"إسرائيل" والسلام!

تابعنا على:   12:58 2017-11-04

د. ناجى صادق شراب

عنوان المقالة أصلاً هو عنوان لكتاب المؤرخ «الإسرائيلي» موشيه تسيمرمان: «الخوف من السلام: المأزق الإسرائيلى». «إسرائيل» كدولة أنشئت على عامل القوة، وما زالت تعتمد على القوة لتوفير أمنها وبقائها، وهذا قد يخالف وضع الدول العادية التي تعيش في علاقات عادية وطبيعية مع الدول الأخرى وقيامها لم يكن قسرياً. الأمر بالنسبة ل«إسرائيل» يختلف فهي تقع في بيئة ليست بيئتها، وفي جغرافيا ليست جزءاً منها، وفي قلب المنظومة العربية التي لم تنجح حتى الآن في الحصول على اعترافها وقبولها، لأن هذا مرتبط بطبيعة وجوهر الصراع الذي يحكم علاقة «إسرائيل» بالمنظومة العربية، الأساس في العلاقة هو الصراع، والسبب يكمن في عدم استعداد «إسرائيل» للقبول بالدولة الفلسطينية، وتسوية الصراع مع الفلسطينيين. ولذلك حكمت خيارات الحرب والقوة العسكرية العلاقات بين «إسرائيل» وكل من العرب والفلسطينيين.
منذ نشأة «إسرائيل» شنت عدة حروب على العرب والفلسطينيين، وهذه الحروب لم تجلب لها الأمن والسلام، بل أوجدت حالة من الخوف وهذا هو العنصر الثاني الذي تقوم عليه السياسة «الإسرائيلية».. الخوف من الآخر، والآخر هو العربي والفلسطيني. وهي السياسة التي تفسر لنا استمرار سياسات الغيتو المتبعة حاليا في العلاقات مع الفلسطينيين. «إسرائيل» تربط السلام بعنصري القوة والخوف، ولذلك ترفض صيغ السلام التي تقوم على الاعتراف بالحقوق السياسية للفلسطينيين، خصوصاً أن السلام يقوم على عنصرين أساسيين هما: الأرض والسكان. وعنصر الأرض يشكل فكرة محورية ل«إسرائيل» تقوم على الملكية المطلقة ورفض أية حقوق للفلسطينيين من منطلق توراتي يقول بما يسمى «أرض الميعاد»، لذلك تنظر إليهم على أنهم مجرد ساكنين أغراب (غوييم) أو عابرين، ولذا تصر على ضرورة الاعتراف بيهودية الأرض، وهو يعني حرمان الفلسطينيين من أرضهم أو قيام الدولة الفلسطينية وهي أساس أي عملية سلام التي على أساسها تقوم المبادرة العربية التي تفتح الأبواب واسعة أمام السلام على أساس مبادلة الأرض بالسلام، وهذا ما ترفضه «إسرائيل». أما العنصر الثاني فهو العنصر الديمغرافي، ف«إسرائيل» تخشى من غلبة العنصر السكاني الفلسطيني والعربي، وترفض كل صيغ التعايش المشترك. واليوم تحكم «إسرائيل» أحزاب يمينية ترفض كل صيغ السلام مع الفلسطينيين، وتسعى جاهدة لسلب عنصري الأرض والسكان من خلال التوسع الاستيطاني غير المسبوق على اتساع الأرض الفلسطينية، ومحاولة زيادة عدد المستوطنين.
هذه السياسات تشكل الخطر الأكبر على مستقبل «إسرائيل» ووجودها لأن الخطر الحقيقي هذه المرة يأتي من داخلها، ولذلك بدأنا نسمع معارضة وإن كانت غير قوية ضد السياسات التي تبنتها الأحزاب اليمينية التي لا تؤمن بفكرة الدولة الفلسطينية كأساس للسلام. ومن مظاهر رفض «إسرائيل» للسلام مصادرة الأراضى الفلسطينية، وسياسات الاستيطان، والاعتقالات وتضييق الخناق على الشعب الفلسطيني ومحاصرته إضافة إلى ممارسة سياسات عنصرية. هذه السياسات بدأت تجد رفضاً لها على المستوى الدولي من زاويتين، الأولى من خلال المقاطعة التي تمارسها جامعات أجنبية ومؤسسات تعليمية ونقابية ضد «إسرائيل»، ومن زاوية دعم الجهود الفلسطينية في المنظمات الدولية وفي القرارات التي تصدر ضد سياسات «إسرائيل» الاحتلالية كما في منظمة اليونيسكو.
ولإنجاح هذه السياسة يتوقف الأمر على مزيد من المقاومة والنضال بمختلف الأشكال وتأكيد الوحدة الفلسطينية ميدانياً لإجبار «إسرائيل» على الإقرار بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني.

عن الخليج الاماراتية

اخر الأخبار