الامبريالية الامريكية ومراكز البحث والدراسات

تابعنا على:   15:31 2017-12-01

صالح عوض

منذ اربعة عقود من الزمن اصبح لمراكز البحث والدراسات وتقدير الموقف"خطابات الصراع السياسي" في الولايات المتحدة الامريكية دورا بارزا في رسم سياسات الولايات المتحدة الامريكية ووضع السيناريوهات للتعامل مع الخارج لاسيما منطقتنا العربية.. وانه لمثير لاقصى حد ما ذكره الحاكم الامريكي للعراق "بريمر" في مذكراته حيث افاد بانه في اليوم الاول الذي تسلم مهماته في العراق وجد على طاولة مكتبه ملفا كاملا بعنوان كيف تتعامل في العراق بتوقيع مركز دراسات "راند" الامريكي.
ومن المفيد الاشارة ذي بدء ان مراكز البحث والدراسات اصبحت مجالا للاستثمارات الخاصة يشغلها رجال سياسة كبار او خبراء امنيين مشهورين يكون لعلاقاتها بمراكز الفعل في امريكا والعالم الدور البالغ في توفير الرؤية ووضع التصور ومن خلال تلك العلاقات يتم تقديم السيناريو الذي يتجه وفق المصالح التي يرمي اليها الممولون والدافعون للمال الى حد ما ويكفي ان نعلم ان اشخاصا مثل كيسنجر ومارتن انديك ودنيس روس هم من الاشهر على مستوى مراكز الدراسات والتي تجد في المد الصهيوني غطاء عاطفيا ضروريا لفرض الضغط على الحكومات او الاشخاص النافذين في المؤسسات..وهذا ماجعل نيويورك تايمز تحذر من تأثير الدول الاجنبية على مراكز أبحاث شهيرة وكبرى تؤثر على مخرجات المراكز لكنها الكيان الصهيوني من دائرة التحذير.
وصانع القرار الامريكي يتكيء الى حد كبير على تقارير المراكز الاستراتيجية واحيانا تبعث مؤسسة الرئاسة الى مراكز تابعة لها بتقديم رؤية وافكار تخدم توجه معين لدى الرئاسة وهنا كثيرا مايحصل التناقض بين البحث العلمي والمصلحة.. وهنا ايضا يتضح ان المراكز لا يستقر حالها على الحياد العلمي بل هي دوما تخضع اما لقرار سياسي او اغراء مالي او كليهما معا..
بالتاكيد تنتشر مراكز البحث والدراسات حول العالم لكن لا اهمية في التاثير على صانع القرار كما هو الحال في الولايات المتحدة الامريكية والتي تحتوي على اربعين بالمئة من مراكز البحث والدراسات في العالم 1900 مركز تقريبا تأتي بعدها الصين حيث تمتلك مايقارب 420 مركزا..وللاشارة الى الطبيعة الربحية لهذه المراكز والبزنسة التي تقوم بها يكفي ان نشير الى ان 9 دول عربية على راسها الامارات العربية والسعودية وقطر دفعت في السنوات القليلة الاخيرة مبلغ 100 مليون دولار ل28 مركز دراسات في الولايات المتحدة الامريكية. وللاسف فان المراكز التي دفع لها العرب اموالهم هي مراكز صهيونية بامتياز وذلك في محاولة لتجنب شر اللوبي الصهيوني كما يدعون.
في الولايات المتحدة الامريكية توجد مراكز فاعلة وقوية فيكفي ان نعلم ان 21 مركز هي الاقوى والاشهر ينفق عليها فوق المليار دولار سنويا على مجموع اعمالها كما ان المتابع لنشاطاتها يرى انها تتنامى بشكل مضطرد ونمو متسارع في المجالات الامنية والسياسية وكما ان منها ماهو منبث عن وزارة الخارجية والبيت الابيض ووزارة الدفاع فان العديد منها خاص او تابع لاحزاب وشركات مال وتوجهات سياسية معينة.. وهنا يتفرع الامر الى مراكز تصنع اللوبيات واخرى تيسير الصفقات ورسم السياسات.. وهنا يصبح الحديث عن استقلاليتها امرا لا قيمة له بل هو حديث خرافة كما صرح " روبرت بروكير" وهو مؤسس لاشهرها حضورا.
وهذا المراكز عندما تصبح تابعة لسياسات معينة تأخذ في الحسبان ايجاد القراءات العديدة لتغليب راي على راي ويكفي ان نعلم ان الحرب على العراق في 1990 قد تم الاعداد لها بدقة تحت سقف رؤية استراتيجية قدمتها وزارة الخارجية الامريكية سنة 1986 اي قبل انتهاء الحرب العراقية الايرانية تفيد تلك الدراسة بانه لابد من التصدي للجيش العراقي عندما ينتهي من حربه على ايران ذلك لانه سيحاول فرض سياساته وهيمنته على الخليج وفي تلك الدراسة قدموا عدة سيناريوهات كان اهمها ما تم بالفعل بان يستدرجونه الى الكويت ومن ثم تكون الفرصة للقضاء على الجيش العراقي.. وعندما طرح موضوع الحرب على الكونجرس الكونغرس الامريكي رفض لم يستطع الرئيس الامركي جورج بوش الاب من اقناع الكونجرس الا ان دراسة عن مركز دراسات يشرف عليه هنري كيسنجر هو الذي رجح خيار الحرب وكسب له انصارا جددا في الكونجرس.. كما ان مراكز الدراسات هي التي قدمت لبوش الابن تصوراتها عن الحرب الثانية ضد العراق واثناء سير العمليات كاد ان يتخذ قرارا بوقف الحرب والتراجع لولا استشارات دراسية حركها ديك تشيني لاقناع الرئيس..
ولايمكن ان يكون مفيدا الحديث عن مراكز البحث والدراسات دون الاشارة لمراكز البحث والدراسات في الكيان الصهيوني حيث يكفي ان نعلم انه يحوي اكثر من 2000 باحث وخبير فقط في المجال النووي يتوزعون على 600 مركز بحثي حول العالم وان انتاجها من البحوث يبلغ سنويا 7000 بحثا وهو اكثر مما ينتج عن مراكز البحوث العربية مجتمعة بخمسمئة ضعف..ومن المعروف ان الكيان الصهيوني يحتل المرتبة الرابعة على مستوى العالم في الانفاق على مراكز البحث والدراسات حيث يبلغ ماينفقه 5 مليار دولار سنويا..
ومن الجدير بالانتباه ان مراكز البحث والدراسات بالولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني وكذلك العديد من مراكز الدراسات الغربية تتعامل مع الوطن العربي والعالم الاسلامي ككيان معاد.. ولخطورة هذه المراكز لابد من الاشارة الى مركز راند الشهير وضع تصوره في 2008 للتعامل مع المنطقة العربي وتمحورت رؤيته على تفسيخ المجتمعات باثنيات عرقية ودينية ومذهبية وذلك مرورا بسقوط الانظمة والجيوش في منطقة الشرق الاوسط.. كما ان لمؤتمر هرتسيليا الصهيوني دور بالغ في رسم الاستراتيجيات وتقييم الاداء خلال السنوات الماضية ويتم فيه رصد القوى العربية والاسلامية وابراز مواضع الخطورة في البلاد العربية والاسلامية وتجيش الراي العام الدولي والاقليمي ضدها
ومن الضروري التنبيه الى انه ليست انظمة عربية تسعى لنيل مودة المراكز الامريكية فقط بل ان هناك حركات سياسية عربية معارضة وشخصيات مشهورة أجد حرجا في ذكر اسمائها تتردد على تلك المراكز لكسب الود وتسجيل نقاط ضد الخصوم من الحكام وتصبح اروقة تلك المراكز ساحات تنافس بين الانظمة والقوى المعارضة.
في مقابل ذلك ماذا ينفق على مراكز البحث في بلادننا العربية؟ وماعلاقة القرار السياسي والاقتصادي والثقافي والاعلامي في بلداننا بمراكز البحث والدراسات..؟ ماعلاقة مراكز البحث بالمجتمع ومؤسساته؟.. ان الاجابة تعني بوضوح ان بلداننا تسير خبط عشواء وانها تقاد بمزاج يجد نفسه محاصرا بين قوى معادية تضطره الى التنازل تلو التنازل او الابتزاز تلو الابتزاز.. تولانا الله برحمته

اخر الأخبار