"سوء الرئاسة"..!

تابعنا على:   14:19 2018-01-27

عبدالعظيم درويش

إذا كانت نصوص الدستور تجيز لأى مواطن يرى فى نفسه القدرة على التصدى لمسئولية قيادة 104 ملايين مواطن لمدة 4 سنوات كاملة وفق شروط محكمة تضمن الحفاظ على مستوى هذا المنصب الرفيع، إلا أنه فى حقيقة الأمر قد غاب عن هذه الشروط أهمها، وهو ما يتعلق بـ«صحة القوى العقلية» لمن يمتلك الجرأة على التقدم للجنة العليا للانتخابات ليسحب أوراق الترشح لهذا المنصب الرفيع الذى أحاله التسابق إليه إلى مجرد «سوق للرئاسة» - وإن كان الأصح أن يطلق عليه «سوء الرئاسة»- لا لشىء إلا لتلك النوعية من البشر، التى تجاوز أعضاؤها كل الحدود ليتقدم أفرادها للمنصب ربما ظناً من جانبهم أنهم يتقدمون للعمل «كومبارس» فى فيلم كوميدى..!

أى متابع لعملية التقدم للترشح يمكنه بكل بساطة أن يرصد أن معظم الذين أعلنوا نيتهم التقدم لهذا «المنصب الرفيع» تجمعهم رغبة أكيدة فى «لفت الأنظار» إليهم ربما أملاً فى أن يلتف حولهم الصحفيون لتلمع فلاشات عدسات كاميرات التصوير، وربما يستضيفهم أحد البرامج التليفزيونية طمعاً فى شهرة يكتسبها، إذ إن أغلبهم يفتقدون حتى معرفة جيرانهم لهم، وربما تنحدر هذه المعرفة إلى حد أنه هو نفسه لا يعرف من يراه أمامه إذا وقف أمام مرآة! ولذا فإنه يجب على الزملاء الصحفيين والإعلاميين اختيار من يستحق بالفعل أن تلتقط الكاميرات صورته أو تسلط عليه أضواء استوديوهات التليفزيون حفاظاً على مستوى المنصب، وهو ما يجب أن تتضمنه معايير «التغطية الإعلامية» للانتخابات الرئاسية التى تعدها الهيئة الوطنية أو المجلس الأعلى للإعلام..!

ربما كان «الطبيب النفسى» للكشف عن صحة القوى العقلية هو كل ما يحتاجه معظم من حاول اقتحام «الماراثون الرئاسى» -حتى منتصف الأسبوع الماضى- وهو فى حقيقة الأمر لا يحتاج إلى «الترشح» بقدر احتياجه للسكن فى «مستشفى العباسية للصحة النفسية»..!

بين من يريد «نقل الكعبة الشريفة» إلى المنوفية بدلاً من مكة المكرمة للاستفادة من حصيلة الحج والعمرة، إلى من يريد التودد للمواطنين بـ«أسلوب يقطر سذاجة» بترديد اعتزامه توزيع «10 ملايين جنيه و10 أفدنة وفيلا» على كل مواطن، مروراً بشيخ يبلغ من العمر 74 عاماً ويؤسس حزباً للشباب ليترأسه من أجل أولاده وأحفاده، تفاوتت برامج -وإن كان الأصح أن نصفها بأنها «تخاريف»- هؤلاء الذين يرغبون فى الترشح!

إذا كانت قواعد المنطق تؤكد جميعها أن معظم من يداعب مقعد الرئاسة «أحلامه» حتى الثلاثاء الماضى لن يستطيع أن يحصل على 25 ألف توكيل من 15 محافظة، وبحد أدنى ألف توكيل من كل محافظة أو تزكية 20 نائباً بمجلس النواب، كما ينص الدستور، فإن الأمر يستوجب مضاعفة مبلغ التأمين إلى 100 ألف جنيه بدلاً من 20 ألفاً لضمان جدية المرشحين، ويبدو أن حلم لقب «سيادة الرئيس» قد ضغط بشدة على سامى عنان -الذى تحول اسمه منذ اللحظة الأولى لإعلان نيته فى الترشح ليصبح «سامى إخوان»- إلى درجة تهدده بالوقوف أمام المحققين وربما المحكمة العسكرية خلف القضبان بدلاً من خلف الميكروفون فى أى لقاء جماهيرى، بعد أن جرفه تيار الإخوان ليرتكب وقائع تزوير، إضافة إلى محاولة التحريض ضد القوات المسلحة التى أمضى سنوات عمره بين صفوفها.. للأسف!

بانجو الوزراء.. مرة أخرى..!

على ورق مصقول أخضر أو أزرق اللون تتصدره عبارة «مكتب الوزير» ومذيل بتوقيعه اعتاد رؤساء تحرير الصحف وقياديوها تلقى ردود من المسئولين على أخبار أو مقالات نشرت بالجريدة تتناول بشىء من النقد أى إجراء أو قرار يتخذه المسئول‏!‏ وكأنها «بادج» مطبوع عليه تتصدر عبارة «عار من الصحة» تعقيب أو رد أى مسئول، وفى أحيان غير قليلة تضاف كلمة «تماماً» بين كلمتى «عار من الصحة» لنفى هذا الخبر أو ما جاء فى هذا الرأى على سبيل القطع والدقة‏!!‏ ليختتم التعقيب بعبارة أخرى اعتاد عليها العاملون بمهنة البحث عن المتاعب «برجاء التكرم بالتنبيه نحو اتخاذ اللازم بشأن تصحيح ما نشر‏!»

غير أن الصديق رامى جلال الكاتب الشاب اللامع أقدم على غير ذلك تماماً، إذ جاءنى صوته عبر مكالمة تليفونية ليصحح واقعة نُسبت إلى الدكتورة هالة السعيد، وزير التخطيط -بوصفه المتحدث الرسمى باسم الوزارة- من أنها تراجعت فى تصريحاتها عن إجراء مسابقة للتعيين فى يناير الحالى بعد نحو 48 ساعة من تأكيدها، وهو ما سبق أن تناولته قبل أسبوعين فى مقال حمل عنوان «بانجو الوزراء..!»، وعلى جهاز الفاكس أرسل المتحدث رسالة جاء فيها:

«الواقع أن الوزيرة لم تقل هذا الكلام بـ«الحرف الواحد»، تبعاً للتعبير الوارد فى المقال، بل الأمر كله يتعلق بصياغة ملتبسة صاغها أحد الزملاء الصحفيين، أفقدت ما قيل معناه وجعلته يفيد العكس، والعتاب هنا على هذا الزميل الذى لم يراعِ الدقة فى نقل ما يستمع إليه.. ولم تنتظر الوزارة إلى اليوم التالى لكى تنفى ما نُسب إليها زوراً، ولكن تم النفى مساء اليوم نفسه، الثلاثاء 26 ديسمبر 2017، على المواقع الإلكترونية لكبريات الصحف وكذلك فى العديد من برامج «التوك شو» المسائية الأكثر مشاهدة، فى اليوم نفسه، فضلاً عن مداخلات هاتفية بعدد من القنوات الفضائية بالبرامج الصباحية، بعد ساعات، فى صباح اليوم التالى مباشرة».

إلى هنا انتهى تصحيح المتحدث الرسمى.. وعلى الرغم من أن مقال «بانجو الوزراء» قد نشر صباح السبت فيما تلقيت مكالمة المتحدث الرسمى فى العاشرة من مساء الثلاثاء قبل الماضى ولأن المصداقية منهجها‏.. ولأن احترام الآخر وسيلتها‏.. ولأن الحقيقة هدفها‏.. ولأن النجاح حليف دائم لها‏.. ولأن الدقة أهم أدوات جريدة «الوطن» لم أتردد فى تصحيح الموقف على الرغم من أن الخطأ يتحمل وزره الزميل الصحفى الذى أخطأ فى صياغة كلمات الدكتورة هالة ولست أنا من يتحمله..!

عن الوطن المصرية

اخر الأخبار