تهديد عباس بـ"حل السلطة" = اقامة دولة غزة!

تابعنا على:   11:24 2017-09-21

كتب حسن عصفور/ كما يحدث بين حين وآخر، مع أي خطاب لرئيس السلطة محمود عباس عندما يلجأ الى "البعد الجسدي" التمثيلي في عرض الموقف السياسي، تبدأ حركة التفسيرات تخرج عن سياق الحقيقة السياسية، ولعل خطابه في الأمم المتحدة يوم 20 سبتمبر 2017، كان نموذجا لذلك، ويعيد ذات المشهد عندما تحدث خلال "هبة باب الأسباط"..وما غاب عنه فقط عبارتهم الأشهر(لو حدث ذلك ستفتح أبواب جهنم عليهم)..وراينا اي جهنم فتحت على فلسطين شعبا وأرضا ومشروعا!

في خطاب "هبة باب الأسباط" توعد عباس دولة الاحتلال بكل ما يمكن الحديث عن "وعود"، وما ينتجه فعل "سوف"، المستند الى اذا لم تفعلوا كذا سوف نفعل كذا، وخرج البعض ليراه "خطاب الرد العملي"، خاصة وأنه أعلن وقف "التنسيق الأمني" الى حين.. والواقع كشف كم كان كلاما خادعا لا أكثر، حيث أعلن طرفي غرفة التنسيق الأمريكي والاسرائيلي، أن التنسيق لم يتوقف، ما أجبر مؤسسة عباس الأمنية للحديث عن "تنسيق محدود"..

يوم 20 سبتمبر 2017، تحدث عباس في خطاب، حمل لغة "الشكوى والضعف"، ما يكشف بداية عن "انعكاس الذليل العاجز"، رافقته "حركات جسدية وصوت تهدج كي لا تذهب حركة الشكوى العاجزة دون أثرعلى المشاهد والمستمع..

خطاب هو الأكثر ترسيخا لمنطق "العهد العباسي" في الرد على جرائم دولة الكيان، من القتل الى التهويد، حيث استبدل منهج "المقاومة الشعبية - السلمية جدا - الذكية الى أبعد حدود الذكاء" بمنهج "الشكوى" و"التوسل" والإفتخار بالعجز و"قلة الحيلة السياسية" واعلان "شلل الحركة والتحرك"..

بعيدا عن "حركة الجسد" و"غضب الكلام"، فالخطاب جسد خير تمثيل درجة "الهوان السياسي" للواقع القائم، حيث الاعتراف العلني أن لا خيار عملي عند عباس وفريقه للرد على المشروع التهويدي سوى "الشكوى المتوسلة"، التي لا يصاحبها أي فعل ممكن أن يهاب من اشتكى منه وعليه..

جوهر الخطاب عمليا، هو تكريس كل ما حققته دولة الاحتلال من "مكاسب سياسية" في سنوات حكم عباس، واقامتها كيان يهودي في الضفة والقدس واعتباره جزءا من اسرائيل، دون أن تقيم وزنا لمن هو شريكها "المفترض" في الواقع السياسي، بل وأكثر" شريكها الأهم في غرفة التنسيق الأمني"، الذي لا يتأخر عنها في ملاحقة أي محاولة غضب شعبية ضد المحتل، ويلعب دورا حيويا في حماية "أمنها وأمن مستوطنيها"، الأمر الذي دفع الرئيس الأمريكي ترامب أن يعرب عن ذهوله من "عمق التنسيق الأمني وفائدته لإسرائيل"..

خطاب محمود عباس، تحدث عما يمكن الحديث عنه في كل مظاهر "التوسل السياسي"، لكنه لم يتقدم بخطوة عملية واحدة تدفع المحتل أن يحسب حسابا لليوم التالي الخطاب، بل على العكس تماما ستجد المنظومة الأمنية الإسرائيلية، فيما تحدث عنه عباس حول ما سيكون من فعل هو "مزيد من منع الغضب الشعبي المقاوم"، ومنع "أي حركة تبدو فعلا مضادا للشمروع التهويدي"، والبحث عن "سلاح المحبة" لا أكثر والتعامل بالحسنى السياسية كونه الإختراع العباسي المقاوم..

عمليا خطاب عباس منح الاحتلال مزيد من الوقت لاستكمال ما يمكن للمشروع التهويدي، خاصة بعد البدء التنفيذي لاقامة الإدارات العملية له، من الخليل ذهابا الى منطقة نابلس، بعد أن حظر أي خطوة  حقيقة يمكن اعتبارها "تهديدا جادا وجديا"..

كان الاعتقاد أن يعلن عباس رسميا بعد خمس سنوات على قبول فلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة، فك الارتباط بدولة الكيان، باستبدال القائم الكياني من "بقايا سلطة لم تعد سلطة وفقا لما قاله نصا مكررا"، بإعلان قيام دولة فلسطين حقيقة سياسية وفقا لقرار الجمعية العامة عام 2012..

كان لعباس فرصة تاريخية أن يعلن فك الارتباط بالاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير ودولة الكيان وربطه باعتراف اسرائيل بدولة فلسطين، بدلا من الشكوى أننا إعترفنا بهم ولكنهم لا يعترفون بنا..

كانت فرصة تاريخية لعباس أن ينهي حياته السياسية بفتح ملف كل جرائم المحتل، والاعلان الفوري بأنه ذاهب من الغد الى المحكمة الجنائية لتقديم اسرائيل كدولة إجرام مستندا الى تقارير دولية ومنها تقارير الأمم المتحدة التي أعلنت أنها ارتكبت جرائم حرب..

كان لعباس فرصة تاريخية أن يعلن إنتهاء زمن المفاوضات السياسية مع اسرائيل، وأن كل ما سيكون مرتبط بموقفها من قيام دولة فلسطين وبالتالي العلاقات المستقبلية تصبح لقاءات بين دولتين لإستكمال قضايا عالقة..

كان له أن يكون "رجل مرحلة" لو انه أعلن إنتهاء كل أشكال العلاقة مع اسرائيل، ووقف التنسيق الأمني، ومطالبة شعبه قبل العرب وقف أي نوع من أنواع التطبيع السياسي الاقتصادي، وأن يعتبر كل تعامل مع الكيان في ظل الاحتلال هو جريمة سياسية..

وبدلا من ذلك، هدد بحل السلطة باعتبار أن دولة الكيان تقيم وزنا لها أو لتهديده، والواقع أن مثل هذا التهديد هو تطبيق المشروع الصهيوني الذي عمل له شارون والليكود طويلا، منذ فوز عباس برئاسة السلطة، وهو إقامة دولة غزة، رغم ان عباس أعلن لفظيا رفضه لذلك، لكنه عمليا بمثل هذا التهديد يعلن قيام دولة غزة..

حل السلطة يعني تسليمها لدولة الكيان والاحتلال، في حين يبقى قطاع غزة هو المنطقة الفلسطينية الوحيدة غير المحتلة احتلالا مباشرا..فهل ما هدد به عباس هو سقطة سياسية متكررة أم تهديد له ما له سياسيا..تلك هي المسألة..

عمليا خطاب عباس أطال عمر الاحتلال أكثر مما يجب، وفتح الباب واسعا لعهد جديد من التنسيق الأمني لمطاردة أي فعل مقاوم باعتباره شكلا من أشكال "الإرهاب"..

اليوم التالي للخطاب ترسيخ أعمق للإحتلال وتهديد أحدث للغضب الشعبي!

ملاحظة: كيف يمكن ربط الغضب العباسي على منصة الجمعية العامة مع تصريحه قبل الدخول نتيجة لقاء ترامب، واعتبار أن السلام قادم معه..أي نفاق سياسي هنا!

تنويه خاص: أن تحشد فتح في الضفة والقطاع وتدفع ملايين الشواكل ليحضر الناس خطاب عباس في الشوارع، تأكيد أن "غياب الفعل ضد المحتل هو قرار رسمي لا أكثر"..الحشد للوطن أو بقاياه أكثر قدسية من حشد استماع لخطاب بلا دسم!

اخر الأخبار