إيران ووقاحة البقاء في سورية

تابعنا على:   08:24 2017-12-05

خيرالله خيرالله

عندما يتحدّث وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في مؤتمر انعقد أخيراً في روما، يتبيّن أن إيران تعتبر نفسها القوّة العظمى الأخرى في العالم وأنّها حلّت مكان الاتحاد السوفياتي، السعيد الذكر. ما يتبيّن أيضاً بالملموس هو أن لا وجود لجناح معتدل وآخر متطرّف في النظام الايراني. هناك بكل بساطة نمط واحد لتعاطي المسؤولين الايرانيين مع بقية دول المنطقة. هذا النمط هو نمط الاستعلاء واعتبار كلّ دولة من دول المنطقة، خصوصاً الدول العربية، مجالاً حيوياً لإيران. من حقّ إيران، من وجهة المسؤولين فيها، أن تمارس نفوذها حيثما تشاء وبالطريقة التي تشاء من دون حسيب أو رقيب.

يوجد داخل النظام الايراني جناح واحد فقط يعمل بإمرة «المرشد» علي خامنئي الذي يؤمن بأنّ ايران دولة عظمى يحقّ لها ما لا يحقّ لغيرها. لو لم يكن الأمر كذلك لما كان وزير الخارجية الايراني يستطيع أن يسمح لنفسه في المؤتمر المتوسطي الذي استضافته روما بتجاهل العملية السياسية المتعلقة بسورية والتي كان مؤتمر جنيف بنسخته الثامنة فصلاً من فصولها. بالنسبة الى ظريف، الذي أتى على ذكر مؤتمر أستانة ثلاث مرات في كلمته، لا وجود لجنيف الذي يستند البحث فيه إلى القرار 2254 الصادر عن مجلس الامن التابع للأمم المتحدة. هناك مؤتمر أستانة فقط، وهو مؤتمر يحصر الموضوع السوري بين روسيا وايران وتركيا.

من الواضح، أنّ هناك تصميماً إيرانياً يتّسم بالوقاحة على البقاء في سورية. عندما سئل ظريف متى ستخرجون من المنطقة العربية، خصوصاً من الجنوب السوري أجاب «لن نخرج أبداً» مستخدما كلمة never الانكليزية. أكّد أيضاً أن إيران «لا تأخذ أوامر من روسيا» وأنّها لن تخرج من العراق أو غيره. قال بالحرف الواحد: «لن نغادر المنطقة. نحن من المنطقة».

هل صحيح أن إيران من المنطقة وأنّها قادرة على التعايش مع اهل المنطقة... أم أنّها قوّة استعمارية لا أكثر؟

الجواب بكل بساطة ان إيران تتصرّف كقوّة استعمارية. ما تغيّر منذ «ثورة» الخميني في العام 1979 ان التصرّف الايراني تطوّر نحو الأسوأ، وذلك مقارنة مع ما كان عليه أيّام الشاه. كان هناك حدّ أدنى من العقلانية في عهد الشاه الذي كان يعتبر نفسه «شرطي الخليج». احتلّ الجزر الاماراتية الثلاث (ابو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى) في العام 1971 بعدما أكّد الشعب البحريني في الاستفتاء الذي جرى بإشراف الأمم المتحدة تمسّكه بالاستقلال. بالنسبة الى الشاه، كانت الجزر الثلاث تعويضاً عن رفض البحرين أن تكون محافظة إيرانية. المؤسف أن شيئاً لم يتغيّر منذ 1971. تتمسّك «الجمهورية الإسلامية» بسياسة الشاه وما زالت تحتلّ الجزر الاماراتية الثلاث رافضة أيّ تفاوض في شأنها.

في مرحلة ما بعد «الثورة»، لم تعد هناك حدود للطموحات الايرانية. قد يكون ذلك ناجماً عن حاجة النظام إلى متابعة عملية هروبه الى أمام في غياب القدرة على حلّ أي مشكلة داخلية يواجهها. كان الشعار الذي رفعته «الثورة الإسلامية» الاستغناء عن مداخيل النفط. مع مرور الأيّام، صارت إيران تعتمد على النفط أكثر فأكثر، وذلك بدل توظيف إمكاناتها من أجل رفاه شعبها وتحسين مستوى المعيشة والعمل على تطوير قطاعات اقتصادية أخرى.

ينمّ كلام وزير الخارجية الايراني عن وقاحة ليس بعدها وقاحة، واستخفاف بالعرب عموما والشعبين السوري والعراقي على وجه التحديد. استند ظريف لتبرير الوجود العسكري الإيراني في سورية إلى «دعوة» من «حكومة شرعية». منذ متى هناك حكومة شرعية في سورية. هل يمتلك النظام السوري القائم على أجهزة أمنية مهمّتها قمع الشعب، شرعية من أيّ نوع؟

في سياق إلقاء ظريف لكلمته في روما، اعترض عدد من الحضور على استخدامه عبارة «الخليج الفارسي». ردّ على المعترضين بأن طلب منهم «قراءة التاريخ». لعل أفضل ردّ على تمسّك ظريف بالوجود العسكري الإيراني في سورية دعوته إلى قراءة التاريخ أيضاً. يقول التاريخ أن لا مكان لإيران في سورية ولا في أيّ دولة عربية، بما في ذلك العراق ولبنان. استطاعت إيران تغيير طبيعة قسم لا بأس به من المجتمع الشيعي في لبنان. لكنهّا لن تستطيع تغيير طبيعة المجتمع اللبناني، حتّى لو بدر عن بعض المسيحيين ما يشير إلى جهلهم في ايران ومشروعها التوسّعي.

ليس هذا الكلام نابعاً من شعور ذي طابع شوفيني بمقدار ما أنه يستند إلى واقع يتمثّل في أن الاستثمار في إثارة الغرائز المذهبية لا يمكن أن يبني علاقة بين إيران وأيّ شعب عربي. كلّ ما هناك أنّ إيران لن تكون قادرة على تحقيق اختراق في العمق في أيّ بلد عربي ما دامت تتصرّف كقوّة استعمارية من منطلق أنّها مرجعية للميليشيات المذهبية التي أسستها في العراق وسورية ولبنان واليمن وحتّى في البحرين.

إذا كانت إيران تريد أن يكون لها بالفعل وجود في هذه الدولة العربية أو تلك، يفترض بها التخلي عن الذهنية التي تحكّمت بالنظام منذ العام 1979. هناك للمرّة الأولى إرادة عربية واضحة في التصدي للأطماع الإيرانية، خصوصاً بين دول الخليج، على رأسها المملكة العربية السعودية. صحيح أنّه لا يمكن تجاهل الحرب العراقية - الايرانية بين 1980 و1988 واضطرار الخميني الى «تجرّع كأس السمّ في نهايتها»، لكن الصحيح أيضاً أن صدّام حسين أضاع كلّ ما كان يمكن تحقيقه من مكاسب في تلك المرحلة بعدما ارتكب جريمة احتلال الكويت من جهة وبسبب عجزه عن فهم المعادلات العربية والإقليمية من جهة أخرى.

هناك حالياً وعي عربي شامل لخطورة المشروع التوسّعي الايراني. هناك استيعاب لدى الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد السعودي لمعنى أن يتصرّف خامنئي مثل هتلر. من يسعى إلى أن يكون في سورية والعراق بحجة «اننا من داخل المنطقة وليس من خارجها»، إنّما يتصرّف كما تصرّف هتلر في مرحلة ما قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية إن تجاه النمسا أو تجاه بولندا.

من المفيد ملاحظة أنّ المجتمع الدولي بدأ يعي أبعاد إطلاق إيران صواريخ بالستية من اليمن في اتجاه الأراضي السعودية. لم يعد الأوروبيون والأميركيون أسرى عقدة الملفّ النووي الايراني. صاروا يميّزون بين أهمية المحافظة على الاتفاق في شأن الملفّ النووي الموقع صيف العام 2015 وملف صواريخ إيران ونشاطاتها التخريبية في المنطقة من جهة أخرى.

يمكن أن يكون هذا التمييز الأوروبي والأميركي بين الملف النووي والصواريخ الايرانية ما دفع وزير الخارجية الايرانية الى كشف حقيقة السياسة الايرانية ومدى خطورتها. حقيقة هذه السياسة أنّ الايرانيين موجودون عسكرياً في العراق وسورية ولبنان ويعتقدون أنّ لا شيء يمكن أن يخرجهم من البلدان الثلاثة.

هل هذا رهان إيراني في محلّه؟ من يقرأ التاريخ ومن يتمعّن بإمكانات إيران، لا بدّ أن يكتشف أنّ ليس في استطاعة أيّ دولة لعب دور أكبر من حجمها. روسيا نفسها التي استعانت بها إيران كي يبقى بشّار الأسد في دمشق، بدأت تستوعب أنّ ليس في استطاعتها فرض حلّ في هذا البلد من دون تفاهم ما مع الإدارة الأميركية... هذه الإدارة التي يبدو أنّها تتّجه إلى سياسة أكثر تصلّباً تجاه إيران وما تمثّله وما تطمح إليه في المنطقة.

عن الرأي الكويتية

اخر الأخبار