هل حسمت القيادة الرسمية موقفها للخروج من نفق أوسلو؟

تابعنا على:   14:38 2018-05-27

معتصم حمادة

■ من تداعيات «صفقة القرن» وقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل، أن المجلسين المركزي (15/1/2018) والوطني (30/4/2018) وضعا الحالة الفلسطينية أمام صيغة سياسية جديدة، يمكن أن نطلق عليها: استراتيجية الخروج من نفق أوسلو، واستعادة البرنامج الوطني، خياراً بديلاً، وفقاً لاستراتيجية كفاحية في الميدان (الانتفاضة والمقاومة الشعبية) وفي المحافل الدولية (الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية وغيرها).
ولما كانت قرارات المجلسين ملزمة، كما ورد نصاً في البيان الختامي للمجلس الوطني، لمؤسسات م.ت.ف، ولجنتها التنفيذية، والسلطة الفلسطينية وحكومتها، فإن الانتقال من خيار أوسلو، إلى استراتيجية الخروج من أوسلو، تتطلب خطوات تراكمية، بات على مجموع الهيئات والمؤسسات المعنية، في مقدمها القيادة الرسمية، إلتزامها والقيام بها، وتنفيذها بالتتالي، بما يخلق حالة تراكمية تنقل الوضع الفلسطيني من المرحلة الماضية إلى مراحله اللاحقة. من هذه الخطوات:
فك الإربتاط بأوسلو
• سحب الاعتراف بإسرائيل. وهذه خطوة سياسية أعلن عنها المجلس الوطني وكلف اللجنة التنفيذية القيام بها. وهي خطوة تحتاج إلى إصدار بيان رسمي بتوقيع رئيس اللجنة التنفيذية (الاعتراف بإسرائيل تم في 9/9/1993 أيضاً بتوقيع رئيس اللجنة التنفيذية، آنذاك، ياسر عرفات)، حتى الآن لم توقع القيادة الرسمية هذا الإعلان، ما يعني، عملياً أن اتفاق أوسلو، مازال يرتكز، في السياسة، إلى بند الاعتراف بإسرائيل، وهو مازال قائماً، خلافاً لما أعلنه المجلس الوطني حين جاء في بيانه أن الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل «لم تعد قائمة».
• وقف التنسيق الأمني، وهو أخطر مرتكزات تطبيق اتفاق أوسلو. بحيث تحولت السلطة الفلسطينية، باعتراف أركانها، إلى وكيل للاحتلال. «وقف التنسيق الأمني بكل أشكاله وقفاً تاماً» هو نص قرار المجلس الوطني، لم يتم تطبيقه حتى الآن، بل لم تقدم حكومة السلطة وأجهزتها الأمنية خطة إلى اللجنة التنفيذية توضح آليات تطبيق هذا القرار، وتعيد تحديد العلاقة «الأمنية» مع سلطات الاحتلال.
• فك الارتباط بالاقتصاد الاسرائيلي، والتحرر من قيوده، لصالح تنمية اقتصاد وطني، بالتعاون بين السلطة والقطاع الخاص، كما ورد في بيان المجلس الوطني، ويستبدل، بخطوات تراكمية، المواد والبضائع الاسرائيلية بأخرى محلية وعربية و مستوردة، آخذين بالاعتبار القيد الذي يشكله على السلطة الفلسطينية والحالة العامة، إمساك الجانب الاسرائيلي بالمعابر، وحركة الاستيراد والتصدير، الأمر الذي يفترض امتلاك خطة متكاملة، قد تقود إلى اشتباك سياسي وقانوني وميداني مع الاحتلال، بما في ذلك تعميم المبدأ الملزم بمقاطعة المنتجات الاسرائيلية، وحل مشكلة العمال الفلسطينيين في المستوطنات الاسرائيلية، وتقديم حلول مدروسة لوقف التداول بالشيكل الاسرائيلي. وهذه كلها معركة واحدة، في محاور متعددة، لا يمكن خوضها بنجاح، إلا إذا توفر القرار السياسي الواضح والصريح، بفك الارتباط بأوسلو. كذلك لا يمكن خوضها بنجاح، إلا إذا كانت محوراً من محاور استراتيجية الخروج من نفق أوسلو، والانتقال إلى البرنامج الوطني، أي الخروج من وهم بناء الدولة تحت الاحتلال، إلى واقع الانتقال نحو مواقع حركة التحرر الوطني، بكل ما يعنيه هذا الانتقال من تكيفات وإعادة النظر بالعديد من آليات اتخاذ القرار وآليات العمل على تنفيذه.
ربطاً بما سبق، وبمدى اقتراب القيادة الرسمية من هذه القرارات والالتزام بتطبيقها، ننتقل إلى موقفها «النهائي» من «صفقة القرن»، واستئناف المفاوضات.

الموقف «النهائي» من صفقة القرن
صحيح أن القيادة الرسمية رفضت «صفقة القرن»، واعتبرتها «صفعة» موجهة ضدها. وصحيح أن القيادة الرسمية تعهدت برد «الصفعة» إلى إدارة ترامب. وصحيح أن القيادة الرسمية صنفت الإدارة الأميركية الحالية بأنها لم تعد وسيطاً نزيهاً لإدارة العملية التفاوضية، لكن الصحيح أيضاً أن القيادة الرسمية طرحت بديلاً لهذا كله في اقتراحات غامضة دعت فيها الى مؤتمر دولي، كمؤتمري أنابوليس وباريس الفاشلين، وإلى رعاية «دولية متعددة الأطراف» بديلاً للرعاية الأميركية المنفردة، واقترحت مثالاً لذلك صيغة (5+1) التي أدارت مفاوضات الملف النووي مع طهران. ولم تقف هذه الأفكار عند حدود الاقتراحات المرسلة في تصريحات أو بيانات، بل جرى تقديمها ببيان رسمي الى مجلس الأمن الدولي، تلاه رئيس اللجنة التنفيذية باسم م.ت.ف، ودولة فلسطين في 20/2/2018، عاد فيه الى مفاوضات «قضايا الحل الدائم»، كما نص عليها اتفاق اوسلو. وحتى لا تتوه التفسيرات بين هنا وهناك، علينا أن نلاحظ أن النص الذي تلاه الرئيس عباس أمام المجلس أتى على ذكر اتفاق أوسلو حرفياً، وهو النص نفسه الذي أعاد تلاوته في ختام كلمته أمام المجلس الوطني، في 30/4/2018، داعياً المجلس الى اعتماده استراتيجية سياسية للمرحلة القادمة. وهنا، يكون الموقف الرسمي الفلسطيني قد افترق عن قرار فك الارتباط بأوسلو، وعاد ليتمسك بما نسميه «بقايا أوسلو»، مدركين أنه يقوم بذلك نزولاً عند «نصائح» أوروبية وضغوط عربية خليجية وغيرها، تدعوه للتمسك وعدم القطع مع أوسلو، وعدم القطع مع الولايات المتحدة، لأنها الطرف الدولي الوحيد الذي بإمكانه أن «يضغط» على إسرائيل لإعادتها الى طاولة المفاوضات، ولأن أوسلو، هو الأساس الوحيد الذي يمكن أن يقنع إسرائيل بالعودة الى المفاوضات، وأن إسقاط الإتفاق من شأنه أن يقضي على احتمالات العودة الى «مفاوضات قضايا الحل الدائم». كذلك من نصائح أوروبا، والدول العربية، أن «صفقة العصر»، لا يمكن أن تشق طريقها الا اذا قدمت للجانب الفلسطيني ما يبرر له العودة الى المفاوضات. وكثيرون يهمسون في آذان القيادة الرسمية أن «صفقة القرن» سوف تقدم لها ما يمكن أن يرضيها وأن يوفر لها أساس العودة الى المفاوضات. وبالتالي لا داعي للإسراع. أما صيغة الإشراف على المفاوضات فيمكن التوافق بشأنها، عملاً باقتراحات الرئيس عباس، كأن تكون الرباعية الدولية، مضافاً لها بعض الأطراف العربية، هي المشرف، دون اسقاط الدور المركزي والمميز للولايات المتحدة، باعتبارها هي صاحبة «مشروع الحل» المسمى «صفقة القرن»، والهادف الى حل قضايا الشرق الأوسط كافة وصولاً الى «حل اقليمي شامل».
فشل صيغة (5+1)
غير أن من سوء حظ القيادة الرسمية مع خياراتها الضيقة والفاشلة، أن نموذج «الحل النووي الإيراني» أفشلته إدارة ترامب، بحيث أكدت موقفها منه، على غرار موقف رابين من اتفاق أوسلو، «لا نصوص ولا مواعيد مقدسة لتطبيق النصوص». وكما لحست إسرائيل توقيعها على آليات تطبيق أوسلو، فامتدت مرحلته الانتقالية من ثلاث سنوات الى ربع قرن، ها هو ترامب يلحس توقيع سلفه أوباما على الاتفاق النووي الايراني.
لكن ثمة فارق كثيراً بين ايران وبين القيادة الرسمية والحالة الفلسطينية. إيران دولة قوية، بتعداد سكانها وجيشها، واقتصادها، وتحالفاتها، وامتداد علاقاتها الدولية والاقليمية، وبيدها أوراق قوة عديدة تشهرها في وجه الولايات المتحدة، بما في ذلك ورقة تقاطع المصالح الاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي. وبالتالي تستطيع طهران أن تدير معركة الاتفاق النووي في مواجهة الولايات المتحدة عالمياً. أما الجانب الفلسطيني، فليس لدى شعبه سوى عنصر الاستعداد للصمود والتضحية. ولعلَ إطالة أمد المرحلة الانتقالية لاتفاق أوسلو، من ثلاث سنوات، إلى ربع قرن من الزمان، وتجاوز سلطات الاحتلال الكثير من عناصر الاتفاق، وفرض تفسيراتها ومعاييرها لتطبيقاته، وإمساكها بأوراق القوة الميدانية المتفوقة، كالإمساك بالمعابر، والمياه، والأجواء، والعملة المتداولة، وآليات تطبيق المقاصة وغيرها، فضلاً عن القوة العسكرية الطاغية، كلها عناصر، توضح إلى أي مدى يرتفع منسوب الكوارث التي يمكن أن تلحق بالحالة الفلسطينية إذا ما دخلت القيادة الرسمية مغامرة جديدة على غرار مغامرتها البائسة في اتفاق أوسلو. لذلك لا تشكل ضمانة لمفاوضات تكفل الحقوق الوطنية المشروعة، إلا صيغة دولية تقودها وتشرف عليها الأمم المتحدة ومجلس أمنها، وبموجب قراراتها ذات الصلة، وبسقف زمني محدد وبقرارات ملزمة للأطراف كلها، ترتقي إلى مستوى قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، المتعلقة بملف القضية الفلسطينية، بالتواصل مع قرارات الجمعية العامة ذات الصلة بالانتداب البريطاني، والتي تعتبر ملزمة، مثلها مثل قرارات مجلس الأمن الدولي.
إذن، مقياس رئيس من شأنه أن يحدد مسار القيادة الرسمية الفلسطينية ومدى إلتزامها قرارات المجلس الوطني، واستراتيجية الخروج من أوسلو، هو موقفها من «صفقة القرن» عندما سيتم الإعلان عنها. هل ستبقى على رفضها لها، إلى أن تعود الولايات المتحدة عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتعيد سفارتها إلى تل أبيب؟ هل ستبقى على موقعها الرافض للرعاية الأميركية المنفردة؟ هل ستذهب إلى صيغة «متعددة الأطراف»، على غرار صيغة الملف النووي الإيراني، التي انسحبت منها الولايات المتحدة وأخلت بها، ودعت بدلاً منها إلى مفاوضات جديدة، تعتقد أن بإمكانها، ومن خلالها، أن تفرض شروطها وشروط حكومة نتنياهو على طهران، بما في ذلك المس بقدراتها الدفاعية والصاروخية؟ نسوق هذه الأسئلة، نظراً لوجود تقاطع ما بين مشروع 20/2/2018 الذي قدمه الرئيس عباس إلى مجلس الأمن الدولي، وبين ما يتم الكشف عنه من عناصر تتضمنها «صفقة العصر».
الإشتباك السياسي دولياً
في السياق نفسه، يصبح مطروحاً على بساط البحث، السؤال التالي: إلى أي مدى سوف تواصل القيادة الرسمية تحركها السياسي بموجب قرارات المجلس الوطني؟
• هي استدعت السفير الفلسطيني في واشنطن، ومازال في رام الله «يواصل مشاوراته»، ولم يتم الإعلان، حتى الآن، فيما إذا كان هذا الاستدعاء هو سحب نهائي للسفير إلى أن تعود إدارة ترامب عن قرارها بشأن القدس، أم إنه استدعاء تكتيكي، يبقى باب المناورة مفتوحاً على مصراعيه؟
• وهي قررت التوقيع على الانتساب إلى ثلاث وكالات متخصصة من وكالات الأمم المتحدة. دون أن يكون واضحاً، هل ستستمر في الانتساب إلى باقي الوكالات، حتى ولو هددت الولايات المتحدة بالانسحاب منها ومقاطعتها، واللجوء في الوقت نفسه إلى قطع المساعدات التمويلية عن السلطة الفلسطينية، وأجهزتها. أم أن الخطوة الأخيرة تندرج في إطار سياسة الباب «الموارب»، المفتوح والمغلق في آن؟
• وهي قررت نقل قضية الاستيطان إلى محكمة الجنايات الدولية. وهذه خطوة أخرى إلى الأمام . لكن المفارقة أن السلطة نقلت إلى المحكمة ملف الاستيطان (على أهميته القصوى) ولم تتقدم حتى الآن بالشكاوى ضد جرائم الحرب كما يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني قادة الكيان الإسرائيلي وأجهزته العسكرية والأمنية. وقد صدر عن نبيل شعث، مستشار الرئيس عباس تصريح قال فيه إن السلطة بصدد «تجميع المعلومات» عن المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في جرائم الحرب ضد الفلسطينيين. التصريح على أهميته، لا يخلو من الطرافة، لأنه يعني أن الأجهزة السياسية والأمنية الفلسطينية لم تكن سابقاً في وارد إنجاز هذه المهمة، رغم أن المجلس المركزي الفلسطيني قرر إحالة هذه الجرائم إلى المحكمة في دورته في 5/3/2015. ولا ندري ما هي مهمات الأجهزة والإدارات في السلطة الفلسطينية إن لم يكن من أهم مهماتها أن تمتلك خارطة المسؤوليات الإسرائيلية، بالمواقع والأسماء، المعنية بالشأن الفلسطيني المباشر. كما أنه لم يعد مفهوماً تلك التصريحات التي صدرت عشرات المرات، تؤكد للرأي العام الفلسطيني أن السلطة باتت جاهزة وهي بصدد تحويل ملفات جرائم الحرب الإسرائيلية إلى محكمة الجنايات الدولية.
كل هذا من شأنه أن يعيدنا إلى السؤال الأول:
هل إن القيادة الرسمية جادة فعلاً في الإلتزام بقرارات المجلس الوطني الفلسطيني، بما في ذلك العمل على تنفيذ آليات استراتيجية الخروج من اتفاق أوسلو، لصالح البرنامج الوطني الفلسطيني، بكل ما تحمله هذه الاستراتيجية من استحقاقات داخلية، على مستوى إعادة صياغة المؤسسة الوطنية وآليات وأسس عملها، أو على المستوى السياسي، إن في العلاقات مع الجانب الإسرائيلي، أو الأوضاع الإقليمية والدولية، أو على المستوى الاقتصادي بكل ما يتطلبه ذلك من إعادة النظر بالتوجهات الاقتصادية المتوافقة مع شروط صندوق النقد الدولي وشروط الجهات المانحة، من دول ومؤسسات دولية.
لا يمكن الجزم بالمسألة دفعة واحدة، بل هي مسألة تراكمية، لكنها يجب أن تستند بالضرورة إلى أسس. ويلاحظ، حتى الآن، أن هذه الأسس مازالت معنية.
• هناك بطء شديد في إقلاع محرك عمل اللجنة التنفيذية الجديدة. فهي حتى الآن لم تعقد إجتماعها العملي الأول، لتتوزع المهام وتضع خطط العمل لدوائرها المختلفة، ولترسم رؤيتها لتطبيق قرارات المجلس الوطني.
• كذلك لم تتشكل اللجنة المشتركة بين اللجنة التنفيذية ورئاسة المجلس الوطني لمتابعة قرارات المجلس وتطبيقها، بما في ذلك تشكيل اللجان البرلمانية للمجلس.
• كذلك لم توضع على النار مسألة تشكيل إدارة الصندوق القومي، الذي مازال تحت السيطرة المنفرة للقيادة الرسمية وهيمنتها.
• أما المجلس المركزي، المتوجب عليه أن يرسم مع اللجنة التنفيذية الاستراتيجية السياسية للمرحلة القادمة، فلم يتحدد موعد اجتماعه بعد.
• كذلك لم تقدم اللجنة المعنية بقطاع غزة ورفع الإجراءات عنه خطتها المطلوبة لمعالجة تدهور الوضع الاجتماعي فيه وإعادة الرواتب والحقوق المالية لأصحابها والموازنات التشغيلية للمؤسسات والإدارات.
كلها تراكمات تدفعنا، كما تدفع العديد من المراقبين، إلى النظر بقلق شديد لتفكك الأوضاع الفلسطينية، في الوقت الذي تواصل فيه الإدارة الاميركية تحضير ملفاتها بشأن المسألة الفلسطينية، والمنطقة ككل، وتواصل فيه حكومة إسرائيل مشاريعها الاستيطانية والتهويدية.
أما السلطة الفلسطينية. أما اللجنة التنفيذية. أما القيادة الرسمية. فكلها غارقة حتى الآذنين في سياسة إنتظارية، على أمل أن يحمل الأفق إشارة أميركية ما، تفتح ثغرة، تتسلل منها القيادة الرسمية مرة أخرى إلى الارغاء في بقايا أوسلو.■
رابط صورة الكاتب ، التحميل هنا m5zn.com

اخر الأخبار