مالك ابن نبي : الطبيب الذي حاول إيقاظ جسد الأمة الميت

تابعنا على:   12:29 2018-03-16

أسامة عشاب

يعتبر مالك ابن نبي (1905-1973 ) من أبرز رواد حركة النهضة العربية والإسلامية، ولد بمدينة قسنطينة بالجزائر ودرس بالمدارس القرآنية وواصل دراسته في المدارس الفرنسية، ومن المسائل التي أرقته في حياته حالة الجمود والتقهقر في العالم العربي والإسلامي وتجلى ذلك في الاستعمار، وهذا ما دفعه سنة 1948 إلى إخراج كتاب إلى الوجود ويتعلق الأمر بكتاب: 《شروط النهضة》 الذي قسمه إلى بابين، الباب الأول يتعلق بالحاضر والتاريخ، والباب الثاني يتعلق بالمستقبل .

1) الحاضر والتاريخ : مشكلة حضارية في الباب الأول من هذا الكتاب، يرى مالك بن نبي أن الزحف الاستعماري على البلاد العربية والإسلامية جاء في سياق تراجع الحضارة العربية الإسلامية، لأن التاريخ ومن عادته لا يلتفت للأمم التي تغط في نوم عميق، وإنما يتركها لأحلامها التي تطربها حينا وتزعجها حينا آخر، إذ ترى في منامها أبطالها الخالدين وقد أدوا رسالاتهم، وتزعجها حينما تدخل صاغرة في سلطة جبار عنيد.

وفي هذا السياق، يرى مالك بن نبي أن الوثنية إذا كانت في نظر الإسلام جاهلية، فإن الجهل في حقيقته وثنية لأنه لا يغرس أفكارا، بل ينصب أصناما، فلم يكن من باب الصدفة المحضة أن تكون الشعوب البدائية وثنية ساذجة، ومن سنن الله في خلقه يقول مالك بن نبي أنه عندما تغرب الفكرة يبزغ الصنم والعكس صحيح أحيانا، فجوهر المسألة هو المشكلة العقلية، إذ نحن لازلنا نسير على رؤوسنا و أرجلنا في الهواء، وبالتالي ينبغي قلب الأوضاع لإيجاد حل لمشكلة نهضتنا وحضارتنا. لقد ظل العالم الإسلامي خارج التاريخ دهرا طويلا كأنه لم يكن له هدف، واستسلم المريض لمرضه، لكن قبيل ميلاد هذا القرن سمع صوتا أيقظه، فعرف صحوة خافتة أطلق عليها النهضة، لكن هذا الصوت -صوت الإصلاح - لم يكن يتحدث عن المرض، بل كان يتحدث عن أعراضه وخاصة أن الأمراض والعلل متعددة .

2 ) المستقبل : إيقاظ الأمة يرتبط بلازمة: الإنسان/التراب/الوقت. في الباب الثاني يرى مالك بن نبي أنه ليس هناك من علاج إلا إحدى هاتين الطريقتين: إما القضاء على المرض، أو إعدام المريض، ولك أن تتأمل يقول مالك بن نبي حين يدخل المريض إلى الصيدلية دون أن يدرك مرضه على وجه التحديد، وهذا شأن العالم الإسلامي، إنه دخل صيدلية الحضارة الغربية طالبا الشفاء، لكن من أي مرض؟ وبأي دواء ؟ إن العالم الإسلامي يتعاطى هنا حبة ضد الجهل، ويأخذ هنا قرصا ضد الاستعمار، وفي مكان قصي يتناول عقارا لكي يشفى من الفقر دون أن نلمح شبح البرء أي أننا لم نجد حضارة، فالمقياس العام في عملية الحضارة هو أن الحضارة هي التي تلد منتجاتها وليس من الواجب أن نشتري منتجات الحضارات الأخرى حتى ننشىء حضارة، وهذا مستحيل كما وكيفا. أولا من ناحية الكيف: يرى مالك بن نبي أنه من المستحيل على أي حضارة أن تبيع روحها وأفكارها وثرواتها الذاتية و أدويتها لحضارة أخرى، فعندما تبيعنا إياها تصبح هيكلا بلا روح وبغير هدف . ثانيا من ناحية الكم: إن شراء منتجات الحضارات الأخرى لن يساهم سوى في تكديسها وجمع ركامها وهذا يحول دون بناء حضارة .

ولكي يحقق العالم الإسلامي حضارة، فلابد من الصيغة التالية: وقت+إنسان+تراب=ناتج الحضارة . وهذه الصيغة تشير إلى أن مشكلة الحضارة تتحدد في ثلاث مشكلات أولية: 1-مشكلة الإنسان 2-مشكلة التراب -3مشكلة الوقت وهذه العناصر الثلاثة، لابد لها من عامل يؤثر في تمازج بعضها، وهذا العامل في نظر مالك بن نبي هو الفكرة الدينية التي رافقت دائما الحضارة خلال التاريخ.إن الفكرة الدينية في نظر مالك بن نبي تشكل المركب الذي يجمع العوامل الثلاثة لبناء حضارة، ولكن كيف يتم ذلك ؟ إن كل حضارة تمر من أطوار محددة: النهضة، الأوج، الأفول. وإذا تناولنا الحضارة الإسلامية، فلابد أن يدخل في أفرادها بالضرورة عاملان وهما: الفكرة الإسلامية، والإنسان المسلم الذي هو السند المحسوس بهذه الفكرة وسندها، فالفكرة الدينية مثلا تخضع الغرائز لعملية شرطية أي تنظمها في علاقة وظيفية مع مقتتضيات الفكرة الدينية، فيتحرر الإنسان جزئيا من قانون الطبيعة، وبذلك يكون أول أطوار الحضارة هو ذاك الذي تروض فيه الغرائز، وتسلك في نظام خاص وتكبح فيه الجماح. بينما الطور الثاني، هو طور العقل، وفيه تشرع الغرائز في التحرر من قيودها، وتفقد الروح نفوذها على الغرائز بالتدريج، وهكذا تتراجع الفكرة الدينية، ثم تدخل الحضارة حالة الأفول.

بعد ذلك، يدخل الإنسان في مرحلة ما بعد الحضارة، والإنسان في هذه المرحلة يختلف تماما عن الإنسان السابق عن الحضارة. وهكذا نجد في ص 113 من الكتاب أن المشكلة التي تحيط بالإنسان تختلف من بيئة إلى أخرى، فلا يمكن مثلا أن نوازن في وقتنا بين رجل أوروبا المستعمر ورجل العالم الإسلامي القابل للاستعمار لأن كل واحد فيهما في طور تاريخي خاص به.

ففي بلجيكا نجد الرجل لا يتمتع بتوازن اقتصادي في حياته نظرا لعدم الملاءمة بين حاجاته والإنتاج الصناعي المسرع، وهنا مشكلة اجتماعية تختلف جذريا عن حالة الركود التي يعرفها العالم الإسلامي، وقد صار من الضروري أن نضع المشكلة أمامنا ونأخذ في اعتبارنا عنصرها الأساسي، ويلزم أن نفهم كيف يؤثر الإنسان في تركيب التاريخ، والملاحظ في القرن 20 أن الفرد يؤثر في المجتمع بثلاثة مؤثرات، أولا بفكره، ثانيا بعمله، وثالثا بماله، وحاصل البحث أن قضية الفرد منوطة بتوجيه ثلاث نواح: 1) توجيه الثقافة 2)توجيه العمل 3)توجيه الرأسمال والتوجيه بصفة عامة هو قوة في الأساس وتتوافق مع سير ووحدة الهدف، وتجنب الإسراف في الجهد والوقت .

اخر الأخبار