أي تسوية وأي سلام؟

تابعنا على:   19:27 2018-02-04

صالح عوض

يُعِدُّ الأمريكان صفقة القرن على نار هادئة ويتسابق الحكام العرب لتقديم الاستعدادات لإنجاحها ويقدمون الضمانات لجعل القدس عاصمة لإسرائيل وفلسطين مسرحا للاستيطان ونقل فلسطين إلى خارج الجغرافيا والشعب الفلسطيني إلى حيث اللامكان.. هذه صفقة القرن.. فهل تنجح الخطة؟

إن ما يتوارد إلى الإعلام يكشف عن حجم التفريط والتورُّط الرسمي العربي في أخطر عملية تتم ضد الشعب الفلسطيني وضد القضية الفلسطينية.. أميرٌ بحريني يزور الكنيست الصهيوني، وطائرات بلا طيار صهيونية للإمارات العربية، ولقاءات أمنية صهيونية متكررة بمسئولين أمنيين سعوديين، وبضائع صهيونية تُغرق أسواق دول الخليج، وسيطرة صهيونية على شبكات الانترنت اللبنانية واختراقات أمنية واسعة.

وفي دائرة أخرى تقوم الحكومة اللبنانية بعملية إحصاء للفلسطينيين المتواجدين على الأرض اللبنانية في واحدة من أخطر عمليات صفة اللجوء عن مئات آلاف الفلسطينيين الذين فروا جراء المجازر والتهجير والتضييق إلى دول أوربية فلم يعد محصى في سجلات الحكومة اللبنانية إلا 250 ألف فلسطيني من جملة ما يزيد على 700 ألف لاجئ، وكما هو معروف فان اللبنانيين الموزعين على طوائفهم لا يتفقون إلا على محاصرة الفلسطينيين وحرمانهم من حرية الحركة السياسية والاقتصادية والمقاومة.. وفي سورية تم تهجير أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني بعد أن كانت مخيَّماتهم في حالة استهداف مباشر تعرَّضت من خلاله إلى تدمير شامل.. وفي الضفة الغربية أصبح الاستيطان واقعا مستشريا يقطع أجزاء الضفة ويطق مدنها في غيتوهات وقد أصبح قادرا على استيعاب 600 ألف مستوطن في الضفة الغربية والعدد مرشح للزيادة، والقدس يتعرض لأخطر عملية تهويد وتغيير معالم، ولقد أطلقت مواقف ترمب للعجلة الاستيطانية العنان للتوسع في المشاريع الاستيطانية بالقدس.. حرب على غزة مستمرة منذ 12 سنة بشكل مباشر هدمت ثلث مساكنها وأفقرت الشعب وجوعته وعرضته لأخطر عملية حصار فرضت عليه واقعا مأساويا.. وحولت مليوني فلسطيني إلى حالة لا تنتظر إلا تحسين المعيشة بعد أن تم الإغلاق بكل المنافذ والوسائل..

في المشهد نفسه لابد من ملاحظة الدمار الذي لحق بالإقليم المعني مباشرة بفلسطين في العراق حيث تم تدمير مدنه وقراه ومجتمعه وجيشه وادخلوا العراق في متاهة الديمقراطية والتحاصص الطائفي والقومي بعد أن أصبح الفساد الإداري والمالي ضاربا الأطناب وحيث لا تزال الإدارة الأمريكية من وراء ستار تشعل الحروب داخل البلد بين مكوناته الاجتماعية والثقافية، وتقوم بشكل مباشر عندما تقتضي الضرورة بقصف الآمنين أو المواقع الأمنية الرسمية.. في العراق قوى التنافر والتنازع المشرف عليها من قبل الأمريكان مباشرة تجمد البلد عن أداء دوره في قضية فلسطين التي كان حاضرا فيه باستمرار.. وفي سورية حرب أنهكت البلد وقدَّمت فيها سورية خيرة أبنائها وثروتها بعد دُمِّرت خيرة مدنها وعظيم مؤسساتها وقبل ذلك كله دمرت الحياة المستقرة في المجتمع واضطر 14 مليون سوري إلى الرحيل من بلدهم.. وعندما ظن السوريون أنهم قد فرغوا من الحرب العاصفة تجددت الآلام بالدخول التركي لتدمير الأكراد وتجدد التهديد الأمريكي بشكل مباشر حيث تقيم الإدارة الأمريكية مواقع تدريب لإرهابيين سيقومون بمهمات خاصة في سورية..

في ضوء هذا كله تضع صفقة القرن عناصرها:

1- توسيع قطاع غزة في سيناء مساحة إضافية تزيد عن مساحة القطاع مرتين تتسع لمليون فلسطيني سيُجلبون من أماكن لجوئهم وتقام لهم مدينة وحولها بضع القرى ويخصص للمنطقة مطار وميناء وإمكانية الاستفادة من حقول الغاز المنتشرة على سواحل غزة..

2- أما الضفة الغربية فسيُلحق أكثر من 15 بالمئة من أراضيها بالكيان الصهيوني ويُمنح أهل الضفة سلطة فوق الحكم الذاتي وأقل من دولة..

3- يعاد الاعتبار للخيار الأردني بخصوص الوضع الفلسطيني بالضفة والأردن..

4- وفي مقابل ذلك تُمنَح مصر ممرٌّ تحت المياه يوصل مصر بالأردن والسعودية على طول 10 كيلو متر، وتأخذ مصر من أراضي النقب الفلسطيني ما يقابل مساحة الأرض التي تتنازل عنها من سيناء، وتُمنح مصر مساعداتٌ مالية ضخمة لبناء مفاعلات نووية لإنتاج الكهرباء التي ستشهد أزمة كبيرة خلال السنوات القادمة، كما سيفتح الملحق السري العسكري لاتفاقية كامب ديفد بما يؤهِّل لانتشار معين للجيش المصري في سيناء..

5- تقوم الدول الغربية بالضغط على الدول المضيفة للفلسطينيين لتوطين ثلث العدد المتواجد فيها، وينقل الثلثان الآخران إلى المساحة المقتطَعة من سيناء..

6- تقوم السعودية والإمارات العربية بتمويل الصفقة بمئات مليارات الدولارات.

هذه الخطة التي أعلن المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط عن قرب الإعلان عنها رسميا وانه لم يتبق لها إلا قليل من "الملح والبهارات" وان الفلسطينيين لا دور لهم فيها وأنهم خارج الحساب.. وهي بلا شك تحشد لها الآن خطط تفصيلية عديدة وان النظام العربي المتورط في الصفقة منشغل هذه الأيام بتمريرها على الشعب وعلى المؤسسات.. وهو منشغل كذلك بتوفير الجوانب اللوجستية لإنجاحها.

من المؤكد أنهم لن يجدوا فلسطينيا يوافق على مشروعهم.. ولعل مواقف السلطة الهادئة والبطيئة الأخيرة تتجه إلى رفض الخطة ومحاولة التأكيد بأنها خارج سياق الممكن المقبول.. والإجراءات التي تبذلها المؤسسات الرسمية الفلسطينية مع ضعفها وترددها إلا أنها تتجه إلى الصدام مع صُنَّاع الصفقة.. وفي الشعب الفلسطيني من خلال قواه السياسية والثقافية لن يقبل بالتنازل عن أي من حقه المقدس فلسطين ولن يقبل بديلا عنها.. وصناع القرار قد وضعوا في حسبانهم ذلك. من هنا فالمواجهة الكبرى ستقع حتما بين الشعب الفلسطيني بكل فئاته وقواه السياسية أينما كانت من جهة والعدو الصهيوني والنظام العربي المرتبط بالصفقة من جهة أخرى، وستكون المعركة عنيفة وواسعة وشاملة، بل لعلها تكون أشد أنواع المجازر والحروب التي تعرض لها الشعب الفلسطيني.

هناك حقيقتان لابد من تسليط الضوء عليهما واستشعارهما بقوة، الأولى: أن الفلسطينيين لن يقبلوا بالتنازل عن فلسطين، والثانية: أن الوعي الفلسطيني بالقضية والمواجهة أصبح في قمة تفاعله مع الفعل، ولا يقتصر ذلك على غزة والقدس حيث المواجهة اليومية، إنما يمتد إلى الضفة الغربية وفلسطين المغتصَبة منذ 1948.. وعلى هذا لابد من تدبر الحالة الفلسطينية الناهضة والمتوثبة والواعية التي أصبحت في أرقى حالاتها..

إن صفقة القرن هي آخر ما سيصدر من الغرب الاستعماري، ولكنها بداية نهوض عربي وإسلامي سيجد سبيله في نخب ثقافية وسياسية عربية وإسلامية ترى في الاشتباك الفلسطيني الصهيوني فرصتَها في التقدم لإسناد الشعب الفلسطيني والخروج من المعارك الجانبية..

مكتوب علينا الرباط والصمود والمصابرة، ومكتوب عليهم الهزيمة والتتبير والاندحار.. وإنَّا بما يعِدنا ربُّنا مؤمنون.

اخر الأخبار