"المصالحة".. مع مَن؟

تابعنا على:   13:24 2018-04-07

د. محمود خليل

من جديد يقفز حديث المصالحة مع «الإخوان» على سطح الأحداث فى مصر. كتبت لك ذات مرة أننا بصدد «مصالحة مستحيلة» على الأقل فى ظل الظروف والأجواء الحالية. فالطرفان الأساسيان فيها أديا خلال السنوات الخمس الماضية، بصورة لم تترك خط رجعة لأى تفاهم بينهما. «الإخوان» سعت بكل السبل إلى الانتقام من النظام، والنظام وظّف كل أدواته فى تأديب الإخوان والقضاء عليهم قضاء مبرماً. يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «إن المنبّت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى». السؤال الذى نحاول الإجابة عنه ها هنا هو: هل الشعب يهتم بأمر المصالحة مع الإخوان؟.

تقديرى أن الشعب اهتم فيما سبق بمسألة «المصالحة مع الإخوان»، وكان لديه مواقف محددة إزاءه. جمهرة المصريين كانت ترفض أى نوع من التصالح مع الإخوان، وكان هذا الاتجاه يظهر من حين إلى آخر كلما تسربت معلومات من هنا أو هناك حول وجود سعايات للصلح. هذا الاهتمام بدأ فى التلاشى شيئاً فشيئاً، ارتبط ذلك فى البداية بالاختفاء التدريجى للإخوان من الشارع بسبب المواجهات الأمنية ومحاصرة مظاهراتهم المحدودة فى القرى والنجوع وبعض الشوارع الصغيرة بالمدن. اختفاء الإخوان من الشارع جعل المواطن يفقد تركيزه معهم، ويوجه بوصلة تفكيره إلى السلطة. تركيز المواطن مع السلطة أخذ فى المجمل العام شكلاً اقتصادياً. فمنذ ما يقرب من عامين ولا همّ لدى المواطن سوى مطاردة الأسعار ومحاولة حل مشكلاته مع الغلاء، ولا سؤال لديه غير سؤال: هل يمكن أن ترفع الحكومة أسعار بعض السلع من جديد؟ وكيف سأدير معيشتى إذا حدث؟. الهمّ الاقتصادى أصبح يصرف المواطن صرفاً جميلاً عن التفكير فى أمر المصالحة بين النظام والإخوان. فكما أكل الغلاء دخل المواطن أكل تركيزه فى هذا الموضوع، إلى حد يمكن معه القول إن موضوع المصالحة يصح أن يدخل حيز اهتمام المواطن من جديد إذا ظهر له علاقة فى محاصرة الغلاء وتحسين أحواله المعيشية.

لم يلتفت أغلب المواطنين العاديين إلى حديث «المصالحة مع الإخوان» الذى راج إعلامياً قبل بضعة أيام. وأجد أن حديث البعض عن أن الشعب هو وحده الطرف القادر على إبرام هذه المصالحة من عدمها مضحك بعض الشىء. فالشعب يعلم قبل غيره أنه لا يتمتع بتأثير كبير فى صناعة القرار، وأنه لا يُدعى إلا فى الهمّ (فى الهم مدعيين وفى الفرح منسيين). وهو يستوعب أيضاً أن حديث المصالحة أمسى حديثاً نخبوياً تتداوله ألسنة معينة تعبر به عن رغباتها أو رغبات غيرها، ويفهم أن هذه الألسنة مستفيدة بطريقة أو بأخرى من السعى فى اتجاه المصالحة (الفارق بين مفردتى المصالحة والمصالح تاء مربوطة فقط). الشعب مرهق اقتصادياً، وهذا الإرهاق يصرفه عن التركيز فى الجدل الدائر حول هذا الموضوع. الإرهاق الاقتصادى ولّد لدى المصريين نوعاً من «الزعل»، عمّق من إحساس الناس به الظروف السياسية التى تعيشها البلاد. واقع الحال يقول إن الشعب هو «الزعلان»، وهو اللى محتاج «يتصالح».

عن الوطن المصرية

اخر الأخبار