حماس ومصر: شكل التحول ومستقبل العلاقة

تابعنا على:   15:37 2017-09-16

د. حسام الدجني

السؤال الصعب: ما هو التشخيص السليم لطبيعة العلاقة بين مصر وحركة حماس ومستقبلها..؟ من خلال متابعتي لمنحنيات العلاقة بين الطرفين وعلى وجه التحديد بعد 30/6/2013م، وحالة التوتر التي شهدتها العلاقة يدفعني ذلك للبحث بشكل موضوعي حول مستقبل تلك العلاقة وآليات المحافظة عليها بل تعزيزها, انطلاقاً من إيماني العميق بأهمية الدور المصري لعدة أسباب لعل أهمها: الجغرافيا السياسية والعمق التاريخي والحضاري وتكليف جامعة الدول العربية لمصر بقيادة ملف المصالحة الوطنية، وعلاقات مصر المهمة بالأطراف الاقليمية والدولية بما فيها الاحتلال الصهيوني.

حددت فتحية النبراوي ومحمد نصر مهنا في كتابهما أصول العلاقات السياسية الدولية أنواع التغيير في السياسة الخارجية للدول على النحو التالي:

1. التغير التكيفي: وهو تغير في مستوى الاهتمام الموجه إلى قضية معينة مع استمرار بقاء السياسة في أهدافها وأدواتها كما هي.

2. التغير البرنامجي: حدوث تغير في أدوات السياسة الخارجية مع استمرار الأهداف كما هي.

3. التغير في أهداف السياسة الخارجية وليس مجرد تغير الأدوات.

4. التغير في توجهات السياسة الخارجية، وهو أكثر أشكال التغيّر تطرفاً، ويؤدي إلى تغير في التوجه العام للسلوك الخارجي بحيث يشتمل تغيراً في الأدوات والأهداف والاستراتيجيات.

من أجل تحديد موقع كل من مصر وحماس ضمن شكل التحول لابد من تحليل البيئة الجديدة التي دفعت إلى هذا التقارب بين مصر وحماس.

أسباب ودوافع التحولات الجديدة (ما الجديد)..؟

بالنسبة لمصر:

1. يشكل الإرهاب في سيناء معضلة حقيقية للدولة المصرية، وللأمن القومي المصري، ولعل ما طرحه المفكر المصري جمال حمدان في كتابه شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان عن الأمن القومي المصري بأنه يبدأ من البوابة الشرقية لمصر، ويتجاوز سيناء ليصل إلى فلسطين، وخصوصية سيناء بالنسبة للمصريين يجب أن ندركها نحن الفلسطينيين، فمعظم الغزوات التي استهدفت مصر انطلقت من الشرق (من شبه جزيرة سيناء)، ويشير حمدان إلى ظاهرةٍ مهمة في جغرافية وتاريخ مصر منذ القدم وحتى الآن، وهى أن الدلتا في الحقيقة مفتوحة ومكشوفة من الشرق، ولذلك فإن السيناريو المفضل لمعظم غزاة مصر، عبر العصور، هو اختراق سريع لسيناء يؤدي إلى الوصول إلى الدلتا، وتهديد حقيقي للأمن المصري في عقر الدار. ولذلك يصف حمدان طريق سيناء، لا سيما طريق الشمال طريق الفرما، بأنه طريق الغزاة لكثرة ما عبره من جيوش.

فما يجري في سيناء اليوم من عمليات إرهابية تستهدف الجيش المصري وتستنزفه مالياً وعسكرياً جعل من القيادة المصرية التفكير بشكل أوسع وأعمق لإنهاء معضلة سيناء، ومن أجل استعادة الأمن والاستقرار في سيناء لابد من خيار التنمية، ويشكل قطاع غزة مدخلا مهما للتنمية عبر تأهيل معبر رفح ليكون قادراً على أن يكون معبراً اقتصادياً يخدم الطرفين.

2. وثيقة حماس السياسية: ساعدت وثيقة حماس السياسية التي أطلقتها الحركة في 1/5/2017م وأعلنت عن هويتها بشكل واضح وصريح بعدم ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين, بشكل أو بآخر في صناعة تحول ولو طفيف بالموقف المصري تجاه حركة حماس.

3. الحدائق الخلفية لمصر (القرن الافريقي وسد النهضة): تقرأ مصر بشكل كبير شكل التمدد الصهيوني بالقرن الإفريقي، ودورها في سد النهضة والعبث المتكرر بالحدائق الخلفية للقاهرة بما يمس أمنها القومي، ومن هنا فإن انفتاح القاهرة على المقاومة الفلسطينية بشكل عام وحماس على وجه الخصوص والتعاطي معهم كلواء متقدم للدفاع عن الأمن القومي العربي عموماً والمصري على وجه الخصوص والضغط على دولة الاحتلال الاسرائيلي من تلك البوابة لضمان مصالحها بالقارة السمراء.

4. تراجع الدور المصري لحساب الدور القطري والتركي في قطاع غزة: لا شك أن القطيعة المصرية مع حركة حماس بالفترة الماضية منحت دولا تعتبرها القاهرة خصماً سياسياً لها لملء الفراغ مثل قطر وتركيا، وهذا يضعف الدور والمكانة التي تتمتع بها مصر في احتضان ورعاية الملف الفلسطيني.

بالنسبة لحماس:

1. ديكتاتورية الجغرافيا، فمصر هي الرئة الوحيدة لقطاع غزة التي تربطه بالعالم الخارجي.

2. الحصار واغلاق المعابر والأزمات المتتالية، فالواقع المعاش في قطاع غزة لم يعد يحتمل وعليه فإن أقل الخيارات تكلفة بالنسبة لحماس هو علاقة قوية مع القاهرة بموجبها يخفف الحصار ويفتح المعبر وتتدفق البضائع.

3. الارهاب والخطر على الأمن القومي الفلسطيني، تخشى حركة حماس من سيطرة تنظيم ولاية سيناء على مناطق الحدود، وأثر ذلك على أمن ومصالح قطاع غزة عموماً وحركة حماس على وجه الخصوص.

وفق ما سبق فإن شكل التحول في علاقة مصر بحماس هو التغير البرنامجي من خلال تغيير أدوات السياسة الخارجية تجاه قطاع غزة مع بقاء الأهداف المتمثلة في تحييد حركة حماس وتوظيف قوتها لخدمة المصالح المصرية هو الأكثر ترجيحاً.

أما شكل التحول الحمساوي تجاه مصر فربما التوصيف الأكثر ترجيحاً هو التغير في أهداف السياسة الخارجية وليس مجرد تغير الأدوات. وفي حال استمرت خطوات تعزيز الثقة بين الطرفين فربما يتطور شكل التحول ايجاباً.

ماذا يجري بالقاهرة.

وفد قيادي رفيع يمثل الداخل والخارج يرأسه رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية يتلقى دعوة رسمية لزيارة رسمية للقاهرة، ويعقد هذا الوفد عدة لقاءات منها لقاء جمع أعضاء اللجنة التنفيذية للمكتب السياسي لحركة حماس في العاصمة المصرية القاهرة، بما يدلل أن حركة حماس تؤمن بأهمية الدور والمكانة لتي تتمتع بها مصر في المنطقة.

ملفات المصالحة الوطنية وملف العلاقات الثنائية وسبل تطويرها بين حماس ومصر، وملف الأمن، وملفات أخرى ذات أهمية للطرفين.

ملف المصالحة الوطنية هو الملف الأهم في الحوارات الجارية بالقاهرة، فقد قدمت حركة حماس رؤيتها للحل، ووضعت اللجنة الإدارية تحت تصرف القيادة المصرية، وعكست حماس حرصاً كبيراً على انجاز الوحدة الوطنية، وعلى الفور أرسلت القاهرة تلك الرؤية للرئيس محمود عباس، فعقد اجتماع عاجل للجنة المركزية لحركة فتح وللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وتشير بعض المعلومات أن الرئيس عباس وافق على تلك الرؤية، وأثنى على بيان حماس، وكلّف وفداً للزيارة القاهرة قد يصل يوم الجمعة برئاسة عزام الأحمد وعضوية روحي فتح وحسين الشيخ للاستيضاح من الجانب المصري، ومن ثم تقديم الرد. المعيق الأساسي مرتبط بالضامن لتنفيذ الاتفاق، وعليه فإن مصر قد توجه سؤالاً للطرفين حول تداعيات فشل تنفيذ الاتفاق في حال وافقت مصر أن تكون ضامناً، وهذا ما يدعم مؤشرات نجاحه ولكن تبقى الكرة في ملعب الرئيس محمود عباس للقبول بأن تكون القاهرة ضامناً للاتفاق أم لا.

ملخص رؤية حماس التي قدمتها للقاهرة تتمثل في حل اللجنة الإدارية فوراً، وتمكين حكومة التوافق الوطني في قطاع غزة على أن تقوم بكامل مهامها ومسئولياتها، وإجراء الانتخابات الرئاسة والتشريعي والتوافق أو بالانتخاب للمجلس الوطني، والعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية وأن تقوم القاهرة باستضافة حوار شامل وجاد لكافة الفصائل الفلسطينية للخروج باستراتيجية وطنية لإنقاذ المشروع الوطني والتوافق على أدواته والتفرغ لتحدي حكومة التطرف والاستيطان.

أما في إطار ملف العلاقات الثنائية فبات من الواضح أن حركة حماس نجحت في إحداث اختراق مهم في العلاقة مع مصر بعد أن شهدت العلاقة في السنوات الأخيرة حالة من التوتر التي شهدتها السنوات الأخيرة. ولعل أهم مرتكز تقوم عليه تلك العلاقات هو الاحترام المتبادل، وتعزيز التعاون في الملفات المختلفة، والحفاظ على المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية لكل منهما، بما يعزز من مؤشر قبول مصر لحركة حماس كفاعل ولاعب أساسي في الملف الفلسطيني.

ملف الأمن كان حاضراً وبقوة خلال اللقاءات عبر تقييم للتفاهمات السابقة، وما حققته حماس من انجازات في هذا الملف، عبر انجاز المنطقة العازلة، ونشر قوات الضبط الميداني وهي خطوات لاقت ارتياحاً مصرياً كبيراً، فكلا الطرفين مدركين لخطورة المرحلة وحجم التحديات الأمنية التي تستهدف مصر وقطاع غزة، ولعل العملية الأخيرة التي استهدفت الجيش المصري والوحدة التي استهدفت هي إحدى  وحدات تأمين الحجاج الفلسطينيون بما يشير عزم واصرار تنظيم ولاية سيناء ضرب التفاهمات المصرية الفلسطينية وهو ما أكده بيانهم الذي نشر بعد عملية العريش.

ملفات أخرى أكثر سرية نوقشت كملف تبادل الأسرى ولكن لا معلومات مؤكدة حول ما جرى من نقاشات.

ثانياً: مستقبل العلاقة بين حماس ومصر وآليات تطورها.

حماس تحكم قطاع غزة وهي حركة تحرر وطني فلسطيني لها حضورها ومكانتها في المعادلة السياسية، فهي من أكبر الفصائل الفلسطينية والأكثر تنظيماً وانضباطاً، ومكانتها بالوعي الجمعي العربي والإسلامي كبيرة ومؤثرة، ومصر دولة مركز لها مكانتها ودورها في المعادلة الدولية والاقليمية، وهي المكلفة رسمياً من جامعة الدول العربية بإدارة ملف المصالحة الوطنية.

تقاطع المصالح بين الطرفين، مصر وحماس، والمصداقية في التعامل، وحرص كل طرف على أمن ومصالح واستقرار الطرف الآخر كفيلة بتعزيز العلاقة وديمومتها واستمراريتها بل تطورها.

الأهم من استمرارية تطور العلاقة بين مصر وحماس هو وضع آليات كل طرف لتطور العلاقة بالطرف الآخر على قاعدة المصالح المشتركة، والإرث التاريخي والعروبي والحضاري الذي يجمع الشعبين الفلسطيني والمصري، ومن أهم آليات تطور العلاقة ما يلي:

1.    بكل الوسائل والسبل ينبغي أن يعمل الطرفان على حماية الأمن القومي للطرف الآخر.

2.    أن تعمل حركة حماس على تعزيز دور ومكانة وحضور القاهرة بالملف الفلسطيني من خلال منحها لأوراق التهدئة وصفقة التبادل والعملية السياسية والمصالحة الداخلية، مقابل أن تعمل مصر ودبلوماسيتها النشطة بالعمل مع الدول الغربية على رفع الحركة من قوائم الإرهاب الدولي، وفتح صفحة جديدة مع الحركة تضمن فتح معبر رفح وإعادة النظر بقوائم المدرجين على المنافذ البرية والجوية للدولة المصرية.

3.    أن تبدأ حماس ومصر بتبني محددات خطاب إعلامي يؤكد على متانة العلاقة بين الطرفين وسبل تعزيزها.

4.    أن تبدأ مصر بترسيخ مفاهيم القوة الناعمة في فلسطين عموماً وقطاع غزة على وجه الخصوص عبر انشاء مستشفى مصري، وبنك مصري، ومكتب تمثيل مصري لتسهيل السفر والتنقل والدراسة والتبادل الشبابي،  وتعزيز العلاقات الاقتصادية، فلا يعقل أن يكون بغزة مستشفى أردني وماليزي ويمني وإندونيسي وأوروبي، ولا يوجد مستشفى مصري واحد.

5.    أن تقدم وزارة الزراعة والاتصالات كافة خبراتها في مجالات الزراعة وتكنلوجيا المعلومات تحت تصرف الدولة المصرية للاستفادة من الخبرات الفلسطينية وكذلك المصرية لتطوير الواقع الزراعي والتكنلوجي للطرفين.

اخر الأخبار