أنا مصرى

تابعنا على:   11:07 2018-01-23

طارق حسن

الأحد الماضى، دعانى الجراح الشهير دكتور مصطفى جمال السعيد للمشاركة فى ندوة يعقدها صالونه الثقافى المعروف باسم صالون الجراح الثقافى.

الندوة التى استضافتها مكتبة مصر الجديدة بحضور كوكبة من كبار علماء ومفكرى وكتاب مصر كانت بعنوان «أنا مصرى». لا أعرف كيف جرى اختيار عنوان الندوة على مثل هذا النحو، إنما السؤال الذى دار برأسى: هل أنا بحاجة للقول: إننى مصرى. ما حاجتى وأنا بالفعل كذلك، ما الضرورة لذلك الآن؟.

الشاهد بالفعل أنه توجد دواعٍ مصرية وعربية واجبة للصدح بالقول: أنا مصرى. لا من باب الفخر والاعتزاز بالمصرية. إنما من جانب المشروع الذى تملك مصر دون غيرها مقوماته، وينبغى لها صياغته وتقديمه لنفسها ومنطقتها العربية فى مثل هذه الظروف التى نعيشها الآن. ما هذا المشروع. ما الذى نحتاجه مصريين وعربا الآن؟. أقول لك: ليس سوى الدولة ذات السبيكة الحضارية والثقافية المتماسكة الصلدة.

فى منطقة كما هى منطقتنا، تشهد منذ سنوات موجات من حروب اقتلاع الوجود متعددة الأشكال والألوان من جانب قوى استعمارية دولية وإقليمية وأخرى محلية دينية وعرقية ومذهبية وطائفية وفوضوية، فلا مشروع يمكنه مواجهة مثل هذه الحروب العاتية وتداعياتها المريرة سوى مشروع الدولة الوطنية ذات السبيكة الحضارية والثقافية الصلدة، ولا دولة بإمكانها تقديم النموذج لمثل هذا المشروع وتملك مقوماته الأساسية سوى مصر.

تملك مصر فكر وعقيدة الدولة، فهى من اخترع منذ فجر التاريخ الدولة كأداة لتنظيم المجتمعات البشرية، وفِى الاعتقاد أنه أهم اختراع فى حياة البشرية حتى الآن، فماذا يوجد بعد الدولة إلا الفوضى؟.

تملك مصر أيضا السبيكة الحضارية والثقافية المتماسكة الصلدة، التى تضم فى داخلها مكونات فرعية اجتماعية ودينية وثقافية متعددة ومتنوعة. جميعها ينصهر فى بوتقة واحدة غير قابلة للانفصام أو الانقسام، بالرغم من تمايزاتها الفرعية. وقد تشكلت على هذا النحو على مدى الحقب التاريخية وحتى وقتنا الحاضر.

الدولة والسبيكة الحضارية الثقافية المتماسكة الصلدة هى المقومات اللازمة الضرورية، ليس فقط لصد حروب الفوضى واقتلاع الوجود السارية الآن. إنما أيضا لتوفير المخرج والأمل لكل شعوب منطقتنا فى العيش بصورة أفضل خلال المراحل المقبلة. ولا نبالغ فى القول إنه لولا الاستناد إلى تزاوج عنصرى الدولة والسبيكة الحضارية الثقافية الصلدة، لما كان بإمكان مصر أن تعيش أو تشهد لحظة ٣٠ يونيو، ولما كان باستطاعتها توفير مخرج لنفسها من عمليات الفوضى وتداعياتها.

ما الذى ينقصنا الآن؟..

نظن أننا نحتاج إلى صياغة عصرية متطورة للنظام السياسى - الاجتماعى لدولة السبيكة الحضارية الثقافية الصلدة، بحيث يكون نظاما يطابق فى كل جوانبه حقائق تنوع متعددة مكوناته. فهى وإن كانت تقبل حقيقة التعدد والتنوع فى المجال الاجتماعى، إلا أنها ليست كذلك فى المجال السياسى وعلى مستوى مجمل النظم العامة. مثل هذا التفاوت يصنع أزمتها الداخلية باستمرار، بينما شمول التعدد والتنوع كافة جوانب النظام السياسى - الاجتماعى يضمن دوما صيانته الداخلية ودفع عمليات تطوره وتقدمه وازدهاره كنموذج.

ما العمل إذن؟..

بات مطلوبا بشدة أن تنحو مصر على وجه التحديد وبسرعة إلى صياغة وبلورة مشروع دولة السبيكة الحضارية الصلدة ذات النظام السياسى - الاجتماعى القائم على التعدد والتنوع. لم يعد هناك بد من تجسيد مثل هذا المشروع واقعيا. بمثل هذا النموذج الوطنى يمكننى أن أصدح فى عموم وربوع المنطقة: أنا مصرى. العرب كما مصر يحتاجون بإلحاح الآن إلى مثل هذا النموذج المصرى فى مواجهة حروب اقتلاع الوجود وفوضى صراعات المذهب والدين والعرق والقبيلة.

عن المصري اليوم

اخر الأخبار