن موظفي غزة الذين حموا القطاع من الانهيار لحظة استنكاف موظفي السلطة العام 2007، وحماية عناصر الشرطة للقطاع من التطرف والانحراف ومحاولة جرّ القطاع لحرب جديدة". وهنا تُثار عدة موضوعات تحتاج لإجابات شفافة، أولها، هل من المصلحة استمرار اشتراط الاستيعاب المسبق لكل هؤلاء الموظفين دون سؤال، أو قيد، أو بحث، كما تريد "حماس"؟. أم تذلل هذه العقبة، وتنتظر لترى كيف ستتعامل الحكومة مع الملف، بناء على وعودها استيعابهم، أو استيعاب العدد الأكبر منهم، دون جعل هذه المسألة عقبة أمام أي تقدّم؟ ألا يمكن لحماس بقوتها الجماهيرية، أن تقوم باحتجاجات مطلبية مدنية لاحقاً إذا لم تُحل المسألة بطريقة معقولة؟
الأهم من ذلك أنّ هناك استحقاقات لقبول حكومة وحدة أو غير هذا، منها تنظيم علاقة سلاح الفصائل مع الحكومة، وكذلك، مسألة حصر العلاقات الخارجية بالهيئات الشرعية. فهل سيتم مثلا التنازل عن كل تفاهم مع جماعة محمد دحلان، إذا حلّ موضوع الحكومة؟ ثم إنّ تغيير "حماس" كل خطابها الحاد جدا ضد دحلان، سابقا، يفترض تغيير خطابها بشأن الرئيس الفلسطيني.
لقد أفرزت اتفاقيات أوسلو وتداعياتها تعقيدات بالغة من ضمنها صعوبة المزاوجة بين تأسيس سلطة واستمرار الاحتلال الذي يتطلب التصدي له حركة تحرر وطني فاعلة. وهذا السؤال يواجه منظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتح" بشكل أساسي. ولكن دخول حركة "حماس" للعملية الانتخابية أفرز أيضاً أسئلة معقدة، كيف يمكن الاستمرار في الاحتفاظ ببنية عسكرية شبه نظامية، ذات دور في تسيير الحياة اليومية، مع السعي لحكم مدني، ومع الحديث عن الاستعداد لتداول السلطة؟
مثل هذه الأسئلة لا تحتاج فقط لإجابة من حركة "حماس" ولكن أيضاً لإجابات من مختلف أطراف الطيف الوطني الفلسطيني. فحقيقة أي عملية سياسية مقبلة للمصالحة، أو لإعادة بناء المنظومة السياسية الفلسطينية، تتضمن العديد من الأسئلة الصعبة، حول قضايا قد تبرز في مراحل مختلفة وتعيق ترجمة أي اتفاق سياسي، حتى لو افتُرض جدلاً وجود جدية في التوصل لمصالحة. وربما تكون إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، أو إيجاد صيغة مؤتمر وطني جامع تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، بما يضم طاقات وكفاءات وقوى فلسطينية مختلفة، هو "المنتدى" الذي يمكن أن يتصدى لمثل هذه الأسئلة.

عن الغد الأردنية

اخر الأخبار