الاحتجاجات ومستقبل الدور الإقليمى لإيران

تابعنا على:   11:37 2018-01-10

د. أحمد سيد أحمد

شكلت الاحتجاجات التى اندلعت فى إيران أخيرا أكبر تحد للنظام الإيرانى منذ عام 1979, فاقت أزمة الانتفاضة الخضراء فى عام 2009 احتجاجا على إعادة انتخاب المرشح المحافظ أحمدى نجاد، ومصادرة أصوات المرشحين الإصلاحيين حسين موسوى ومهدى كروبي، فالاحتجاجات الأخيرة كشفت بوضوح أزمة الشرعية التى يعانى منها النظام، وأوضحت حجم الخلل فى بنية النظام الإيرانى السياسية والاقتصادية, ما بين استحواذ المؤسسة العسكرية وفئة رجال الدين على معظم الثروات، وما بين غالبية الشعب الإيرانى الذى يعانى ويعيش نصفه فى حزام الفقر، وارتفاع متوسط البطالة إلى 28%، وتصل إلى 60% فى بعض المحافظات مثل كرامنشاه والأهواز، كما تعانى أغلب المدن الإيرانية من تدنى وغياب البنية الأساسية والخدمات، وفى ذلك الوقت تعد إيران ثانى أكبر منتج ومصدر فى العالم للنفط والغاز, ويسيطر الحرس الثوري, الذراع العسكرية للثورة الإيرانية، على الاقتصاد ما بين 20 و40%، عبر مؤسسة خاتم الأنبياء ذراعه الاقتصادية، والتى تمتلك أكثر من 800 شركة فرعية، وتستحوذ على معظم المشروعات الكبرى فى البلاد نتيجة لفرض العقوبات الدولية لأكثر من عقدين، وتبنى ايران استراتيجية الاعتماد على الذات.

ورغم أن الاحتجاجات اندلعت فى مدينة مشهد وقم, معقل رجال الدين، لعوامل اقتصادية كرد فعل على رفع الدعم عن أسعار الطاقة بنسبة 50%، فإنها أخذت أبعادا، سياسية احتجاجية على حكم النظام الإيراني، وهو ما جسدته الشعارات العديدة التى أطلقها المحتجون مثل يسقط الديكتاتور, فى ظل القبضة الحديدية فى البلاد، وتراجع الحريات وانتشار الفساد فى العديد من مؤسسات الدولة.

أحد تداعيات الاحتجاجات الإيرانية هو تأثيرها على الدور الإقليمى الإيرانى الذى تمدد وتوسع بشكل كبير فى السنوات الأخيرة، خاصة بعد اندلاع ثورات الربيع العربى فى عام 2011، ورفع العقوبات عن إيران بعد إبرام الاتفاق النووى مع الدول الغربية عام 2015، حيث استغل النظام الإيرانى تراجع الكثير من الدول العربية بعد تفاقم أزماتها، واندلاع الحروب الأهلية داخل بعضها مثل سوريا والعراق واليمن، وانهيار مؤسساتها الوطنية، ليقوم بدعم أذرعه العسكرية الحليفة والموالية له مثل حزب الله وميليشيا الحوثى الانقلابية وعشرات الجماعات الشيعية المسلحة فى العراق وسوريا مثل حركة النجباء وعصائب أهل الحق والفاطميون والزينبيون وغيرهم، وذلك تحت مسمى نصرة المظلوم، وهو مفهوم يقصد به دعم الشيعة فقط، وهو ما كرس مفهوم الطائفية وزاد من تعقد واستمرار تلك الأزمات، وسعت إيران إلى إقامة ممر برى يربط طهران بالبحر المتوسط مرورا بالعراق وسوريا ولبنان.

 ولذلك كانت تكلفة التوسع الإيرانى، وتعظيم الدور الإقليمى عاليا، بشريا وماديا، فقد قدمت طهران عشرات المليارات من الدولارات للنظام السورى والأذرع العسكرية الحليفة لها، وهو ما أثقل كاهل الاقتصاد الإيرانى وتوجيه أولوياته إلى الخارج وليس للداخل. فبعد الإفراج عن مائة مليار دولار رصيد إيران فى الخارج بعد رفع العقوبات، لم تتجه هذه الأموال إلى الداخل ومعالجة المشكلات الاقتصادية والفقر والارتقاء بمستوى معيشة المواطن، وإنما ذهب جلها للإنفاق على تعظيم الدور الإقليمي، حيث زادت ميزانية تمويل حزب الله من 200 مليون دولار إلى مليار دولار، كما زادت طهران من دعمها المالى واللوجيستى لميليشيا الحوثى فى اليمن، إضافة إلى زيادة الميزانية العسكرية لـ11 مليار دولار، وزيادة ميزانية الحرس الثورى وذراعه العسكرية فى الخارج فيلق القدس. كما اتجه الجزء الآخر إلى تطوير البرنامج الصاروخى الباليستي، وكان ذلك على حساب المتطلبات الحقيقية للشعب الإيراني، وهو ما دفع المتظاهرين إلى رفع شعار «لا لغزة ولا لبنان بل فداء لإيران».

وبالطبع فرغم إخماد النظام لهذه الاحتجاجات وإطفاء جذوتها عبر القمع الشديد من جانب الحرس الثوري، وإخراج المسيرات المضادة المؤيدة له، وشيطنة تلك الاحتجاجات، باعتبارها أداة أعداء الخارج ضد إيران، إلا أنه لا يعنى انتهاءها أو انتهاء هذه الأزمة، فالنظام الإيرانى بات فى ورطة وأمام معضلة حقيقية، فقد يعيد النظام ترتيب أولوياته فى الفترة المقبلة للتركيز على الداخل الإيرانى ومعالجة مشكلاته الاقتصادية، وأوضاع الفقر والبطالة وتوسيع مجال الحريات، ومن ثم تراجع الاهتمام بالخارج، وتقليص إنفاقه على التوسع الإقليمى ودعم حلفائه, وهو ما يؤدى فى النهاية إلى الانكفاء على الداخل وتراجع دور إيران الإقليمي، وهو أمر مستبعد فى ظل سعيه لجنى مكتسبات ما بعد هزيمة داعش فى العراق وسوريا وتدعيم نفوذه فى البلدين، إضافة إلى استمرار دعم الحوثيين، ومن ثم استمرار ارتفاع التكلفة العالية، واستمرار أوضاع الاقتصاد الإيرانى فى ظل تبنى إدارة الرئيس الأمريكى ترامب استراتيجية جديدة تقوم على احتواء إيران وفرض مزيد من العقوبات، وتقويض الاتفاق النووى مما يثير حالة من عدم اليقين حول الاستثمارات الغربية المتدفقة لإيران، وهذا يعنى استمرار مسببات الاحتجاجات وتجددها فى المستقبل مما يقوض أسس النظام الذى بات يرزح بين مطرقة التحديات الداخلية وسندان الضغوط الخارجية، وهو قد ما يؤدى فى نهاية المطاف إلى تراجع الدور الإقليمى السلبى لإيران بما يسهم فى تعزيز الأمن والاستقرار فى المنطقة.

عن الاهرام

اخر الأخبار