قدس العرب

تابعنا على:   14:14 2017-12-10

ريهام فؤاد الحداد

جاء إعلان ترامب ليصفعنا جميعاً، عرباً ومسلمين، وضعنا أمام أنفسنا مباشرة دون إمهال أو تمهيد، أو ربما نسينا وتناسينا التمهيدات السابقة والإعلانات المماثلة التى جاءت على لسان من سبقوه، إنها صفعة حرى بها أن توقظنا من سباتنا المتخاذل وتناحرنا العقيم.

نحن أمة العرب والإسلام، لا نريد أن نتذكر، لا نريد أن نعى ما يحدث، كل ما حولنا قاسٍ وسخيف، لا ينقصنا قلق أو توتر، فلدينا منه الكثير، ربيع عربى ودمار وخراب وانهيارات اقتصادية، وتبعية عالمية، مواقفنا مهتزة ضعيفة، خلافاتنا وسخافاتنا كثيرة، لا نقوى إلا على بَعضِنَا بعضاً، لا نسمع للعقل ولا للمنطق، بل لا نسمع من الأساس، قادتنا القدامى نُحروا وذُبحوا وسُجنوا، تجرّأنا عليهم فتجرأ علينا العالم، وقادتنا الحاليون مكبلون بقيود كثيرة وحسابات عسيرة، مواقفهم صعبة، وقراراتهم ليست يسيرة.

خطط تُحاك ضدنا منذ زمن، خطط معلنة لم يخفها العدو، لكننا يوماً ما انتبهنا، وسار العدو ينصب الشرك بكل دقة صوب إضعاف وإفلاس عالمنا وإذلاله وكنّا نحن فى مقدمة الفاعلين، فعلنا بأنفسنا أكثر بكثير من ضرر العدو المتربّص، فنحن ألد أعداء لأنفسنا.

أسهل ما نملك هو أصابع الاتهام نوجّهها صوب بَعضنَا بعضاً، والتراشق والتنابز والسخرية، على ماذا تسخرون يا عرب ومما تسخرون؟!! جاء إعلان ترامب متبجحاً (فَعُيّرَ أهل البلاد بأنهم من باعوا أرضهم قبل الاستيطان، وهم من استبدلوا المال بالوطن) وجاء فصيل آخر (يدعو الدولة العظمى المتباهية بتاريخها العريق وبأياديها البيضاء على الجميع بخوض حروب للدفاع عن العرب والعروبة بأن تتصرف ما دامت هى الزعيمة)، وجاء فصيل ثالث (بأن يكفينا ما خُضنا من حروب بالوكالة وكفانا تضحيات!!!) أهذا وقت الفرقة وإلقاء اللوم والمسئولية والعتب والاستفزاز؟! ما بالكم يا عرب، أين عقولكم؟!

أول الخيط يا عرب هو هذه الروح!! ماذا حدث لكم؟!! أى حقد لبعضكم تحملونه؟!! الحكام يكادون لا يجلسون على طاولة واحدة ويتفقون، أبداً لا يتفقون، كلٌّ يجذب الخيط باتجاهه، نزعات غريبة وجديدة وفرقة هى الأكبر، حتى الشعوب العربية، التى كانت فى الماضى تأنس لمجرد سماع لهجات بعضها بعضاً، وتُرحب وتحمل المحبة لبعضها البعض، ماذا حدث لها؟!! أصبحت المشاعر السلبية والاحتقانات القبيحة هى السائدة، بل وصل الأمر إلى أن أبناء البلد الواحد تتنازعهم الفرقة ويعتريهم الرفض والبُغض!!! من نثر تلك الروح الشريرة!! أى التعاويذ البغيضة أُلقيت على رؤوسكم يا عرب!!

ربما تكون الكلمات عن الوحدة قديمة، وتفقد معناها، أو ربما هى مستهلكة ومضيعة للوقت والجهد، لكن ماذا إذا تقطّعت آخر أواصرها وانتهت تماماً؟!! ماذا إذا زادت الهوة اتساعاً؟!!

سؤال بماذا شعر جميعنا عند تصريح «ترامب»!! جميعاً اعتصر قلبه وذاب جبينه خجلاً، بالنهاية نحن عرق واحد ولسان عربى واحد وفوق هذا دين واحد!! أتحدى أن يكون شعور السنى مختلفاً عن الشيعى أو شعور الجنوبى غير شعور الشمالى، الوجع واحد، إنها القدس، قبلة المسلم والمسيحى ولم يمنع عنها اليهودى يوماً، القدس معنا بأمان وهى للديانات الثلاث، القدس معنا فى أمان لأننا نُصدّق ونؤمن بالديانات الثلاث، والقدس دلالة ومعنى على أشياء أخرى أولها العروبة، هى القضية العربية الأقدم، هى مربط الفرس وسر ما نلقى من دمار بلداننا، هى المغزى والهدف من كل عبث جرى بأوطاننا.

نحن للأسف أمة اعتراها الحمق وقصر النظر والعصبية والتسرّع والنعرات الكاذبة، أعطانا الله كنوزاً فأضعناها، أعطانا المفكرين والعقول، فلم نُحسن معاملتهم وإمدادهم بما يحتاجون إليه، ففروا بعلمهم إلى الخارج، أعطانا الله الثروات، فأضعناها على بذخ وسفه منقطع النظير، أعطانا كل أسباب الوحدة والتلاحم والتكامل فافترقنا، والسموم دست لنا والطعم ابتلعناه كفريسة غريرة، فهُنا على الدنيا بعد أن هانت علينا أنفسنا.

ليس كلاماً معاداً، بل هو الحل الوحيد (الوحدة يا عرب) اتّحدوا ما بقى من الأيام قبل نهايتنا جميعاً، وإن تعذّر على الحكومات والقادة وحدتنا، فلتتوحد الشعوب، الشعوب هى التى تدفع الثمن، ولوحدة الشعوب طرق عدة.. والقدس قدس العرب..

عن الوطن المصرية

اخر الأخبار