عقد المجلس الوطني الفلسطيني

تابعنا على:   13:21 2018-03-22

حمادة فراعنة

- الحلقة الثانية -

ألقى قرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بعقد المجلس الوطني الفلسطيني يوم 30 نيسان 2018 برام الله بدون مشاركة حماس والجهاد ، ثقله ، وخلّف حالة جدل ، وأعاد الإنقسام السياسي إلى مربعه الأول ، ودلالة على ذلك توجه حماس لعقد مؤتمر إنقاذ سياسي تنظيمي في غزة أو في القاهرة إذا سمحت ، مما يدفع بإتجاه تكريس الإنقسام وتعميقه وإمتداد أذاه إلى أكثر وأوسع مما هو قائم ، في مواجهة قيادة منظمة التحرير وسلطتها الوطنية التي لا تملك ما يمكن أن تتباهى به في مواجهة دعوة ترامب ورؤيته الإسرائيلية المتطرفة الفاقعة ، وتتحمل مسؤولية الإحباطات لفشل مسار المفاوضات وخيارها .
صحيح أن الوضع الدولي يسير إيجابياً بإتجاه الأنحياز التراكمي لصالح فلسطين ضد التحالف الإسرائيلي الأميركي ، على الرغم من ضعف الإمكانات الفلسطينية وتواضعها ، فقد هزمت فلسطين المستعمرة الإسرائيلية ومعها واشنطن ، في جلستي التصويت لمجلس الأمن في شهر كانون أول 2017 ، 14 دولة ضد الولايات المتحدة بما فيها دول أوروبية وازنة : بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والسويد ومعهم اليابان ، وكذلك لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة 128 دولة ضد 9 فقط ، إضافة إلى نتائج إجتماعات وزراء الخارجية العرب في القاهرة ، والقمة الإسلامية في إسطنبول ، والإتحاد البرلماني العربي في الرباط ، عاكسة التفهم وتطور الموقف الدولي لعدالة الموقف الفلسطيني وشرعية مطالبه وتوجهاته .
ولكن الإنجازات السياسية الفلسطينية التي تحققت على الساحات الدولية ، لم تعكس تأثيرها الإيجابي على تحسين حياة الشعب الفلسطيني داخل وطنه ، وتقييم البنك الدولي كان موضوعياً في تقريره المقدم إلى إجتماع واشنطن يوم 13/3 وبروكسل يوم 20/ أذار / 2018 رغم قسوته في قراءة المشهد السياسي والإقتصادي والإجتماعي الفلسطيني وإستخلاصاته حيث تناول الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة ، كما أن الإنجازات السياسية على المستوى الدولي لم تعكس نفسها على ردع المستعمرة الإسرائيلية عن مواصلة برنامجها التوسعي العدواني ، كما لم تدفع معطيات الواقع القيادة الفلسطينية نحو التخلص من الحديث النظري عن ضرورة الوحدة الوطنية ، بعد أن تحققت المصالحة في شهر تشرين أول 2017 ، والإنتقال بها نحو الخطوة التالية الضرورية وهي الأكثر أهمية والمتمثلة بتحقيق الشراكة الفعلية بين طرفي الإنقسام فتح وحماس ، ولهذا بقيت الجبهة الداخلية مهزوزة ضعيفة ، لم تستطع زحزحة الإحتلال عن برامجه التوسعية الإستعمارية الإستيطانية ، بل واصل تطرفه وعدوانيته مستفيداً من المظلة الأميركية التي وفرها فريق الرئيس ترامب ، والتي حالت دون تمرير قرار مجلس الأمن حول القدس يوم 22/1/2018 ، عكس ما حصل في قرار مجلس الأمن 2234 الصادر يوم 23/12/2016 ، بإمتناع الولايات المتحدة عن التصويت ، بقرار من قبل الرئيس الأميركي السابق أوباما .
مطالبة عقد المجلس الوطني مُلحة ، وقد كانت كذلك طوال العشرين سنة الماضية في غياب إنعقاده ، وهذا لا يعني ولا يُبرر عدم إنعقاده ، بل يتحمل صاحب القرار مسؤولية التهرب من إنعقاده ، وكان السبب الجوهري في عهد الرئيس الراحل أبو عمار ودوافعه تكمن في عدم التصويت الرسمي على التعديلات التي كانت مطلوبة منه على الميثاق الوطني ، ولم يكن يقبل بهذه التعديلات ، لأن مسار التسوية لم تكن مقبولة لديه بعد إغتيال إسحق رابين وفشل شمعون بيرس ، وتعليق الإنسحاب من مدينة الخليل ، ومجيء نتنياهو وسيطرته على مقاليد القرار الإسرائيلي الرافض والمعادي لأية تسوية واقعية ، ولا أصفها أنها عادلة ، للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، ولهذا لم يكن أبو عمار متحمساً لعقد المجلس الوطني ، حتى يتحاشى دفع إستحقاقات تغيير الميثاق الوطني .
ومنذ 2005 ، وتولي الرئيس محمود عباس مقاليد القرار الفلسطيني وسيطرته المنفردة على مؤسسات صنع القرار وتجميد بعضها والتلكؤ المتعمد في مواصلة عملها ، لم يكن يضع في أولوياته تحسين مستوى الأداء الداخلي في الحفاظ على الوحدة الوطنية ، فقد كانت أخر إهتماماته ، وكان رهانه الأول يعتمد على تحقيق إنجازات سياسية وكسر حدة المواجهة مع العدو الإسرائيلي ، ومحاولة كسب الموقف الأميركي أو على الأقل عدم التصادم معاه ، وقد حققت سياسته حالة من الحضور الإيجابي للقضية الفلسطينية على المستوى الدولي ، مجسدة بسلسلة القرارات التي تمت سواء في اليونسكو أو مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو غيرها من المواقع ، ولكن ذلك لم ينعكس على حياة الفلسطينيين في التخلص من الإحتلال أو زحزحة وجوده وسطوته وتوسعه وإستيطانه وتمزيق الضفة الفلسطينية ، أو منع إجراءات تهويد القدس وأسرلة الغور ، وإنهاء حصار غزة .
هذا من جانب ، ومن جانب أخر لقد ترافق تولي الرئيس محمود عباس الرئاسة ، مع الإنقلاب والإنقسام الذي تواصل لأكثر من عشر سنوات ولايزال ، مما يدلل على فشل حركة فتح من إنهاء الإنقلاب وتداعياته والتخلص من الإنقسام وأثاره ، ولذلك يمكن الإستخلاص أن حركة حماس تتحمل مسؤولية جموحها التنظيمي السياسي بإتجاه التفرد وعدم الشراكة ، وإدارتها الأحادية لقطاع غزة ، مقابل تحمل حركة فتح مسؤولية تفردها في إدارة منظمة التحرير وسلطتها الوطنية ولاتزال ، وكلا الفصيلين والتنظيمين وصل لطريق مسدود ، في قطاع غزة وفي الضفة الفلسطينية ، مما يستوجب إعادة النظر من كليهما نحو سياستهما المنفردة الأحادية ، بعد أن وفرت للعدو الإسرائيلي فرص إستغلال الإنقسام والضعف الفلسطيني ، لتحقيق أغراضه في التوسع والإستيطان والتهويد والأسرلة للأراضي الفلسطينية المحتلة وفرض الحصار على غزة وتجويع أهلها وإفقارهم .
إنجازات الشعب الفلسطيني الملموسة في مواجهة العدو المتفوق تحققت بفعل التضحيات وكافة أشكال الكفاح ، فإذا كانت محطات التفاوض في كامب ديفيد وأنابوليس وواشنطن ، قد أخفقت ، فقد حققت محطات النضال الجماهيري الكفاحي الفلسطيني وسجلت إنتصارات تراكمية للشعب المناضل ضد عدوه الوطني والقومي والديني : المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، فقد سجلت الإنتفاضة الأولى عام 1987 ، والإنتفاضة الثانية عام 2000 ، والثالثة في تموز 2017 لدى الحرم القدسي الشريف ، والرابعة لدى كنيسة القيامة شباط 2018 ، سجلاً حافلاً ، وتراجعاً مرغماً للإحتلال أمام بسالة المقاومين وصلابتهم وقوة إيمانهم بعدالة قضيتهم وشرعية مطالبهم ، وأثبتت أن النضال هو القادر على لجم الإحتلال وإفشال برامجه ومخططاته وطريق وأداة هزيمته .
وحصيلة ذلك أن العمل الكفاحي المصحوب بوحدة المناضلين على الأرض وخلف متاريس المواجهة الميدانية والسياسية هو أداة الإنتصار ، تلك هي الإستخلاصات المطلوب أن يتوقف أمامها أصحاب القرار وأن يتعلموا ويتواضعوا أمام تجارب شعبهم ، وليس أمام الأخرين ، فالشعب هو المعلم وهو القائد ودافع الثمن وهو صاحب المستقبل وصانعه .

اخر الأخبار