من أجل مصالحة فلسطينية راسخة

تابعنا على:   13:49 2017-10-04

راسم المدهون

لم نرَ المصالحة الفلسطينية يوماً سهلة وتتحقق بلقاء أو قرار، ولهذا لا نريد لها اليوم أن تكون عابرة وكأنها لقاء مصافحة وكلام. نقول ذلك ونحن نعي أن العقد الفائت منذ استيلاء حماس على مقاليد الأمور في قطاع غزة، لم يكن وقتاً ضائعاً للحركة الإسلامية، بل كان عملاً لم يتوقف ساعة، وبدأب وإصرار، على إحداث التغيير الشامل والكامل في كل الأجهزة والمؤسسات الأمنية والوظيفية المدنية. وهذا ما يجعل عودة وزراء حكومة التوافق لممارسة عملهم لا يعدو أن يكون حالة فوقية لا أكثر. ولنا في موافقات حماس السابقة على حكومة الوفاق أمثلة صارخة، إذ أن التراجع عن تلك الموافقات لم يكلف قيادة حماس سوى استبدال اسم الحكومة باللجنة الإدارية.

أعرف أن التوافق الراهن محكوم باتفاق واضح ويشمل معظم التفاصيل ذات العلاقة بالحكم، لكن ذلك يدعو إلى التشدد أكثر، لأن تجربة السياسة الفلسطينية تزخر بتوافقات كثيرة قامت على اتفاقات واضحة ونجح أحد أطرافها في إفراغها من مضمونها، باعتماد التسويف والمراوغة وإغراق أي حوار جدي في التفاصيل الصغيرة والهامشية التي لم تلبث أن أصبحت أساسية بعدما نجحت في إزاحة كل ما هو أساسي.

في التجربة الراهنة ما هو ملح ولا يحتمل التأجيل بالتأكيد، الكهرباء والرواتب وما يتصل بالحياة اليومية للناس، وبالطبع الإفراج عن المعتقلين، لكن هذه كلها يمكن تحقيقها من دون تأجيل ومن دون أن تعني التباطؤ في تنفيذ استحقاقات المصالحة وشروطها الأساسية، ما يفترض البدء فوراً بإزالة آثار الانقلاب من كل المؤسسات الحكومية. فهذه الأخيرة فككتها حماس وأعادت تركيبها بأطر وأدوات حزبية جعلت الحياة في غزة جحيماً لا يُطاق بما خلقته من تنافر وصدام مع القطاعات الشعبية كافة، خصوصاً بسبب ما اتخذته حكومة حماس في أوقات كثيرة من قرارات و»قوانين» زجرية، وبالذات ما يتصل منها بالحياة اليومية للناس. فلا يمكن استعادة الحياة الطبيعية لمواطني قطاع غزة المثخنين بهمومهم من دون إزاحة كل تلك القرارات و»القوانين» واعتبارها كأنها لم تكن، لأن استمرار شيء من تلك القرارت يعني تواصل ملامح وصور الحياة الخانقة التي عاشها مليونان من المواطنين وكأنهم في مختبر بشري للأيديولوجيا والسياسات الناتجة منها.

لا علاقة لما نقوله هنا بالتفاؤل أو التشاؤم من قريب أو بعيد، ولا حتى بالرغبة في الترحيب بعودة العلاقات إلى صورة طبيعية، بل العكس هو الصحيح، أي أننا ندعو إلى تحقيق عودة كاملة وراسخة لا للسلطة ومؤسساتها وحسب، بل للتواصل الكامل بين أجزاء الجسم الفلسطيني في شكل حقيقي وطبيعي يزيح من الأذهان صورة الاغتراب الكريهة الى الأبد. يرتبط بهذا بالتأكيد، الإفراج الفوري عن كل المعتقلين لأسباب حزبية أو سياسية أو لأسباب تتعلق بالرأي المختلف، ووضع أسس صارمة لمنع حدوث ذلك مرة أخرى. أما في ما يتصل بالتعليم وشؤون الجامعات، فالحالة تقتضي رفع الوصاية عن الجامعات الفلسطينية وإعادة الحرية الكاملة لهيئاتها المشرفة، لتتمكن من إدارتها وفق أسس وقوانين وبرامج علمية مهنية لا ترتبط بأي اشتراط حزبي أو سياسي من أي لون كان.

أعتقد أن المصالحة الفلسطينية هي بمعنى ما مشروع وطني كبير ومتكامل يقتضي بالضرورة جهداً يتناسب مع أهميتها وحضورها في راهن الفلسطينين ومستقبلهم. ولا يعتقد عاقل أن من الممكن أو المعقول أن ينجح الفلسطينيون كشعب وكحركة سياسية في تحقيق أحلامهم وأهدافهم الوطنية من دون أن ينجحوا في ترتيب بيتهم الوطني الداخلي وتحصينه من أي ريح مسمومة يمكن أن تعيده إلى حالة العبث. ومن اللافت هذه المرة أن المصالحة كمشروع وطني أصبح لها أنصار من داخل حركة حماس، وبعضهم في مواقع قيادية متنفذة، وهم من خلال تصريحاتهم المعلنة يدركون أن يتامى الانقسام لن يقفوا مكتوفي الأيدي وهم يرون بأمهات أعينهم قطار المصالحة يجتاح مواقعهم التي شكلت طيلة عقد كامل مصدراً لتكريس نفوذهم ومراكمة ثروات على حساب المجموع الشعبي البائس والمحاصر.

عن الحياة اللندنية

اخر الأخبار