فشل "صفقة ترامب"..أين وكيف؟!

تابعنا على:   11:24 2018-03-25

كتب حسن عصفور/ منذ الإعلان المفاجئ للرئيس الأمريكي في 6 ديسمبر 2017، اعترافه المفاجئ والمخالف لكل السياسيات السابقة، بالقدس عاصمة لدولة الكيان الإسرائيلي، وحالة من "التخبط" تتحكم في مسار المشهد العام، فلسطينيا وعربيا، وسيطرت حالة من "التوتر السياسي" على عناصر العمل دون أي تحديد يذكر..

ورغم "الغضب العربي" العام و"الضجيج الفلسطيني" غير المنسق، والمرتكز اساسا الى غياب الفعل وحضور "الكلام"، فلم يقف الأمر عند ذلك الإعلان، بل سارع ترامب بتحديد موعد زمني لنقل السفارة، وفي موعد يجسد رمزا لـ"النكبة الفلسطينية" 14/ 15 مايو، عندما قامت اسرائيل بإغتصاب غالبية الأرض الفلسطينية بمساعدة من القوة المستعمرة البريطانية..وتخاذل عربي!

قرار ترامب، بموعد نقل السفارة، جاء استباقا لما أعلنه نائبه في الكنسيت الإسرائيلي، وقبله وزير الخارجية المطرود تيلرسون، بأن ذلك لن يتم قبل عام 2019، لكن ضعف رد الفعل، وغياب القوة الشعبية الفلسطينية لرفض الإعلان، وإستبدالها بـ"حركات مسرحية"، سارع بقرار النقل الأمريكي..

وبالتوازي مع الإعتراف ونقل السفارة، أخذت الأوساط السياسية كافة، الإشارة الى قيام الإدارة المريكية الاستعداد لتقديم "صفقة إقليمية كبرى" للتسوية والحل السياسي، وصل الأمر الى تحديد موعدها في شهر مارس 2018، وتعددت التسريبات الإعلامية حول مضمون تلك "الصفة"، التي طاب للبعض وصفها بغباء بـ"صفقة القرن".

منذ فتح باب الحديث عن تلك الصفقة، لم يتم نشر مضمونها، بل ولم يتطوع أي كان بالإشارة الى أنه يعلم نصيها، وكلل ما نشر كان ما "سمع" او إستمع" عنها، ولذا لا يوجد أي مضمون موحد لتلك "الصفقة الأمريكية"، لكن الثابت الذي تم الإتفاق عليه، هو ان الصفقة ليس للتفاوض ولكنها للتنفيذ..ما يعني عمليا أن العمل سيبدا دون أخذ الأذن من احد، سوى دولة الكيان!

ولاحقا، قامت وسائل اعلام عبرية بتسريب عن "تأجيل" عرض الصفقة الى وقت آخر، بعضها اشار الى عام وآخر الى عامين وثالث الى أجل غير مسمى، بل أن البعض أعلن أنها لن تقدم ابدا، وتم سحبها من طاولة البحث..

يمكن تفهم، لماذا قامت وسائل الاعلام العبرية، بالحديث عن تأجيل "الصفقة الأمريكية"، فذلك عامل مساعد جدا لهم، كي يتم تنفيذ الصفقة وسط حالة "تخدير سياسي" للفلسطينيين وبعض العرب، ويذهبون الى نصب ساحات الفرح بتحقيق "نصر مبين" على الإدارة الأمريكية ورئيسها ترامب "الله يخرب بيته"..

وبعيدا، عن مضمون الصفقة وفقا للتسريبات، وهل حقا تم تأجيلها أو شطبها، فتلك ليست المسألة، لكن هل حقا حدث ذلك، فلنتوقف أمام بعض التطورات السياسية العملية..

من بين ما تم الإشارة اليه في تلك الصفقة، كان الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة من تل أبيب اليها، وهذا حدث تم تنفيذه، مع ما سيكون من آثار سياسية نتاج ذلك القرار وتنفيذه، والذي صاحبه تصريح ترامبي، ان القدس باتت خارج المفاوضات، رغم محاولة غرينبلات "تعديل الكلام"، بأن الحدود النهائية لها سيكون قابل للتفاوض..

الجانب الأخطر، الذي اشارت له "تسريبات صفقة ترامب" العمل على منح قطاع غزة حالة سياسية كيانية، فيما تبقى الضفة الغربية بكلها تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، مترافقة مع مفهوم جديد لـ"إعادة الانتشار" من مناطق (أ، ب) لتصبح تحت سيطرة السلطة المدنية والشرطية، وأمن محدود ولكنه تحت السيطرة الإسرائيلية..

تفاصيل كثيرة تم تناولها، ولا ضرورة لإعادة نشرها، لكن الأهم، أن المؤشرات كلها تشير بأن العمل التنفيذي لخلق واقع جديد في قطاع غزة بدأ، وشواهده متعدة الأشكال، أبرزها "لقاء البيت الأبيض" لبحث الوضع في قطاع غزة، وما تبعه من تصريحات تؤكد جميعها على ضرورة العمل لـ"إنقاذ غزة" من كارثة إنسانية، دون ان يؤثر غياب السلطة الفلسطينية عن ذلك اللقاء..

وبعد اللقاء الأمريكي، بدأت حركة "سياسية" متناسقة من اطراف عدة، بالتركيز على الوضع الإنساني في قطاع غزة، دون التفاف لتهديدات الرئيس محمود عباس لفرض عقوبات مالية واقتصادية على القطاع، وجاءت كصفعة له ولنواياه..وصل الأمر بالحديث عن أن العمل سيتم بعباس أو بدونه!

الحركة نحو القطاع، جانب تنفيذي من الصفقة الأمريكية، ولا يوجد ما يعرقلها من اي طرف فلسطيني، رغم كل البيانات والتصريحات "الزائفة"، بل العكس، فالسلوك الفلسطيني الرسمي هو أهم عنصر عملي مساند لتنفيذ "الشق الغزي" في المبادرة الأمريكية..وتصريحات عباس وقيادات فتحاوية والاصرار على عقد مجلس رام الله، كلها شواهد معززة!

لكن المهزلة السياسية، هو ان يخرج البعض الغائب عن "الوعي" ليعلن "فشل صفقة ترامب" بسبب رفض الرئيس عباس لها..اي سذاجة يمكن ان تكون اكثر من هذا الكلام..هل حقا تراجع ترامب عن الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان أو أوقف نقل سفارته، وهل نقل "المأساة الإنسانية" التي يعيشها قطاع غزة الى أن تصبح أهم قضية فلسطينية على جدول الحركة الدولية، يمثل فشلا للصفقة..

وهل تعزيز السيطرة الأمنية - القانونية لسلطات الإحتلال في الضفة والقدس يمثل "فشلا" ..

نعم هناك فشل واضح، ولكنه في الجانب الفلسطيني، الذي بات عاجزا عن أي تأثير على مسار الأحداث، حيث تتعمق حالة الفصل - الإنقسام العام في المشهد، وغياب أي فعل حقيقي يمكن أن يجبر أمريكا على إعادة التفكير بقرارها وسلوكها..

وتكمتل هزالة البعض عندما يصر على تجاهل أي مواجهة مع سلطات الاحتلال ويخلق "حالة تعايش"، مقابل فتح مواجهات وطنية وطنية..

الفشل الحقيقي ليس لصفقة ترامب، بل لفرقة "الجعجعة السياسية"، التي لم تعد بذي صلة لمسار الأحداث الوطنية، وغرقت في كيفية تحصين مصالحها الخاصة بكل ما يمكنها من وسائل تحصين..!

ملاحظة: نشر القناة القطرية "فيديو تفصيلي" لمجموعة  شباب فلسطيني يعبرون السياج بين القطاع والكيان، دون اي اعتبار أمني يفتح السؤال، هل النشر جاء خدمة لأمن المحتل أم لأمن حماس..وكيف لها تصوير مثل هذا الشريط!

تنويه خاص: أول تسريبات "مجلس رام الله" الحديث عن الإطاحة برئيس المجلس الوطني "أبو الأديب"..أكيد مش تجديد شباب لأنه أصغر عمرا من عباس..يبدو انه الخلاص من آخر بقايا مؤسسي فتح..مبروك للفئة الضالة!

اخر الأخبار