الدين والسياسة

تابعنا على:   13:40 2017-09-09

د.عماد جاد

بعد أن وقّع رئيس الوزراء الإسرائيلى الراحل إسحاق رابين اتفاق أوسلو مع الراحل ياسر عرفات فى سبتمبر من عام 1993، ثار اليمين الإسرائيلى وهاج التيار الدينى متهماً «رابين» بأنه يتنازل عن «أرض أبناء إسحاق إلى أبناء إسماعيل»؛ أبناء إسحاق هم اليهود، فهو أبوالأسباط الاثنى عشر، أما أبناء إسماعيل فهم العرب نسل إسماعيل بن إبراهيم من زوجته المصرية هاجر، ويعتبره اليهود الابن غير الشرعى أو ليس ابن الوعد الإلهى، رد عليهم رئيس الوزراء إسحاق رابين بالقول إن «التوراة ليست سجلاً لملكية الأرض»، فخرج من بين طلبة المدارس الدينية من قام باغتيال إسحاق رابين، وعندما سُئل قاتل «رابين» طالب المدرسة الدينية عن سبب قتل رئيس الوزراء؟ قال لأنه كان ينوى التنازل عن أرض أبناء إسحاق إلى أبناء إسماعيل، وهكذا قتل اليمين الدينى اليهودى رئيس وزراء إسرائيل، وتولى يمين الدين الإسلامى، ممثلاً فى حركتى حماس (الفرع الفلسطينى لجماعة الإخوان المسلمين) والجهاد، قتل الاتفاقية على الجانب الفلسطينى من خلال العمليات الانتحارية التى قامت بها عناصر الحركتين حتى تم وأد الاتفاقية وعادت إسرائيل إلى احتلال ما سبق أن انسحبت منه بموجب هذه الاتفاقية. واليوم وبعد قرابة ربع القرن على توقيع هذه الاتفاقية التهمت إسرائيل المزيد من أراضى الشعب الفلسطينى بحيث لم تعد هناك قطعة أرض متصلة ومتماسكة يمكن إقامة الدولة الفلسطينية عليها ما لم تتم إزالة مجموعات من المستعمرات اليهودية المقامة على أراضٍ محتلة فى عدوان يونيو 1967.

الغريب والعجيب أن التيار الدينى الفلسطينى وبعد أن دمر اتفاق أوسلو الذى قام على مبدأ الأرض مقابل السلام متمسكاً بكامل أرض فلسطين من البحر المتوسط إلى نهر الأردن باعتبارها أرض وقف إسلامى، عاد بعد قرابة ربع القرن ليتبنى نفس المبادئ التى سبق أن تبنتها منظمة التحرير الفلسطينية، ويقبل نفس الأسس التى قبلت بها المنظمة ودخلت بموجبها مفاوضات أوسلو، فقد أعلن رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، خالد مشعل، فى آخر خطاب له قبل أن يتنحى عن الرئاسة ومن العاصمة القطرية الدوحة، القبول بمبدأ الأرض مقابل السلام، وبدولة فلسطينية على حدود ما قبل الخامس من يونيو 1967، مع اعتبار القدس الشرقية العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين، والسؤال هنا: ما الاختلاف بين ما أعلنه «مشعل» من الدوحة قبل ثلاثة أشهر وما أقرت به المنظمة قبل قرابة نصف القرن ودخلت بموجبه مفاوضات أوسلو ووقعت الاتفاق الذى يحمل اسم العاصمة النرويجية فى سبتمبر 1993؟ ولولا العمليات الإرهابية والانتحارية التى قام بها اليمين الدينى، ممثلاً فى حركتى حماس والجهاد، لكان الوضع مختلفاً بشدة وربما كانت فلسطين اليوم وعاصمتها القدس الشرقية تشغل موقعها فى المنظمات الدولية ورأسها الأمم المتحدة كدولة كاملة الأهلية.

المؤكد أن جميع المنظمات والحركات التى تخلط الدين بالسياسة هى منظمات مشوهة فلا هى منظمات دينية دعوية ورعوية خالصة تدعو إلى مكارم الأخلاق وإتقان العمل وتقديم النماذج الصالحة والقدوة اللازمة، ولا هى حركات سياسية تمارس السياسة بقواعدها المتعارف عليها نظرياً وعملياً، والتى صاغها «ميكافيللى» فى كتابه الشهير «الأمير» ومبدأه الأشهر وهو الغاية تبرر الوسيلة. خلط الدين بالسياسة ينطوى على ضرر بالغ بالاثنين، يلوث الدين ويقيد السياسة ويكبلها وبمنع إقامة دولة ديمقراطية حقيقية تنهض على قيمة المواطنة والمساواة، ويعطى لرجال الدين دوراً متعاظماً فى الحياة السياسية ويتعرضون لسيف المعز وذهبه والنتيجة ضرر بالغ للدين والسياسة.

عن الوطن المصرية

اخر الأخبار