وماذا بعد خطاب أبومازن أمام مجلس الأمن؟

تابعنا على:   11:04 2018-02-26

لواء. محمد عبدالمقصود

استبق الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى خطابه أمام مجلس الأمن الدولى إعلان الرئيس الأمريكى صفقته لتسوية النزاع الفلسطينى الإسرائيلي، بإعلان مبادرته ورؤيته السياسية لتسوية الصراع على أساس حل الدولتين وفق معايير وخطوط وقرارات الأمم المتحدة والتى سبق للولايات المتحدة أن شاركت ووافقت على صياغتها مثل القرارات 242 و338 و 47 و 478، أو سهلت تمريرها كالقرار 2234، وذلك تطبيقاً لقرارات المجلس المركزى فى دورته رقم 28 المنعقدة برام الله الشهر الماضي، حيث أكد فيها «أبو مازن» إنشاء آلية أممية (متعددة الأطراف)، تتجاوز الاحتكار الأمريكى لرعاية جهود التسوية السياسية، والعمل على عقد مؤتمر دولى منتصف العام الحالى (2018)، مع تبادل الاعتراف بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية على أساس حدود الرابع من 1967، ووقف كل الإجراءات والسياسات الأحادية الجانب خلال فترة المفاوضات، مع وضع سقف زمنى لإنهاء المفاوضات، وأهمية هذه المبادرة أنها جاءت بعد جولات قام بها الرئيس عباس لعدد من القوى الدولية المؤثرة لاستشراف مواقفها من التطور اللاحق لاعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل فى 6 ديسمبر 2017، خاصة بعد إعلان السفير الأمريكى اعتزامه البدء فى إجراءات نقل السفارة للقدس اعتباراً من منتصف شهر مايو المقبل على أن ينتهى من نقلها للقدس بنهاية العام 2019.

بداية هناك مجموعة من الحقائق ينبغى إدراكها وهي:-

- سيطرة حكومة يمينية متطرفة على دوائر صنع القرار فى إسرائيل لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإنما ستعمل على كسب الوقت لاستكمال عملية الضم والتهويد للضفة الغربية، والاستفادة من حالة الانقسام السائدة حالياً على الساحة الفلسطينية لتحقيق الفصل الكامل بين الضفة والقطاع.

- إن فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، تتآكل كل يوم مع واقع الاستيطان الإسرائيلي، ولذلك فإن الفلسطينيين بحاجة إلى تبنى إستراتيجية وطنية بديلة، تركز على تغيير ميزان القوى، بالمقاومة الشعبية الشاملة، وإعطاء الأولوية لبقاء وصمود الشعب الفلسطينى بكل مكوناته على أرض فلسطين.

- اتساع نطاق التأييد الدولى لمطالب الشعب الفلسطيني، بدلالة التصويت فى مجلس الأمن، والجمعية العامة، حيث تضامنت 14 دولة مرتين بما فيهم بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والسويد، فى عملية التصويت ضد صوت واحد هو موقف الولايات المتحدة، والتحول الأوروبى الذى يقترب تدريجياً باتجاه دعم وإسناد المشروع الوطنى الفلسطيني، ويبتعد عن المشروع الإسرائيلي- الأمريكى.

ورغم مغادرة الرئيس الفلسطينى قاعة مجلس الأمن دون انتظار الرد الإسرائيلى كما جاء به مندوب إسرائيل دانى دانون الذى ندد بموقف أبو مازن واعتبره جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل، كما عبرت المندوبة الأمريكية نيك هيلى عن أسفها لأن الرئيس الفلسطينى لم ينتظر سماع ردها على مبادرته، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الفصائل الفلسطينية الرافضة لعملية السلام من محاكمة أبومازن على مبادرته وإصدار الأحكام عليها، دون أن يأخذوا فى إعتبارهم الواقع وتشابكاته العربية والإقليمية والدولية، ليكون موقفها موضوعياً ومنسجماً مع الأهداف الوطنية، وهو ما تستغله إسرائيل لمواصلة ترسيخ الفصل بين الضفة والقطاع وتعميق الانقسام بين القوى والفصائل الفلسطينية، واستكمال تنفيذ سياساتها الرامية لتقويض أركان القضية الفلسطينية (القدس، اللاجئين، الأرض، الحدود)، لاسيما مع تطلع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نيتانياهو للتغطية على التحقيقات الجنائية التى يخضع لها فى القضية 4000 وشبهات الفساد فى شركة «بيزك» وموقع «واللا» الإلكتروني، حيث تشير أغلب التقديرات فى إسرائيل إلى أن نيتانياهو قد يلجأ للتبكير بموعد الانتخابات للكنيست لتجديد ولايته مستغلاً تنامى تأييد الرأى العام للتوجهات اليمينية ومن ثم زيادة شعبية حزبه.

وبالتزامن مع تلك التطورات يأتى اعتراف الدكتور صائب عريقات بحتمية انهيار السلطة الفلسطينية، وبأن الرئيس الفلسطينى هو وزير الدفاع المتطرف أفيجادور ليبرمان، وليس محمود عباس، ليعكس مدى حالة اليأس المسيطرة على الساحة الفلسطينية، فى محاولة لحشد الرأى العام الدولى لمساندة القضية الفلسطينية فى هذه المرحلة التاريخية من أجل بلوغ تسوية سياسية تضمن استقلال فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق عودة اللاجئين على أساس القرار الدولى 194، ومن ثم كان خطاب أبو مازن الذى يؤكد أن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وأركان قيادته متمسكون بخيار التسوية السياسية، مع رهانه على إمكان حدوث تحول فى الموقف الأمريكى لصالح الاقتراب من الموقف الفلسطيني، خاصة أن الإشارات الواردة من تصريح وزارة الخارجية رداً على خطاب الرئيس الفلسطينى حول توسيع قاعدة الرعاية لمفاوضات فلسطينية إسرائيلية محتملة، وتصريحات عضوى الكونجرس الجمهورى ليندسى جراهام والديمقراطى كريستوفر كونز فى عمان أخيراً تعكس عدم التخلى عن حل الدولتين كإطار ومرجعية لعملية السلام، واحتمالية أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. وبالنظر إلى تراجع قدرة النظام العربى على توفير الدعم والمساندة الحقيقية والفعالة للقضية الفلسطينية، فإن طرح الرؤية الفلسطينية على الدول الأعضاء بمجلس الأمن أمر محمود، لكن هذه الخطوة لا يمكن البناء عليها، ولا يمكن أن تحدِث اختراقاً، خاصة أنه لا يوجد تصويت، أو أى مشروع قرار فى جلسة مجلس الأمن، وبالتالى فإن نجاح القيادة الفلسطينية فى التأثير على الرأى العام وتحريك الموقف الدولى لدعم القضية الفلسطينية سيرتبط بمدى توفير عوامل صمود الشعب الفلسطينى على أرضه، والإيمان بضرورة تجاوز الانقسام، وإعطاء الأولوية لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وبناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، فضلاً عن إعادة هيكلة السلطة، ووظائفها، والتزاماتها الأمنية، والاقتصادية، والسياسية، بما يحقق المصالح الحيوية الفلسطينية، مع تبنّى برنامج مقاطعة إسرائيل (BDS) عربياً ودولياً كشكل من أشكال المقاومة، وكأداة لحشد التضامن الدولى لمحاصرة إسرائيل، ومشروعها الاستيطاني.

عن الاهرام

اخر الأخبار