"عبوة رامي الغزية" و"قنبلة أمريكا الغزية"!

تابعنا على:   10:06 2018-03-15

كتب حسن عصفور/ كم هي المصادفات "الغريبة" التي شهدها يوم الثلاثاء 13 مارس 2018، بدأت بـ"تفجير" عبوة في موكب رامي الحمدالله وبرفقته ماجد فرج، أهم مسؤول لجهاز أمني عند الرئيس عباس، خلال سيرهما شمال قطاع غزة لإفتتاح محطة صرف صحي ( ستدخل التاريخ لاحقا)..

وفي ذات اليوم، كان البيت الأبيض يستعد لعقد "لقاء دولي" خاص ببحث الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، دون مشاركة السلطة الفلسطينية، والتي استلمت الدعوة، عبر الوسيط بينها وسلطة الاحتلال عضو مركزية فتح، المرافق الدائم للرئيس عباس في رحلاته الأخيرة، دون ان يذكروا السبب في إختيار حسين الشيخ لينقل تلك الدعوة، وليس ضمن الإطر الرسمية، وكأنها "رسالة سياسية جديدة" عن طبيعة العلاقة القادمة، بين عباس وأمريكا ستكون عبر وسيط اسرائيلي..

تفجير "عبوة رامي" إحتل مساحة إعلامية أوسع كثيرا جدا من "لقاء البيت الأبيض الغزي"، تفجير محلي تمكن أن يزيح أحد أخطر اللقاءات السياسية على مستقبل القضية الفلسطينية، خاصة وأنه معلن المسمى والهدف، وزادت المسألة "قيمة سياسية" بحضور عربي مركزي ودولي موسع..

أن تسرق "عبوة رامي" الضوء السياسي من "قنبلة ترامب"، فهي مسألة تستحق التدقيق، من حيث التوقيت والتزامن، وهل الصدفة وحدها تكفي لجواب على التلازم، بما يعني الإزاحة الإعلامية - السياسية من حدث أخطر الى حدث قد يراه البعض "خطيرا"..

السلطة الفلسطينية، بكل أجهزتها الساسية، الأمنية والإعلامية تعاملت مع "عبوة رامي" كأنها "الحدث الإستراتيجي الأكبر"، فيما مرت مرورا هامشيا جدا، بل وسطحيا - ساذجا عندما تناولت "قنبلة ترامب"..

نعم "عبوة رامي" لها مخاطر وأبعاد واهداف لا يمكن عدم رؤيتها، بل أن بعضها بدأ يطفو سريعا الى السطح، باعتبارها جزءا من معركة الخلافة لما بعد عباس، ومن أجل "حسن النوايا" سنفترض ان سلطات الاحتلال بات لها مصلحة مباشرة في تنفيذ "عبوة رامي" من اجل "صناعة بطل"، ولفرض "خيارها" المستقبلي، كما فرضت يوما عباس رئيسا..

"قنبلة ترامب" فجرت بعضا من مكونات "الصفقة الإقليمية الكبرى" القادمة، ليس في المضمون فحسب، بل في أداة التنفيذ، وبنظرة سريعة على الحضور العربي قبل الدولي، سنعرف أن القوى الأساسية العربية، وخاصة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية شاركت في اللقاء، ولم تقم وزنا لموقف السلطة، التي تركت "وحيدة" تتابع مخرجات عبوة رامي..

أن تحضر مصر، الأردن والعربية السعودية، الى جانب الإمارات، عمان، قطر والبحرين، ليس "حادثا عرضيا" بل رسالة سياسية جدا، أن السلطة الفلسطينية ورئيسها لم يعد له "أثر حقيقي" في القرار العربي، بل أنه لم يعد يملك أي قدرة على "التشويش السياسي" على المسار الأمريكي، وبقراءة مضافة لأسماء الدول غير العربية التي شاركت في اللقاء، سنجد غالبية الدول التي أوحت أجهزة  عباس الإعلامية وكبار مستشاريه (نتمنى مرة وأحدة أن يقولوا كلمة صادقة)، انها ترفض الموقف الأمريكي، فحضرت كندا، فرنسا، ألمانيا، آيرلندا، إيطاليا، اليابان، هولندا، النرويج، السويد، سويسرا، بريطانيا، قبرص، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة، ومكتب مبعوث اللجنة الرباعية الدولية إلى الأراضي الفلسطينية، الى جانب اسرائيل.

القائمة تكشف، ان "الضجيج" لم يعد يسمع في غير مكانه، والأخطر من المشاركة الواسعة هو ما نشر عن "خلاصة" اللقاء والبحث عن كيفية حل "المسألة الإنسانية" في قطاع غزة، بالسلطة او بدونها..

ومن هنا بيت القصيد نبدأ في قراءة "العلاقة بين المصادفات"، رسالة أمريكا قاطعة، البحث عن حل المسألة الإنسانية في القطاع، لإرتباطه بأمن مصر وإسرائيل، وأن السلطة الفلسطينية لم تعد "شرطا واجبا" للتنفيذ، فكيف يمكن ان نقرأ "خلق معركة وطنية كبرى" حول تفجير عبوة خلال مسار رامي وماجد، القادمين فجأة، في حين  تم التعامل مع الخطر الحقيقي على السلطة والمشروع الوطني وكأنه "حدث عابر"، هل يمكن أن يكون ذلك ايضا "صدفة"، برفع مسألة كان يمكن التعامل معها بكل مسؤولية وجدية وبلا رعونة وصبيانية لو أن القضية أريد بها "حق وطني"، لكن السلوك العام يشير الى انها قضية أريد بها "باطل وطني"..

ويبدو أن أركان "السلطة" اصابتهم "نوبة هوس" بحركة الاستنكار العالمية لـ"عبوة رامي"، ويمكن القول أن الغالبية الدولية أدانت التفجير، بما فيها اطراف لا تتذكر فلسطين كثيرا، وإمتلأت وسائل اعلام السلطة بحركة الإدانة والإستنكار لـ"عبوة رامي"، لكنها لم تنشر خبرا سياسيا واحدا من غير أطراف المقاطعة عن "إدانة القنبلة الحقيقية الأمريكية"..

قيادة السلطة، تبحث عن "معارك جانبية" لتغطية عورتها وفشلها في التصدي للمعركة الكبرى، والعزلة التي باتت بها، ولو انها كانت صادقة في رفضها للصفقة الأمريكية، لإتجهت بكل قوة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، كونه السلاح الأهم للرد ولمواجهة الخطر الأكبر، وعندها تصبح كل "تنازلات" شكلية في سبيل الفوز الكبير..

ولكن سلوك أركان السلطة، وفي المقدمة رئيسها محمود عباس هو خلافا لذلك، يبجث كل ما يمكنه تكريس الإنشطار والفرقة الوطنية، بما يؤدي عمليا الى تمرير الصفقة الإقليمية الكبرى، مهما كانت عبارات اللفض..

من يظن أن "الخداع اللغوي" سلاحا جبارا لتغطية "العوار السياسي" فهو جاهل جهول..ومن يعتقد أن "الجعجة الفارغة" تمنح بطولة فهو واهم كبير..

السلوك السياسي العام لأركان السلطة، ومؤسساتها ليس سوى "رصف الطريق" لتنفيذ "صفقة ترامب" ببعديها "الإنساني والسياسي"..هل فات الميعاد لفعل شي ما للتصدي الموحد لها، نظريا بالإمكان ذلك، لكنه يتطلب فعلا عمليا مختلف كليا عما يحدث، وأن تبدأ بقرار وقف جلسة رام الله المقبلة، والدعوة للقاء وطني حقيقي لوضع أسس جديدة للعمل الوطني العام، وليس بحثا عن تنفيذ اتفاقات باتت مملة..

الإنقاذ يبدأ بقرار عباسي..ودونه إنتظار "الكارثة الكبرى"!

ملاحظة: قرار الجيهة الشعبية بعدم المشاركة في "مجلس رام الله" القادم صفعة سياسية مدوية، ستفقد المجلس كثيرا من مصداقيته السياسية والتمثيلية.. ولو لحقت بها "الديمقراطية" وقررت عدم الذهاب فعندها يصبح "مجلس لعبة أتاري"!

تنويه خاص: ملف التسجيلات الخاصة بفساد مؤسسات السلطة، الذي بدأ بنشره "أمد للإعلام" سيتواصل، وسيتم لاحقا نشر التسجيلات الصوتية..بعضها يسخر من الخالد ياسر عرفات..يبدو أن التطاول على الشهيد المؤسس كان جزءا من "صفقة الفساد الأكبر"!

اخر الأخبار