سوسيولوجية في ازمة العالم العربي.. ماذا يحدث ؟

تابعنا على:   22:16 2017-09-26

د. جهاد حمد

ساتطرق في هذا المقال الى الحالة التي وصل اليها العالم العربي، في ظل هذه التغيرات الدولية، وهذا كوني أعيش في الغرب وإلى حد ما تعرفت على طبيعة التفكير الغربي وعقلية الناس والعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصاد في هذه المجتمعات الكبيرة، المليئة بالتعدديات العرقية والدينية والاثنية والثقافية.

وأبدأ بهذه التساؤلات: من الذي يدمر ويقسم العالم العربي؟ من الذي يهدم المجتمع العربي؟ من الذي يتسبب في نسف وتدمير الانسان والأرض والثقافة، وهذا التراث العربي؟

إنني أرى بانه هناك جملة من العناصر التي أجتمعت لتؤدي إلى هذه الصراعات والى هذا التراجع والتخلف بالعالم العربي والتي تتمثل بالآتي:

أولا ً: النخب غير الوطنية ، تلك النخب التي ارتبطت منذ زمن بعيد بالاستعمار، تقوم بادواره وتعمل لصالحه ومستعدة لتدمير الوطن والمجتمع من اجل خدمة مصالحها ومصالح الاستعمار، وهي ليست مقصورة على فئة محددة، بل تبدأ من رتبة رئيس دولة إلى صحافي صغير مروراً بمن يدعي التدين " ممن يطلق/ون على انفسه/م "برجل الدين" الذي يقتات من خلال فتاوي او كما اسميها شعوذات لا علاقة لها بالدين ، بل وبالخرافات وبفتاوي تحمل في طياتها خطورة اكبر من رجل الحرب، فتاوي منها السياسية ومنها الاجتماعية، واخرى اقتصادية، تمدح وتبجل المستعمر وكانه المخلص ، وتعطي الضوء الاخضر تحت مسميات الفتوى الدينية بقصف دولة او تدمير مجتمع وثقافة من خلال أمر حاكم أو ملك، أمير او رئيس وزراء أو زعيم أو غيره ...والحبل عالجرار...

ثانيا: ثقافة الخرافات والشعوذات وغياب العلم: حيث أن العلم أصبح في حالة يرثى لها، أصبح في حالة من التراجع والتخلف لم تشهده العصور السابقة، العلم في العالم العربي ليس بمستوى التطور والتقدم الذي يحصل عند الغرب والعالم عموما، بل هناك دول صغيرة أصبحت متقدمة علمياً وتكنلوجياً أكثر من أغنى الدول العربية، وهنا اشير إلى اختفاء "العالم، والعلماء" من المشهد في الوطن العربي، وإن وجد، فانه يهرب للعالم الغربي الذي يتبناه ويستوعبه ويقدم له الفرصة تلو الاخرى، والاهم إحترام كرامة العلماء وحقوق الانسان. فقد إختفى في العالم العربي عالم السياسة، وعالم الادارة، وعالم التربية، وعالم الاقتصاد، وعالم الاجتماع، وعالم الانسان، وعالم التاريخ، وعالم الجغرافيا، وعالم الطب، وعالم الهندسة، وغيرهم، الا من رحم ربي، واهم اقلاء ومحاصررين، ومفروضة عليهم قيود ، بل منهم من عو اما مسجون او مطارد لاجهزة الامن والمخابرات العربية، لقد اختفى المؤرخ والباحث والمكتشف، لقد اختفوا علماء آخرون في العديد من الاختصاصات، الذين تميزوا في مختلف المجالات على فترات متعاقبة من الزمن، كل على حسب اهتماماته سواء كانت علمية تطبيقية أو دينية أو لغوية أو فلسفية أو اجتماعية.

وبدأ يحل محلهم من يسموا "بالنخب" السياسية، والدينية، الذين ارتبطوا بحقبة الطفرة النفطية منذ فترة السبعينيات، وبالجانب الاخر بدأ يحل ويسيطر على وسائل الاعلام، والثقافة، ممن يحتلون المشهد بدون منازع، هؤلاء ما أسميهم بالاعلاميين الفهلويين، هؤلاء أصبحوا كثر من جحافل الإنتهازيين من أتباع روافد الإستعمار، إعلاميو خدمة رجل الحكم، وصاحب المال، والقوة، هؤلاء ممن ارتبط/وا، ومازال/وا يرتبطون بالمستعمر ...

لقد إختفى فكر ابن خلدون، وابن رشد وابن سيناء، والجازري، والزهراوي، والكواكبي، وابن بطوطة، وابن فرناس، وابن حيان، الجواهري، وابن الهيثم، والخوارزمي، والادريسي، وغيرهم كثر... وأيضا إختفى الاصلاحين والمجددين من أمثال عبدو، والافغاني، ورضا، وغيرهم الكثير الذين تمت ترجمة مؤلفاتهم إلى الاتينية واللغات الأجنبية الأخرى. وقد كان هنالك من هم رعاة للعلم والعلماء، وغيرهم من الذين عملوا على دعم العلماء في علومهم. أما النخب العلمية الحقيقية فقد همشتها السلطة أولا وأنزوت هي ثانياً في ندوات ومؤتمرات علمية نادرة ومعزولة ولم تقدر على مخاطبة العامة لصعوبة استيعاب الخطاب العلمي أولا ولعدم اجتهادها هي ثانياً.

وهنا أتساءل كم دورية علمية مختصة ومؤثرة (على مستوى علمي نظري، وتطبيقي)، مثلا في علم الاجتماع وفي علم الاقتصاد والسياسة تنشر في الوطن العربي ذات مدلولات علمية وتطبيقية وبمستوى التطور العالمي في مجال البحث والدراسات؟ مقابل موجة كبيرة من قنوات الفضائيات التي منها ما هو مبتذل لا علاقة له لا بالفن ولا بالتراث، ولا بالثقافة العربية الاصيلة، بل منها قنوات تبجل وتمجد وتعظم في الحاكم، واخرى فضائيات الدعاة من الشيوخ، ومطبوعات من الكتب ومن المواقع الإلكترونية الكهنوتية الممولة من نفس الجهات التي تريد الثأر من كل ما هو علمي مبدع. لقد قطعت الثورة الفرنسية رؤوس كهنة الكنيسة التي كانت فاسدة كما قطعت رؤوس الملوك والأمراء الفاسدين، وانهت على نظام الظلم والفساد والاستغلال لأنهم كانوا سبباً في دعم الدكتاتورية وفي انتشار الجهل وفي محاربة العلم والتقدم، كما طاردت الثورة الفرنسية كل كاهن يبيع "صكوك الغفران" للبسطاء الفقراء السذج من الناس ليدخلوا بها الجنة مثلما يفعل بعض ممن يدعي التدين ويعطي الفتاوي تقريبا مثل حالنا اليوم، بل ويهدد "بالموت وقطع الرؤوس، تحت ذريعة تفسيرات دينية ليس لها علاقة بالدين نفسه وبعبادة الخالق، بل وينشرون الشعوذة والخرافات التي اصبحت تدق باب كل انسان كالمرض المزمن الذي لا يمكن علاحه، بل ينشرون الشعوذات والخرافات التي من اجلها ينتفعون من طبقة الحكام، واصحاب المصالح، ويمنعون التقدم والتطور العلمي وبناء الانسان وتحريره من الظلم والظلام.

ثالثا: الشركات الدولية العملاقة ذات الاقتصاديات الرأسمالية الكبرى: منذ أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر سنة 2007 والتي إعتبرها البعض أشد من أزمة سنة 1929، حيث تعاني مجموعة من الشركات الدولية العملاقة أزمة صعبة، بل انها خانقة. أزمة بحاجة إلى كثير من العقود التجارية لإنعاش نفسها، وأوضاعها الدخلية. وكما تم حل أزمة سنة 1929 بحرب عالمية ثانية ما بين سنة 1939 إلى سنة 1945 فإن هذه الأزمة الجديدة يتطلب حسب الرؤية العالمية حلها في العالم العربي، ومن خلال العرب وعلى أراضيهم. الحروب تدمر كل شيئ فيحدث بعدها البناء، أي عقود ضخمة… إن مشهد تدمير مدن ، وبلدان، تدمير بنى تحتية، تدمير إقتصاد، تدمير حضارة، تدمير خطوط الاتصالات والجسور والمصانع وكل مايفيد من اجل ترتيب وصمان المزيد من العقود التجارية للشركات العملاقة العابرة للقارات. ان ما يحدث من تخريب وغيره من اشكال التدمير والدمار، على سبيل المثال تدمير المطارات وخطوط الهواتف والاتصالات والكهرباء، والجسور والمصانع في مناطق كثيرة من العالم العربي، كله ياتي بالنفع على هذه الشركات العملاقة.

رابعا: هناك من يقوم بتخطيط من خلال أجندات داخلية وخارجية، أو من خلال الجهل في استغلال الشباب العربي صغير السن، حيث يتم التلاعب بهم وبعقولهم، من اجل استخدامهم لتنفيذ مصالح خاصة، ومن اجل ان يكونوا اداه من ادوات القتل والتدمير والعنف والخراب والحروب الطاحنة التي تاكل الاخضر واليابس، وهذا تحت مسميات متنوعة، ومن خلال تغذية النعرات تارة منها الدينية/المذهبية بين شيعي وسني أو مسلم ومسيحي وتارة اخرى اثنية: كردي/عربي، أو عربي/أمازيغي، او عربي/افريقي،… وتارة اخرى الى نعرات مناطقية/جغرافية: شمال/جنوب أو ساحل/داخل.//وغيرها، بمعنى اخر أي شيئ يغذي الاختلاف يتم النفخ فيه حتى تصبح نارا ملتهبة تأكل الاخضر واليابس/الجميع…

وهنا اشير على أن هذه الاختلافات موجودة في كندا، ولكنها أصبحت مصدراَ للتنوع والقوة الثقافية، وليس للتناقض والاقتتال والتدمير الداخلي مثلما يحدث الآن في العالم العربي.

إن ما تقوم به القوى العظمى وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية يشكل تحول في ادارة المعركة مع العالم العربي...فقد انتهت القوى العظمى من حربها الباردة بين الغرب والمعسكر الاشتراكي بزعامة روسيا، انتهت من هذا العدو الاخر مايسمى الحرب على الشيوعية، واختلقت عدو آخر، جديد يسمى "الاسلام" والارهاب الاسلامي، والاسلام السياسي وفتحت حربها عليه، وخصوصا في ظل تغذية وتحريض اعلامي ممنهج، بدءا بحربها على مايسمى بالارهاب ومنظمة القاعدة التي اعلن عن انتهاء دورها التاريخي وظهور فجائي وسريع لتنظيم جديد اسمه "داعش"على المسرح الدولي....حيث أن ما يحدث ليس من الصدفة، فان أجهزة الاستخبارات الدولية الكبرى لا تعمل او تعيش على الصدف… وإنما تعمل بشكل منهجي وتستشرف المستقبل وتخطط له، بل وتصل خطة التنفيذ على مستويات متنوعة، منها الداخلي واخرى الخارجي، لدرجة انها اصبحت وسيلة من وسائل التحريض والاعلان والدعاية الانتخابية في كثير من بلدان العالم الغربي.

هناك الكثير من التساؤلات عما يحدث بالعالم العربي الذي يتطلب منا التفكير فيها بعيدا نظرية وضع اللوم على الاخرين.

إن الحالة العربية تختلف في المضمون والجوهر والشكل عن غيرها، وما حدث باوروبا وامريكيا والعالم الغربي يختلف عما يحدث بالعالم العربي...

حيث ان حاملات الطائرات واساطيل البحر والبر لا تتحرك من أجل سواد عيون العرب او من اجل نشر الديموقراطية والحرية و الكرامة او الرفاهية والتقدم والاستقلال للعالم العربي، بل من أجل مصالح الشركات العالمية الكبرى، ومن اجل الحفاظ على امن مصالح النخب الاقتصادية ومن اجل حماية مشروع العالم الغربي بالمنطقة العربية. ان ماتم تجزئته في سايكس بيكو، اصبح الان في طريقه الى التجزأه الأكبر.

لقد عاشت أوروبا حالة الصراعات والعنف والحروب الاهلية من خلال سلاح هي التي صنعته، هذا السلاح قد ساهم في تقدمها من طائرات إلى وسائل اتصالات… أما العالم العربي فهو يقاتل من خلال السلاح المستورد، هذا السلاح الذي يدفع ثمنه من الموارد والمدخرات الطبيعية من مواد خام وبترول وغاز… وايضا ان مصير العالم العربي ليس بأيديه وخصوصا في استمرار منهجية التدخل الخارجي في شئونه مما يفقده السيادة على بلدانه. وللحديث بقية.

* د. جهاد حمد: استاذ علم الاجتماع بكلية كينج الجامعية، جامعة وسترن، لندن، اونتاريو، كندا، رئيس المعهد الكندي لدراسات الشرق الاوسط.

اخر الأخبار