عن المصالحة مع الإخوان

تابعنا على:   12:37 2017-11-04

هالة مصطفى

فى حوار الرئيس عبدالفتاح السيسى مع قناة «فرانس 24» قبيل زيارته باريس الأسبوع الماضى, طُرح سؤالا عن إمكان المصالحة مع جماعة الإخوان, وكان رد الرئيس بأن «الإجابة عند الشعب المصرى» أى أن القرار بيد المصريين, وليس فقط صانع القرار, إذ بعد تجربة حكم الإخوان واختبارهم للمرة الأولى فى السلطة وفشلهم فيها, أصبح الوضع مختلفا, فتلك التجربة وضعت الشعب فى قلب المعادلة, التى كانت مقصورة على النظام من ناحية والإخوان من ناحية أخرى, كذلك فإن أحداث العنف التى تلتها وتورطت فيها الجماعة سواء بشكل مباشر, من خلال ما عُرف بتنظيم «حسم», أو غير مباشر بالتعاون والتنسيق مع الجماعات التكفيرية فى سيناء, قد غيرت الصورة الذهنية التى رسمتها الجماعة لذاتها لدى الرأى العام على مدى العقود الماضية, باعتبارها جماعة سياسية سلمية.

لكن رغم ذلك, فإن توجيه السؤال من الميديا العالمية يظل له مغزاه ويشير إلى أمرين رئيسيين, الأول أن هذه القضية مازالت مطروحة على الساحة الدولية وتحديدا فى الدوائر الغربية, الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى, اللذين يربطانها بقضايا الحريات وحقوق الإنسان, والآخر هو النظر إلى ما حدث فى 30 يونيو على أنه مجرد حلقة من حلقات صدام الجماعة مع السلطة السياسية سيتم تجاوزها أيا كان المدى الزمنى الذى ستستغرقه, فقد مرت طوال تاريخها بأزمات عنيفة مع الأنظمة الحاكمة فى مختلف العهود السياسية تسميها أدبياتها بــ «المحن» أى منذ قرار حلها الأول الذى اتخذته حكومة النقراشى فى الحقبة الملكية أواخر الأربعينيات وما ترتب عليه من إغلاق مقراتها ومصادرة ممتلكاتها واعتقال كوادرها وأعضائها على خلفية حوادث العنف والاغتيالات التى قامت بها, مرورا بقرار الحل الثانى, بعد تصالح لم يستمر طويلا مع نظام ثورة يوليو, إثر محاولة اغتيال جمال عبد الناصر فى المنشية (1954) ثم فى 1965 لنفس الأسباب, والتى انتهت بصدور حكم الإعدام على مُنظرها سيد قطب, إلى أن جاء حكم السادات فى أوائل السبعينيات ليعيدها إلى سابق عهدها وإن لم تحظ بترخيص قانونى, ولم يختلف الأمر كثيرا فى عهد مبارك حيث تمتعت بحرية الحركة فى المجال السياسى والمشاركة فى الانتخابات بل وأقامت صرحا اقتصاديا ضخما, وأخيرا اعتلاؤها السلطة بعد ثورة يناير, ولكن فى النهاية التاريخ لا يعيد نفسه مهما راهنت عليه الجماعة, فالوضع الداخلى الآن تغير جذريا, وخصومتها أصبحت مع الدولة والمجتمع معا, ولم تعد المصالحة مطروحة من الأصل.

فى المقابل, فإن رهانها على الأوضاع الإقليمية والدولية مازال قائما, فعلاقاتها الممتدة مع قطر توفر لها الدعم والمساندة والإقامة الآمنة, وهى علاقة تحقق مصلحة متبادلة للطرفين, لأنها جزء من معركة الدوحة مع السعودية, الطرف الأقوى فى العلاقات الخليجية, وسعيا لإيجاد مرجعية دينية أو بالأحرى سياسية مستقلة, ومن هنا أصبح الشيخ الإخوانى يوسف القرضاوى هو الداعية الرسمى لها, ونفس الشيء ينطبق على تركيا, وإن كان المنطق مختلفا, فأنقرة مشغولة بتصدير نموذجها فى الحكم (حزب العدالة والتنمية الإسلامى) إلى الشرق الأوسط ليكون مركز ثقلها فى المنطقة, والأهم من ذلك هو اعتماد الجماعة على الفوضى الحالية التى يشهدها الإقليم, واهتزاز كثير من دوله من سوريا إلى ليبيا واليمن, ووقوعها فى حروب أهلية وطائفية ومذهبية, ليكون لها دور ونصيب فى السلطة حال إعادة ترتيب أوضاعه.

فى هذا السياق يأتى سعى الجماعة للاستفادة من الغرب وبالأخص القوة العظمى, أى الطرف الأمريكى صاحب أكبر نفوذ فى المنطقة, ليس فقط بقواعده العسكرية الموزعة على أكثر من بلد, وإنما أيضا لانغماسه فى تسويه صراعاتها وفق مشروعه المعروف بـ«الشرق الأوسط الكبير», وقد صرح وزير الخارجية ريكس تيلرسون أكثر من مرة بأنها تتمتع بوجود قوى فى المنطقة. والسؤال الجوهرى كيف تُسوق الجماعة لنفسها على هذا الصعيد؟

لا شك أن جانبا من الإجابة يتمثل فيما يقوم به تنظيمها الدولى, المتغلغل فى أوروبا وأمريكا منذ عقود, للتأثير على دوائر صناعة القرار وبعض الأوساط البحثية والإعلامية, فضلا عن إقامته شبكة واسعة من المؤسسات والمراكز الإسلامية والجمعيات الخيرية للتغطية على نشاطه السياسى, ناهيك عن الانخراط فى المنظمات الحقوقية, لذلك لم يكن غريبا أن تكون «هيومان رايتس ووتش» وهى أكبر منظمة دولية عاملة فى مجال حقوق الإنسان والأكثر قربا من وزارة الخارجية الأمريكية, من أشد الرافضين لإدراج الجماعة ضمن لائحة الإرهاب.

الإخوان يُروجون لأنفسهم باعتبارهم جماعة تنبذ العنف, تؤمن بالديمقراطية والانتخابات وأنشأوا حزبا سياسيا (الحرية والعدالة) لهذا الغرض كى تكتمل الصورة والرسالة التى أرادوا إيصالها للخارج ليتأكد التمييز بينهم وبين التنظيمات المتطرفة المسلحة مثل داعش والقاعدة, وأنهم رمز للاعتدال والوسطية وساعدهم على ذلك وجود تيارات إسلامية سلفية أكثر غلوا فى تطرفها الفكرى وفى فتاويها المتعلقة بالنواحى الفردية والمجتمعية, التى تمتلئ بها الساحة العامة, بحيث أصبحت على يمينهم, وتوارت معها كل محاولات إصلاح الخطاب الدينى, بعبارة أخرى, إن صفة الاعتدال الظاهرى التى يشيعها الإخوان لم تأت نتيجة تأصيل نظرى أو اجتهاد مستنير, ولكن من مناخ ثقافى جامد مغلق موجود بالفعل, وهذا عنصر قوة لهم نجحوا فى توظيفه حتى إن بعض الأوساط الغربية تشبههم بالأحزاب المسيحية الديمقراطية, التى لا تشذ عن القواعد السياسية المعمول بها ونظام القيم السائد إلا فى طابعها المحافظ.

لهذه الأسباب, بقيت مسألة تصنيف جماعة الإخوان كـ «إرهابية» محل جدل كبير خاصة فى واشنطن, صحيح أن هناك أصواتا طالبت بذلك إلا أن إدارة أوباما لم تأخذ بها بدعوى عدم وجود أدلة موثوق بها تثبت لجوءهم إلى العنف, وهناك أيضا مشاريع قوانين تبناها بعض أعضاء الكونجرس, آخرها مشروع السناتور الجمهورى تيد كروز فى ظل الإدارة الحالية لترامب, لكن لم يحدث شىء, وأخيرا تصريحات بنفس المعنى لمايكل ماكول رئيس لجنة الأمن الداخلى بالكونجرس, إلا أن الخارجية والبيت الأبيض لم يبديا تضامنا مع هذا المنحى.

إذن المعركة مع الإخوان مازالت مستمرة, وجانب أساسى فيها يتعلق بتجديد الخطاب الدينى, لأنه يجردها من سلاح «الاعتدال», لذلك فإن الإجراء الذى اتخذه الملك سلمان فى السعودية بتشكيل هيئة لتدقيق ومراجعة الأحاديث بما فيها ما جاء فى البخارى والتى تُستخدم فى تبرير العنف، تظل له أهميته القصوى فى المرحلة الراهنة وليس بعيدا عما نتحدث عنه.

عن الاهرام

اخر الأخبار