الثري والعائلة والدين في "السفارة"

تابعنا على:   14:08 2018-05-17

د.أحمد جميل عزم

تتخيل أنّ الرئيس الأميركي، قد يحضر افتتاح سفارة بلاده في القدس ويتولى عملية الإعلان عن هذه الخطة، ولكن الحقيقة أن ابنته وزوجها من فعلا ذلك، في مشهد يذكر بالمسلسلات التلفزيونية الدرامية، عن الحروب الصليبية قبل نحو ألف عام، عندما كان الأمراء وزوجاتهم يديرون السياسة. ثم تنظر في الصف الأول للحضور، فتجد ثريا يمتلك عشرات مليارات الدولارات، هو شيلدون أديلسون، ومعه زوجته مريم، دون أن يكون له أي صفة رسمية.
في الوقت ذاته، كان رجال الدين اليهود والإنجيلية، موجودين. وتحديداً كان هناك، جون هاجي، مؤسس حركة "مسيحيون متحدون لأجل إسرائيل"، واللافت أنّ هاجي، قال إنّ القدس ستبقى العاصمة الأبدية لليهود، ولم يتحدث عن تحول التاريخي من اليهودية للمسيحية، التي يمثلها؟ وهاجي قال في مقابلات صحافية مؤخراً أنه تحدث لدونالد ترامب شخصياً عن نقل السفارة. وتحدث معه رجل دين آخر، إنجيلي، هو روبرت جيفرس. ووصفت شبكة CNN، الرجلين، بأنهما "خلافيان" وجيفرس تحديداً معروف بخطابه العدائي، ضد من يخالفه المذهب الديني، من مورمون، وكاثوليك، وهندوس، ويصف الإسلام بأنه "دين شرير"، وأن المسلمين يعبدون إلهًا آخر، غير ما يعبده الإنجيليون واليهود. وكما توضح الشبكة، فإنّ هاجي أيضاً، لديه آراء خلافية للغاية، من نوع تصريح مُسجّل، يعود للتسعينيات، وتسرب العام 2008، أنّ المذابح النازية التي قام بها الرئيس الألماني الأسبق، أدولف هتلر، في الحرب العالمية الثانية، هي إرادة إلهية لتدفع اليهود "لأجل العودة إلى إسرائيل". وكلا الشخصين يحاولان لعب دور فاعل في الحملات الانتخابية.  
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فربما لم يجد ضرورة للتركيز على لغة "أصحاب السفارة" ولغة إعلامهم الذي ينقل الحدث عبر التلفزة، فاستخدم العبرية مراراً، بل واستخدم اللفظ العبري لأسماء مسؤولين أميركيين، في إشارة ليهوديتهم. 
كان احتفال السفارة نوعاً فريداً من إعلان الانتصار. وليس انتصارا إسرائيليا على العرب، أو انتصار حزب سياسي على آخر، أو رأي ضد آخر، أو حتى الغرب ضد الشرق، بل كان انتصار الطائفة، والعائلة، والمال، على القانون، والمؤسسة؛ على "الدولة" بما تمثله من أفكار، وقوانين، وقواعد، ومؤسسات، وما تعنيه من ميزان دقيق لمصالح هذه الدولة وشعبها.
لقد تحالف رجال دين تكفيريون بامتياز لكل من يخالفهم (حتى من أصحاب الدين ذاته)، مع رجال أعمال مثل أديلسون صاحب كازينوهات القمار العملاقة، الذي يسخر أمواله للتلاعب في السياسة لأهداف إيديولوجية، ولسن قوانين تزيد أمواله، من مثل قوانين الضرائب الأخيرة في الولايات المتحدة، مع حالات التزاوج الغامضة كزواج ابنة دونالد ترامب، إيفانكا، وتحولها من المسيحية إلى اليهودية، بعد زواجها من اليهودي الصهيوني، جارد كوشنر، الملياردير الذي سجن والده بتهم التهرب الضريبي. 
الفكرة الصهيونية، بحد ذاتها تخالف فكرة الدولة الحديثة، التي تحترم فكرة المواطنة، لكل مواطنيها، بغض النظر عن دينهم، فحالة "إسرائيل" الوحيدة في العالم التي تجعل الدين أساس المواطنة، بل إنّ "للمؤمنين" في هذه الدولة حقوقا أكثر، وواجبات أقل، مما على سائر المواطنين، من يهود وغير يهود، وكل هذه أفكار كانت موجودة في العصور السابقة. ولكن ما حدث في حفل السفارة، مختلف، وخطوة نوعية جديدة، في العودة للخلف.
حتى الآن كان يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية تعيش صراعا مهما بين الدولة العميقة والمؤسسات، من جهة، والرئيس من جهة ثانية. أي بين المؤسسات وترامب، فالمؤسسات راكمت إرثا من التقاليد والمصالح والمواقف التي تحافظ على مسار الدولة وتعيق أي رئيس يقوم بتغييرات درامية، لا تتفق مع المسار العام للدولة، ومع مصالحها. ولكن اتضح الآن أنّ القوة الحقيقية، على الأقل في سياسات الشرق الأوسط، ليست هذه المؤسسات وليس الرئيس، بل تحالف عائلي- مالي- طائفي، مع دور خاص جداً فيه لبنيامين نتنياهو.
هذا التحالف يشعل فتيل العنان لأفكار نظرية المؤامرة، وتخيل القوى الخفية التي تتحكم بالسياسة، وبالتالي أيضاً، وخصوصاً مع المذابح على حدود قطاع غزة، فإنّ الأصولية والتطرف حول العالم سيكسبان زخماً مدمراً، إلا إذا تصدى العالم لهذه المجموعة التي تسللت إلى البيت الأبيض.

عن الغد الأردنية

اخر الأخبار