حماس.. على صفيح ساخن

تابعنا على:   12:44 2018-02-16

ناجح ابراهيم

أمد/ القاهرة - كتب ناجح ابراهيم*: سياسة الدولة تجبر حكامها على مزيد من العقلانية والنضج السياسى أو المقاربة مع الواقع الإقليمى والدولى والتفاعل الحى مع فقه الأولويات والمصالح والمفاسد ودرء المفسدة الكبرى بالأصغر منها إن لم يمكن جمعهما، وتحصيل المصلحة الكبرى بتفويت الأدنى إن تعسر جمعهما، والنزول من عالم الأيديولوجيا الجميل إلى دنيا الواقع المرير، وتجرع السموم من أجل الحفاظ على وطنه وشعبه ودرء الأخطار عنه، وتقديم مصالح الأوطان على الجماعات والأحزاب، والانتقال من مرحلة الثائر الذى يرفض ويصطدم مع كل شىء ويرغب فى هدم الكون ثم إعادة بنائه على طريقته إلى مرحلة رجل الدولة المحنك الذى يؤمن بالتدرج والتريث والدقة وصنع التوافق والتعاون والتحالف.

وبعض ذلك حدث مع حماس التى بدأت بميثاق وطريقة جرّت عليها كثيراً من الأهوال والمصاعب، إذ كان يعلن أنها فصيل تابع للإخوان يريد تحرير فلسطين كلها، وأصعب شىء جربته فى حياتى أن تكبل نفسك بأهداف مستحيلة أو أفكار أكبر من طاقتك.

مرت سنوات طوال ضحت فيها غزة بالآلاف من أبنائها ودُمرت عدة مرات حتى وصلت حماس لنقطة النضج والحكمة السياسية التى تبلغها كل الفصائل الوطنية المخلصة فعدلت ميثاقها وألغت ارتباطها بالتنظيم الدولى للإخوان ووصفت نفسها بأنها «فصيل وطنى فلسطينى» وقبلت بحدود ما قبل 5 يونيو 1967 كدولة فلسطينية مأمولة، وتصالحت مع مصر وضبطت حدودها معها، وتصدت لداعش سيناء وقطعت عنها كل عون كان يأتيها من المجموعات التكفيرية الغزاوية، وقبلت بتسليم السلطة فى غزة للسلطة الوطنية الفلسطينية، ونقلت تحالفها من قطر وتركيا إلى مصر حاضنتها الطبيعية، ورغم ذلك جرت فى نهرها بعد ذلك مياه كثيرة، أبرزها ما يلى:

توافق حماس مع مصر تم على غير رغبة قوى إقليمية، منها إسرائيل التى كانت تريد تدمير حماس، وكذلك تركيا وقطر حيث خسرتا ورقة مهمة فى التدخل فى الملف الفلسطينى.

هناك حنق متزايد من دواعش سيناء على حماس وقادتها، خاصة بعد قرار حماس ضبط الحدود مع مصر وعمل منطقة عازلة على الحدود بينها وبين مصر لمسافة 200 متر، وقامت داعش بإعدام أحد قادة حماس علناً وأعلنت حرباً مفتوحة عليها.

يضاف إليه الحنق الإسرائيلى ومتمردو حماس، وكل له أسبابه، ولعل القدوم المفاجئ لهنية وقادة حماس لمصر قد يكون حماية لهم من اغتيال أو تصفية من فريق من هؤلاء الثلاثة.

دشنت بعض القوى الإقليمية، ومنها تركيا وقطر، حركة تمرد حمساوية ضد قيادة هنية ومشروعه التصالحى لإنقاذ حماس وغزة من الانهيار الاقتصادى الكامل، وهذه القيادات يُعتقد أنها كانت وراء إطلاق صواريخ على إسرائيل لإجبارها وحماس على بدء حرب مفتوحة لا تُبقى ولا تذر وتُفشل كل خطوات حماس للمصالحة مع مصر وتسليم القطاع للسلطة الوطنية.

قامت بعض المجموعات الحمساوية المتمردة بمحاولة السيطرة على داعش سيناء، وربطها بمتمردى حماس، وتفخيخ الوضع على الحدود المصرية- الغزاوية، وإعلان حرب على كل من مصر وحماس.

هناك أخبار متفرقة حول محاولة اغتيال فاشلة لإسماعيل هنية، وغياب هنية قد يعنى على الأقل تعطل كل التقدم الذى أحرزته حماس فى ملفات كثيرة، خاصة مع مصر فى ملف الإرهاب.

تشهد منطقة الشرق الأوسط تصعيداً تركياً ضد مصر، منها عدم الاعتراف بترسيم الحدود المصرية مع قبرص، أو الاحتكاك بسفينة شركة «إينى» الإيطالية التى تنقب عن البترول المصرى- القبرصى أو باستقطاب المتمردين الحمساويين ضد هنية والمصالحة، أو بالمشاركة فى عودة مقاتلى داعش والقاعدة من العراق وسوريا إلى ليبيا والنيجر وحدودهما مع تشاد، لتتحول داعش والقاعدة إلى أفريقيا، ومن المعروف تاريخياً أن أول دولة للخوارج كانت فى مثل هذه المناطق فى أفريقيا وكأن الزمان يعيد نفسه.

ويلاحظ فى هذا الشأن أن المناورات البحرية المصرية فى المتوسط أدت إلى اتخاذ تركيا قراراً بسحب وحداتها البحرية من المتوسط حتى لا يحدث اصطدام مسلح بين الأسطولين.

والغريب فى الأمر أن حقول الغاز المصرية قريبة من الحدود الإسرائيلية وقريبة الشبه بها، ولكنها اعترضت وتحرشت بالأولى ولم تتحرش بالثانية، وللأسف الجميع عند إسرائيل «للخلف در».

إسرائيل لا تريد لحماس البقاء ولا المصالحة ولا الانتقال إلى مربع الاعتدال أو السياسة.

* مؤسس الجماعة الاسلامية في مصر

عن المصري اليوم

اخر الأخبار