الجزء الثاني.. الدلالة الاستراتيجية لمسيرة العودة الكبرى

تابعنا على:   11:42 2018-04-03

أحمد عيسى

أمد/ غزة: ومن الناحية الفلسطينية تتجلى أهمية مسيرة العودة الكبرى في مُسماها، وتنظيمها وحجم وتنوع المشاركة الشعبية فيها، والأهم في حالة الوحدة الوطنية التي تجلت تحت راية فلسطين دون غيرها، الامر الذي لا يخلو من دلالة، وفوق ذلك كله فقد تجلت اهمية هذه المسيرة في السياق الذي ضبط ايقاعها لا سيما السياق  المحلي الفلسطيني.

ومن حيث التسمية والمسمى تكمن اهمية المسيرة في غاياتها ومقاصدها وفقاً لنص القاعدة الفقهية القائلة "تقاس الأمور بمقاصدها".

وعند هذا الحد لا يخفى على احد من الفلسطينيين ان العودة الجماعية المنظمة سلماً ودون سلاح للوطن الذي هُجروا منه جبراً قبل سبعين عاماً من الآن، هي غاية ومقصد هذه المسيرة حصراً وليس مقاصد أخرى قد تسمح حالة الانقسام المتواصلة منذ اكثر من عشر سنوات للبعض بالسعي الى تحقيقها في غفلة من الكل.

 وفي هذا الشأن يدرك اصغر الفلسطينيين سناً ان الفلسطينيين المقصودين بهذا النداء هم كل الفلسطينيون في كل اماكن تواجدهم، لا سيما الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل، وليس جزءاً منه مهما كبر حجم هذا الجزء.

كما ويدرك اصغر الفلسطينيون سناً انه من غير المشاركة الكاملة والفاعلة لكل مكونات الشعب الفلسطيني في كل الساحات بقدهم وقديدهم تصبح فرص نجاح وانتصار الشعب الفلسطيني في هذه المعركة الحاسمة ضئيلة ان لم تكن معدومة.

والأهم من ذلك يتحول جهد هذا الجزء من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الذي جرى التعبير عنه يوم الجمعة الموافق 30/3/2018، جهداً في غير مكانه وتوقيته الصحيحين، وتصبح تضحيتهم باهظة الكلفة بلا ثمن مقابل، الامر الذي يجعل مما حدث يوم الجمعة العظيمة قتلاً للفكرة واسقاطاً لها من قائمة وسائل الشعب الفلسطيني الاستراتيجية لأجيال وأجيال قادمة، بدل ان تكون عاملاً ملهماً ومحفزاً وجامعاً لهم في نضالاتهم .

وفي هذا الشأن تجدر الاشارة الى ان القائمين على مسيرة العودة الكبرى لم يكونوا اول من طرح الفكرة من الفلسطينيين اذ سبقهم في ذلك الكثير، ولكنهم بلا شك هم اول من انتقل من مربع التفكير الى مربع العمل والتنفيذ الميداني، وتاسيساً على كونهم اول من يقرع الخزان يتوجب على كل من قُدر عليهم خوض غمار هذا الجهد، العمل على تجاوز كل المحاذير المشار الي بعضها اعلاه، وما قد يتفرع عنها من محاذير اخرى، اي وبكلمات اخرى اضافة الحكمة الى  ما عبروا عنه من جرأة وشجاعة، الامر الذي يتطلب العمل على توفير كل اسبباب وممكنات النصر.

وفي هذا السياق ترى هذه المقالة ان ممكنات النصر ربما تكمن في توفير اجابات لأسئلة اربعة، اول هذه الاسئلة هو: من هم جيش العودة من الشعب الفلسطيني؟ ومن هم طليعة هذا الجيش من الفلسطينيين؟ ومن هم قيادة هذه الطليعة ؟ وحيث أعلنت في غزة الهيئة التنسيقية العليا التي راعت في تكوينها كل الفعاليات وفصائل العمل الوطني والاسلامي كقيادة لهذه الطليعة في غزة، فمن هي مرجعيتها الوطنية؟ هل هي منظمة التحرير الفلسطينية؟ واذا كان الامر كذلك ولا يمكن ان يكون الا كذلك، فكيف يمكن لهذا الكم من الدماء توحيد الشعب الفلسطيني ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطنية كإطار واحد جامع للشعب الفلسطيني؟ وذلك تأسيساً على قاعدة ان "ادنى الحقوق الوطنية الفلسطينية تحتاج الى اقوى وأمتن درجات الوحدة الوطنية"، فما بالك وأن الحديث يدور هنا عن غاية بوزن عودة كبرى للوطن.

 وثاني هذه الاسئلة هو: ماهي البيئة الاستراتيجية (المحلية والاقليمية والدولية) التي يخوض فيها الفلسطينيون صراعهم من أجل مستقبلهم، ويعدون صفوفهم من اجل عودتهم؟ اما ثالث هذه الاسئلة فهو: ما هو تعريف النصر في هذا الصراع من اجل المستقبل؟ وهل نسعى لنصر مروم بالضربة القاضية؟ ام نسعى اليه بتسجيل ومراكمة النقاط؟ اذ تفيد قواعد علوم الادارة الاستراتيجية في هذا المجال ان الفشل والنجاح (النصر والهزيمة) يتساويان اذا ما عُرف اسباب كل منهما.

 ورابع هذه الاسئلة ماهي الافعال وادوات الفعل المحرزة للنصر؟ وذلك تأسيساً على قاعدة مفادها ان كيفية الفعل مرتبطة بهدف الفعل ويقينا بمقاصده، والكيفية والاهداف هما نتاج لطبيعة من يفعل قبل حقيقة قدراته.

اما من حيث السياق الذي حكم مسيرة العودة فتجدر الاشارة الى ان المسيرة قد بدأت في ذروة تحولين اثنين لا زالا يتفاعلان في المشهد الفلسطيني، حيث تمثل التحول الاول في انتقال مركز ثقل القرار الفلسطيني من خارج فلسطين الى داخلها لا سيما للضفة الغربية وقطاع غزة، الامر الذي تمثل في نتائج مؤتمر حركة فتح السابع الذي انعقد في نهاية العام 2016، بمدينة رام الله، حيث فاز ممثلين من داخل الوطن لا سيما من الضفة الغربية بالعدد الاكبر من اعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري.

كما تمثل بنتائج الانتخابات الداخلية لحركة حماس التي انتهت في نهاية ايار العام 2017، اذ اسفرت هذه الانتخابات عن نقل رئاسة المكتب السياسي للحركة من العاصمة القطرية الدوحة، لمخيم الشاطئ في مدينة غزة.

وقد تمثل التحول الثاني في وصول مسيرة التسوية السياسية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي الى نقطة اللاعودة كما وصفها كبير المفاوضين الفلسطينيين مؤخراً، الامر الذي يفرض على الفلسطينيين البحث عن بدائل واستراتيجيات تضمن وصولهم لغاياتهم ومقاصدهم.

وفي هذا الشأن ترى هذه المقالة انه من الضروري الاشارة الى ان الفلسطينيين لم يثبثوا على استراتيجية واحدة منذ بداية مسيرتهم النضالية المعاصرة التي نشأت في اعقاب تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1964، وانطلاق فصائل الثورة الفلسطينية المسلحة في العام 1965، سواء من حيث الاهداف، ام من حيث الوسائل والاساليب.

فمن حيث الاهداف والغايات فقد انتقلوا من استراتيجية التحرير الشامل لكل الوطن الى استراتيجية الدولة الديمقراطية التي يعيش فيها الفلسطينيون واليهود معا، ثم ما لبثوا ان انتقلوا الى الحل المرحلي الذي يقضي باقامة سلطة وطنية مقاتلة على اي جزء يتم تحريره، واخيرا انخرطوا في مفاوضات سلمية سمحت بانشاء سلطة حكم ذاتي محدود على اجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة على امل ان تتحول هذه السلطة الى دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران العام 1967 تاسيساً على مبدأ حل الدولتين.

اما من حيث الوسائل والأساليب فقد تنقل الفلسطينيون ما بين الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية، الامر الذي جعل من  قدر الفلسطينيين خارج فلسطين قيادة الشعب الفلسطيني في تلك المرحلة، الى المفاوضات السياسية التي سمحت باقامة السلطة الفلسطينية على اجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، اذ قاد الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة مزيج من الداخل والخارج.

وعلى الرغم من الانجازات التي حققها الفلسطينيون والتي لا يمكن تجاهلها او انكارها عبر الكفاح المسلح او المفاوضات السياسية، الا ان الحقيقة التي لا يمكن المحاججة ضدها هي لا الكفاح المسلح حرر فلسطين، ولا المفاوضات السياسية جعلت من الدولة الفلسطينية المستقلة كما يريدها الشعب الفلسطيني حقيقة واقعة على الارض.  

ويرى البعض من الفلسطينيين في هذا السياق ان استراتيجية التدويل لن تضع الدولة الفلسطينية المستقلة خلف الابواب، الامر الذي يعيد الصراع الى مربعاته الاولى، وفي القلب من هذه المربعات احتمالات انزلاق الصراع الى مربع الدولة الواحدة، وحينئذ يصبح الشعب الفلسطيني في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطين العام 1948 في سلة واحدة في مواجهة عنصرية الاحتلال، وعندئذ يصبح لزاماً على الفلسطينيين مواجهة عنصرية الدولة بقيادة واحدة وبرنامج واحد.

وفي نهاية المطاف تؤكد هذه المقالة ان مسيرة العودة الكبرى ربما تكون التطور الاستراتيجي الأبرز الذي يحدثه الفلسطينيون منذ عقود، رغم ان السمة الثابثة التي ميزت النضال الوطني الفلسطيني على مدى العقود السبعة الماضية تمثلت في ايلاء الفلسطينيون قدر ضئيل من التخطيط الاستراتيجي فيما تبنوا من اهداف ووسائل، الامر الذي لا ترجوه هذه المقالة لمسيرة العودة الكبرى املاً وعملاً.

 

 

اخر الأخبار