د.السلقان: استحقاق ما قبل التفكير بمن سيخلف الرئيس عباس

تابعنا على:   02:05 2018-06-10

أمد/ رام الله - كتب  د. جمال السلقان: أرجو أن لا يكون صحيحا التقدير، بأن القادم من الأيام يحمل مخاطر من الجلل بمكان، بحيث تهدد مكانة وحضور القضية الفلسطينية على نحو غير مسبوق منذ ولادة هذه القضية، وخصوصا في ظل حالة الانهيار العربي المحيط، واستفراد أنظمة الخليج في المنطقة وغياب أي حالة عربية منافسة سواء على المستوى

الرسمي أو الشعبي.

نحن في أزمة فعلا، والخطر يكمن في الظهور بمظهر نبدو فيه أننا شعب بلا مؤسسات قادرة على تداول السلطة أو حتى القول أنها فعلا تمثل الشعب على نحو مقنع.

هذه دراسة ورأي، بهدف استدعاء جميع المهتمين بالشأن العام، وقليلون هم بالطبع الذين لا يهتمون، وبهدف التنادي إلى منطقة اتفاق على خطورة الحال، ليتبع ذلك تفكيرا جماعيا واجتهادا من الجميع لاستدراك الحال قبل وقوع الكارثة.

أما بعد،

سنصحو في يوم من الأيام على حالة من الفراغ السياسي، يكون فيها رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس السلطة، والقائد العام لأكبر القوى الفلسطينية، وجميع هذه الصفات تجتمع في شخص واحد، وهو شخص الرئيس أبو مازن، سنصحو وقد غاب الرجل، لكننا سوف نكون مرتبكين إزاء إبلاغ العالم بمن يمثلنا وبمن يقود قضيتنا العادلة! ربما سنكون أكثر من مرتبكين.

الارتباك مصدره أن رئيس السلطة ما كان ليصبح كذلك إلا من خلال انتخابه عبر انتخابات عامة، وفي حالة غيابه، يحدد القانون الأساسي طريقة اختيار خليفته في مرحلة انتقالية لمدة شهرين، وهو رئيس المجلس التشريعي، ويصار خلال الفترة التي أقصاها شهران إلى انتخابات عامة لمنصب رئيس السلطة. هكذا فقط لا غير، دون أن يحتمل الأمر أي اجتهاد بحكم قطعية النص في القانون الأساسي. أما احتمال قيام حماس بالإعلان عن تنصيب رئيس المجلس التشريعي أو نائبه رئيساً للسلطة (استناداً لأحكام القانون الأساسي) فسيضيف تعقيداً آخر للمشهد المعقد أصلاً.

في ظل الوضع اﻹنقسامي الحالي لن تقبل فتح برئيس المجلس التشريعي رئيسا انتقاليا، ولن يكون هناك انتخابات عامة لمنصب الرئيس إذاً! ترى من سيخلف الرئيس إذاً، وبأي شرعية؟ إن أي آلية لتحديد من هو الرئيس ستكون محل خلاف واسع، حتى الانتخابات المقتصرة على الضفة دون غزة ستكون كارثة سياسية، وسيكون الرئيس المنتخب رئيسا للضفة فقط !.

إن هذا المأزق سينتج صورة قوامها أن الشعب الفلسطيني لا يملك مؤسسات ولا كيانا سياسيا جديرا باعتباره كأي شعب يسكن هذه المعمورة. وللأسف، عادة ما يطيح هذا الإنطباع بالقضية التي يحملها هذا الشعب، عن هذه الخطورة أتحدث!

بالطبع، سيضاف للمشهد خلافات داخلية حادة، وستكون داخل الحركة الأكبر، التي عقدت مؤتمرها السابع في نوفمبر الماضي على عجالة، ولم ينجح هذا المؤتمر في إعداد الحركة للأخطار التي نتحدث عنها، فقد شهد هذا الأخير مخالفات نظامية وشهد استبعاداً للنوعية الأهم في تاريخ الحركة وتاريخ النضال الوطني من تشكيلات الحركة وحتى استبعادهم من حضور المؤتمر، وقد فعل هذا الأمر فعله في تراجع مكانة الحركة وهيبتها التاريخية وأهليتها على الإجماع على قيادة تاريخية تقود الدفة، أو حتى افراز قيادة جديدة تحظى بقبول قواعد الحركة. هذا ناهيك عن أزمة منظمة التحرير وتكلس مؤسساتها التي شهدت تراجعا في الاهتمام والحضور دون أي إدراك لأهميتها، وقد تضائل هذا الحضور لصالح مؤسسات السلطة التي أصبحت في الواجهة.

سيكون أي انطباع بعدم جدارتنا وجدارة مؤسساتنا مدعاة للتدخل الدولي والاقليمي، وسيدعم الفرقاء الاقليميون والدوليون أناسا لطالما استثمروا بهم، وستطول قصتنا وتتعقد. وهل هناك ما هو أسوأ من هذا؟ سيكون الكيان ممتنا لما يجري وسيطيل بكل ما استطاع إليه سبيلا حالنا الممزق، لأنه لن يجد مناسبة أفضل من هذه لحسم الصراع بالصورة التي يريدها، سيكون خطابه للعالم أن الفلسطينيين ليس لهم من يمثلهم ولا يتمتعون بأي وضع قانوني يتيح لهم المشاركة بأي عملية سياسية في المنطقة. أما العرب، فيبدو أن قيادتهم الجديدة التي يديرها أولياء عهد السعودية والإمارات بالتشارك مع لغز القاهرة المستعصي على الفهم، فجاهزون للذهاب بعيداً في علاقاتهم السياسية والعسكرية والاستخباراتية والاقتصادية مع الكيان ومن البديهي أن يكونوا سعداء لما يحل بالشعب الفلسطيني للمضي قدماً في فرض التطبيع على المنطقة العربية.

أرجو أن أكون مخطئا في قراءتي هذه، لكن وبكل الأحوال ارجو ان ينطلق نقاش واعٍ ومسؤول في أوساط شعبنا صاحب القضية الأول. ولنقل هذا النقاش إلى آفاق عملية سأبدأ بطرح الحلول  من الزاوية التي تستلهم العلم في إدارة الشؤون العامة، وتحديدا علم إدارة المخاطر، لعل في ذلك فرصة لإضافة قيمة على الحال العام ولئلا تتعطل قدرة أصحاب الشأن (نحن الفلسطينيون) على تحقيق الأهداف العامة التي وضعناها لأنفسنا، هذا بأمل أن تلاقي آذانا صاغية وتطلق نقاشا مسؤولا حول هذا الأمر المعقد.

لنبدأ بأوراقنا (المبعثرة كما هو واضح )، وبالإتفاق على أن الاستمرار بالوضع الحالي هو منبع الخطر؛ ما يميز الوضع الحالي هو وجود أكثر من حالة/صفة قانونية للجسم التمثيلي الفلسطيني (منظمة تحرير- كحركة تحرر وطني؛ وسلطة – كجسم يجسد وسائل الإدارة الذاتية ومتفق عليه مع كيان الاحتلال؛ ودولة تحت الإحتلال بوضع مراقب بالأمم المتحدة)، وبقاء الحال هذا لا يخلو من انكشاف استراتيجي لجميع المخاطر التي تتولد من كل حالة/صفة، وليس من قبيل الغرابة أن تكون الحالة القانونية التي تمثلها السلطة التي تشكلت عام 1994 في أعقاب اتفاقية إعلان المبادىء (أوسلو) هي الأخطر، ويضاف أن رئاسة السلطة أصبحت العقدة التي تهدد بالفراغ السياسي بحكم تركيزها في شخص (وهو نفسه رئيس المنظمة ورئيس فتح) لم يمتلك لقب "رئيس" إلا لأنه رئيساً للسلطة وبحكم كون الأخيرة أصبحت في صدارة الخبر السياسي اليومي وأضحت عنواناً سياسياً مدعوماً من المجتمع الدولي ويحظى بدعم اسرائيلي، هذا ناهيك عن وجود مؤسسات عمل لهذه السلطة على الأرض تغطي مجالات حياتية وخدمية وهي بازدياد دائم، فقد أصبحت السلطة تحل محل منظمة التحرير شيئا فشيئاً، وهكذا أصبح المجلس التشريعي يغطي على المجلس الوطني، ووزارة المالية تغطي على وتحجِّم دور االصندوق القومي الفلسطيني، ووزارة الشؤون الخارجية تحل محل الدائرة السياسية لمنظمة التحرير، وأجهزة الأمن حلت محل جيش التحرير...الخ.، ذلك كله جعل من سلطة الحكم الذاتي مركزاً للثقل في علاقة الزواج المعقدة بين أضلاع المثلث آنف الذكر (السلطة والمنظمة وفتح).

في الواقع، فإن لعبة النفوذ والسيطرة على القرار، التي أتقنها الرئيس الراحل ياسر عرفات، وأتقنها خلفه الرئيس عباس على نحو أكثر دهاءً، قد ارخت بظلالها على تكبير حجم السلطة وتصغير لحجم المنظمة والحركة الأكبر على الساحة الفلسطينية؛ فقد عمد كل منهما لاستعمال ورقة السلطة ومقدراتها (المال وقوى الأمن والشرعية الدولية والاقليمية) في سبيل تقوية نفوذهما لدى كل من المنظمة وحركة فتح، وفقدت الأخيرتين حضورهما المستقل، بل أصبح لزاما على رجالات المنظمة والحركة تبوؤ مركز هام في أجهزة ووزارات السلطة لمجرد الحفاظ على المكانة الاجتماعية أو السياسية لهم. أليس من المثير أن يكون معظم، إن لم يكن جميع، من قفزوا لمراكز قيادية في الحركة في المؤتمرين الأخيرين للحركة (السادس في بيت لحم والسابع في المقاطعة!) هم بالأصل مسؤولون إما أمنيون أو وزراء بالسلطة؟ لقد مضى الآن ربع قرن على هذه اللعبة التي ما انفكت تفعل فعلها وأهم نتائجها كان وما يزال هو تكريس أهمية مركز رئيس السلطة الذي لو تبوأه شخص مختلف عن رئيس المنظمة أو عن رئيس حركة فتح لفقد كل من الأخيرين الكثير من أهميتهما!

أما فتح، فقد أصبحت حزب السلطة، وقد عجنت السلطة بعجينتها ولونها في البداية، ثم أخذت تتكيف شيئا فشيئا، الى ان تلونت بلون السلطة، وقد دُمج مال الحركة بمال السلطة، وأصبحت السلطة المصدر الرئيسي لمال الحركة ومصدر لدفع رواتب أعضائها، إلى أن أصبحت الصورة أن من الصعب رؤية فتح بلا سلطة أو رؤية السلطة بلا فتح، وهذه العلاقة جعلت منها تابعاً للسطة حتى ولو نظر اليها الناظرون على أنها هي التي تقوط السلطة، لأن برنامجها بأكمله أصبح عصياً على التنفيذ من خارج أطر السلطة، بل ويفترض بقائها كحزب للسلطة؛ وأكثر من ذلك، فإن وسيلة التجنيد الوحيدة – أو تكاد تكون الوحيدة – التي تتوفر لديها  هي قدرتها على تشغيل الناس في أجهزة السلطة ومؤسسات السلطة أو جعلهم يعيشون بطريقة أو بأخرى إما مستفيدين من أو معتمدين على وجودها.

إن هذا كله يعني فيما يعنيه، أن مصير السلطة وفتح أصبحا مصيراً واحداً، تعمد بزواج كاثوليكي لا انفصام له، وقد حمل ذلك في طياته أن فتح ليس بوسعها الإفلات من تحمل مسؤولية إخفاقات السلطة بما في ذلك وصول السلطة للطريق المسدود ولكن المعضل، وهو طريق لا تستطيع فيه استئناف المسير، ومن الصعب عليها التراجع عنه.

المقصود من هذا السرد أعلاه القول ان حالة الفراغ السياسي التي تلوح في الأفق في حالة غياب رئيس السلطة، والذي سيشكل غيابه تهديداً كبيراً لكل من فتح ومنظمة التحرير، هي حالة تحمل من المخاطر ما يهدد الجسمين اللذين سيبديان حساسية بالغة إزاء ما يكتنف السلطة من غموض ومخاطر، حساسية لدرجة الوصول لمفترق طرق صعب وبالغ التعقيد، وتبدو فيه كثير من السيناريوهات مرعبة.

يعتقد البعض، وخصوصاً في فتح، أن بإمكان المجلس الوطني أو المركزي ملء الفراغ المتحصل من غياب الرئيس، معتقدين ان السلطة هي الجسم الأصغر من الجسم الأم (منظمة التحرير)، وأن الأخيرة تملك صلاحيات تعيين رئيس للسلطة كون السلطة قد تم تشكيلها بقرار من منظمة التحرير.

سيكون هذا الاعتقاد صحيحاً لو كان قرار إقامة السلطة قراراً فلسطينياً محضا، لكن الولاية القانونية للسلطة وقرار إنشائها قد تما بناء على اتفاقية إعلان المبادىء في أوسلو التي دُعِّمت فيما بعد بقرارات دولية، وأن قرار إنشاء هذه السلطة من قبل مؤسسات منظمة التحرير إنما جاء عطفاً على حالة قانونية قد سبق تحديدها في الاتفاقية المذكورة، بمعنى أن القرار الفلسطيني لم يكن مُنشِئاً لأي وضع قانوني متعلق بالسلطة، وإنما كان إجراءً شكلياً من طرف يمثل الشعب الفلسطيني أخذ يوفي باستحقاقات اتفاقية كان قد وقعها فأخذ يقوم بالإجراءات التي تتطلبها بنود الاتفاقية التي نصت على قيام السلطة في مناطق في الضفة وغزة.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن القانون الأساسي الذي تعمل بموجبه السلطة، قد حدد آلية الخلافة عندما نص القانون صراحة على أن الخلافةهي لرئيس المجلس التشريعي لمدة شهرين يجري خلالها انتخابات عامة لمنصب رئيس السلطة، وحيث أن هذا النص كان قد طبق في مناسبة سابقة بعد رحيل رئيس السلطة الأول، وحيث أن من حل محله هو رئيس المجلس التشريعي في ذلك الوقت لفترة شهرين، وليس شخصاً معيناً من قبل المجلس الوطني أو المركزي،  وقد تم ذلك دون اجتهادات أخرى، فإنه لهذه الأسباب جميعها لن يكون خيار التعيين مقنعاً، وسيضيف للمشهد الخلافي خلافاً آخر ..

ما العمل إذاً؟

في العادة، وعندما يواجه الناس خطراً ما، فإنهم يسعون لمواجهة الخطر عبر عدة وسائل تتناسب مع حجم ومصدر الخطر ومدى الأثر الذي يحدثه، دون أي إساءة تقدير للبيئة التي يتطور فيها الخطر.

بعض الوسائل المعالجة تقوم بالتأثير في احتمال حدوث الخطر عبر معرفة أسبابه، عندما يكون هذا الأسلوب ممكناً؛ وبعضها يحاول التأثير في نتائج الخطر إذا كان وقوعه أمر لا بد منه؛ وأحياناً، نقوم بمشاركة الأخطار أو ترحيلها لطرف آخر يتسم بقدرة أكبر على معالجة الخطر؛ أو نقوم بتجنب المخاطر عبر تحوطات مختلفة حسب الحالة.

في حالة رئاسة السلطة ( وهي العقدة، لأن رئاسة منظمة التحرير لا يوجد بها إشكال قانوني في حالة شغورها، وكذلك رئاسة فتح، ويمكن النظر لكليهما على أنها شواغر "حزبية" داخلية)، فإن الحل وفق هذه النظرية هو في تغيير الصفة القانونية للرئيس الحالي، بحيث يتم تحييد صفة "رئيس السلطة" منبع المشكل الأساس؛ هو الآن رئيس م.ت.ف ورئيس السلطة، وسيصبح وفق هذا الرأي رئيساً ل م.ت.ف ورئيساً للحكومة المؤقتة Provisional Government لدولة فلسطين العربية التي نص على إنشائها قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947.

سيكون من المفهوم سياسياً وقانونياً، أن الحكومة المؤقتة ستكون مرجعيتها قرار التقسيم خلافاً لسلطة مرجعيتها أوسلو والقانون الأساسي. بالطبع، يتطلب الأمر منظومة من الإجراءات لتثبيت وضع الحكومة المؤقتة مكان السلطة، وبالتأكيد سيتم تغطية هذا الانتقال عبر منظومة من التشريعات التي تحدد ولاية الحكومة المؤقتة وطريقة عملها ومرجعياتها.

في الحالة هذه، نكون قد أسسنا لحقبة الانتقال السلس من حالة قانونية تم تحديدها عبر اتفاقية ثنائية إلى أخرى تم تحديدها من خلال قرار دولي، وهذا الأمر بحاجة لتغطية بقرار دولي، والأخير سيكون الغطاء القانوني لمنظومة التشريعات ومسألتي الولاية القانونية والمرجعية القانونية لعمل الحكومة المؤقتة.

لحسن الحظ، يمكن الاعتماد على ما جاء في ديباجة القرار رقم A/RES/67/19 الذي نص على ترقية مكانة فلسطين من كيان غير عضو الى دولة غير عضو في الأمم المتحدة، حيث جاء في الديباجة "أن الجمعية العمومية، إذ تضع في اعتبارها ان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أنيطت بها، وفقاً لقرار المجلس الوطني الفلسطيني، سلطات ومسؤوليات الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين (A/43/928 )...؛ وكما جاء في الديباجة: " وإذ تشير (الجمعية العمومية) الى قرارها 181 (د2) المؤرخ 29/تشرين الثاني/ نوفمبر 1947....".

يوفر هذا القرار الغطاء الأولي لقرار تاريخي يتخذه المجلس المركزي عبر الإعلان عن استعداد الطرف العربي للوفاء بالالتزامات التي نص عليها قرار التقسيم، وعطفاَ على ذلك يصار لقصر الصفات/الحالات القانونية للأجسام التمثيلية الفلسطينية على جسمين فقط هما منظمة التحرير كإطار واسع لتمثيل الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، والحكومة المؤقتة، وبهذا يصبح هذين الجسمين جزءاً من التزام دولي للشعب الفلسطيني، ويتم خلال الفترة وضع تعريف للوضع القانوني للسلطة الفلسطينية وأجهزتها ومؤسساتها عبر تصنيفها كجهاز تنفيذي للحكومة المؤقتة داخل الوطن، ويتم إلغاء صلاحيات جميع الوزراء ومنح صلاحياتهم لأعضاء اللجنة التنفيذية الذين يشكلون الحكومة المؤقتة، والذين تشمل صلاحياتهم جميع الملفات الخاصة بالشعب العربي الفلسطيني في الوطن والشتات، أما المجلس التشريعي فيتم حله بسبب تبدل الحالة القانونية التي كان يمثلها كمشرع لسلطة الحكم الذاتي، التي لم تعد قائمة حيث وافق العالم بقرار دولي على منح صفة الدولة للكيان الفلسطيني بولاية قانونية مستحقة جديدة ومختلفة مما يوجب عملية الاستبدال.(ملاحظة: حل المجلس التشريعي يتعلق بإنهاء الشخصية القانونية لهذا الجسم، ولكن ذلك لا يمنع من بقاء أعضائه أعضاءً في المجلس الوطني ، وهنا تصبح مكانتهم الدستورية مشتقة من عضويتهم بالمجلس الوطني لا غير).

أرى أن يتم هذا التحول بخطى منسقة يواكبها حالة اشتباك دبلوماسي خارجي توحد الشعب الفلسطيني، يشعر الشعب من خلالها أنه بصدد إضافة قيمة حقيقية على نضاله وحضوره وحضور قضيته؛ بحيث يرتبط الوضعان الداخلي والخارجي بمرشد نظري واحد يعنون المرحلة المقبلة، وفق خطة تتناغم فيها التغييرات الداخلية مع الخطاب السياسي العام للشعب، سيكون المفهوم الرئيسي المهيمن على الخطة ومحتوياتها هو نقل قرار التقسيم (قرار الجمعية العمومية رقم 181 لعام 1947) من حالة التقادم والتجاهل الى أفاق الإعمال و التطبيق. نقول قرار التقسيم كونه القرار الوحيد الذي أعطى شهادة الميلاد لإنشاء اسرائيل بينما احتوى على نفس الشهادة لقيام دولة عربية لم تنشأ بعد. من المهم الإشارة الى ان القرار رقم (273) بتاريخ 1/5/ 1949 القاضي بقبول اسرائيل عضوا في الأمم المتحدة هو قرار مبني على القرار 181.                                               

مفاهيم هامة تحتويها خطوات الخطة:

الخطوة الأولى: التوجه لمجلس الأمن بعد أخذ توصية وطلب من الجمعية العمومية لتبني قرار مختصر يراعى فيه صياغة دقيقة لا يستطيع مجلس الأمن رفضها من دون تحمل تبعات خطيرة تترتب على الرفض، بمعنى أخر، فإن مشروع القرار المقترح في هذه الورقة مصاغ بحيث نكسب نحن في الحالتين: في حالة قبول القرار أو في حالة رفضه. من ناحية أخرى يراعى في مشروع القرار انه سيكون جزء من خطة ومتناسق مع الخطوة التي تليها.                                                                

الخطوة الثانية: التوجه لمجلس الأمن لإستصدار قرار أخر مشتق من القرار المستصدر في الخطوة الأولى بحيث يشكل القرار الجديد خطوة نوعية تشكل قراراً دوليا يعطي شهادة الميلاد للدولة الفلسطينية التي ستكون عضواً كاملاً في الأمم الممتحدة. سيكون التوجه لمجلس الأمن هذه المرة مقترناً مع طلب استبعاد الولايات المتحدة من الحق في التصويت على القرار بحكم كونها طرفاً في النزاع بعد اعترافها بالقدس عاصمة ل"إسرائيل" ونقل سفارتها اليها، هذا سيكون طلباً مشروعاً كون قرار التقسيم قد نص على وضع القدس تحت وضع دولي خاص ( Corpus Separatum) وطالب جميع الدول بالامتناع عن اي عمل مخالف لنصوص القرار.                                                                                  

وسواء نجحنا أم لم ننجح في الحصول على العضوية الكاملة فإن الخطوة التالية يمكن انجازها بشكل مستقل مكتفين بصفة الدولة المراقب الذي يحق له العضوية والتوجه للمحكمة الدولية.

الخطوة الثالثة: بعد قبول فلسطين في الأمم المتحدة – سواء بالصفة الحالية كدولة غير عضو أو بصفة الدولة ذات العضوية الكاملة– يتم التوجه لمحكمة العدل الدولية لتحكيمها في مسألة محددة، واستصدار قرار منها يتضمن إعمالاً لقرار تقسيم فلسطين (قرار الجمعية العمومية رقم 181 لعام 1947) بخصوص هذه المسألة والتي ستكون مسألة هامة جداً يترتب عليها وضع نصوص قرار التقسيم موضع التنفيذ.                                                             

التفاصيل:

الخطوة الأولى:                                                                                      

تتوجه منظمة التحرير بالطريقة التقليدية لرئيس الجمعية العمومية للأمم المتحدة طالبة منه  تبني الجمعية لمشروع القرار التالي :

" المجتمع الدولي،

وبإعتبار القرار رقم 181، الصادر عن الجمعية العامة لعام 1947 ، قراراً نافذاً،             

وبإعتبار أن القرار المذكور هو الأساس المرجعي والقانوني للأوضاع القانونية (خصوصاً تلك المتعلقة بنشوء الدول المنصوص عليها في القرار المذكور) ،                                    

فإنه يقرر ان الأوضاع القانونية، التي نشأت أو ستنشأ بمقتضى القرار المذكور، هي أوضاع واجبة التنفيذ. "                                        (انتهى نص القرار).                                   

في حالة الموافقة على مشروع القرار يكون المجتمع الدولي وعبر الجمعية العمومية قد أعاد الحياة لقرار التقسيم ووضعه في فئة القرارات "الواجبة التنفيذ" بما في ذلك ما يتعلق بالدولة العربية. والأسباب التي تدعو لقبول هذا القرار أكثر من تلك الداعية للرفض، فالقرار 181 هو قرار جمعية عمومية ولا يوجد أي مبرر لرفضه. إن ميزة هذه الصيغة انها تضع موضوع " نشوء الدولتين" في سلة واحدة فإما قبولها وإما رفضها معاً.                                                                                        

في حالة رفض مشروع القرار يكون المجتمع الدولي قد رفض ان يكون القرار 181 بمثابة الأساس القانوني والمرجعي لقيام إسرائيل، وحيث انه لا يوجد اي أساس قانوني أخر يشرعن قيام اسرائيل، فإن هذا الرفض سيكون بمثابة رفع الشرعية عن هذه الأخيرة، وسنكمل مهمتنا من هذه النقطة بحيث نطلب من مؤسسات المجتمع الدولي –بما في ذلك المحكمة الدولية- عمل الإستنتاجات اللازمة المترتبة على هذا الرفض. الإستنتاجات تشمل وجوب تعريف الوضع القانوني لفلسطين في أعقاب التعامل مع قرار التقسيم وكأنه لم يكن مما يدعو للعودة لوضع الإنتداب (أي ما قبل نوفمبر 1947) بكل ما لذلك من استحقاقات!                     

  ملاحظة: أقترح ان تتخذ هذه الخطوة هذا المسار، بحيث تتوجه منظمة التحرير الى الجمعية العمومية أولا بهدف أخذ قرار من الأخيرة يطلب من مجلس الأمن المصادقة على مشروع القرار المذكور تماما كما كان الترتيب متبعا بخصوص إقرار قرار التقسيم سنة 1947. وأنا أميل لهذا الخيار أكثر لأنه يضع مجلس الأمن في حرج رفض طلب من الجمعية العمومية، هذا أولا ، وثانياً نكون قد كسبنا قرارا من الجمعية العمومية يمكن البناء عليه في الخطوات اللاحقة. وليس أقل أهمية من ذلك ثالثاً فإن هذا التسلسل يعني إعادة الأمر الى الجمعية العمومية ومن النقطة التي انتهى اليها قرار التقسيم ولم تكمل الجمعية العمومية عملها بهذا الشأن منذ ذلك الوقت. [1]

الخطوة الثانية: وهي مرتكزة على نتيجة الخطوة الأولى، ففي حال الموافقة على مشروع القرار المذكور أعلاه يتم التقدم لمجلس الأمن (وبنفس الطريقة ومن خلال الجمعية العمومية) بمشروع قرار ينص على تنفيذ الجزء المتعلق بالدولة العربية . خلال أو بعد هذه الخطوة تقوم منظمة التحرير بتأكيد الإعلان عن وفائها بإلتزامات الطرف العربي عبر إعلان تاريخي تحدد فيه قبولها لشروط قرار التقسيم وتذكر بقيامها بتشكيل حكومة مؤقتة وفق نص القرار المذكور(الحكومة المؤقتة تختلف عن حكومة السلطة وتكون مرجعيتها قرار التقسيم). وبالإستناد الى الجزء الأول من قرار 181 (فقرة "ف" بالإنكليزية) تتقدم منظمة التحرير بطلب قبول عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة.                                                               

الخطوة الثالثة:  وقد أصبحت فلسطين عضواً في المحكمة الدولية، تتوجه فلسطين للمحكمة الدولية للمطالبة في حق فلسطين في الغاز الطبيعي المكتشف شمال غرب حيفا كونه يقع داخل حدود "المياه الإقتصادية البحرية" للدولة العربية في فلسطين التي تعرفها اتفاقية أعالي البحار بأنها تمتد لمسافة 200 ميل بحري عن شاطىء الدولة المعنية.                                                                           

هناك متسع لكسب قضية من هذا النوع لدى المحكمة الدولية بحكم اعتماد هذه المحكمة لأحكام القانون الدولي والإنفاقات الدولية بعيداً عن موازين القوى التي تفعل فعلها في الساحة  الدبلوماسية الدولية – بما في ذلك الجمعية العمومية ومجلس الأمن.

وهنا تكمن أهمية الإشارة الى ان القرار رقم (273) بتاريخ 1/5/ 1949 القاضي بقبول اسرائيل عضوا في الأمم المتحدة هو قرار مبني على القرار  181 وتعهد "اسرائيل" باحترام الحدود التي وضعها القرار.                                                                                  

المقصود من هذه الخطوة هو الحصول على قرار من المحكمة يشكل إعمالاً وتطبيقاً للقرار 181 وهذا بحد ذاته سابقة ستجبر إسرائيل على التفاوض مع فلسطين بخصوص استخراج الغاز وإلا فمن الممكن متابعة الأمر قانونيا لعمل حظر على الغاز المستخرج والدولة المنتجة. ملاحظة: يدور الحديث عن حقلين عملاقين – على الأقل- الأول يحتوي على 9 ترليون متر مكعب "حقل تمار" والثاني يحتوي على 16 ترليون متر مكعب "حقل ليفياثان".                                                      

هناك قضية أخرى بنفس الأهمية يمكن رفعها لدى المحكمة الدولية وهي حقوق فلسطين في الأموال المنقولة وغير المنقولة التي كانت تحت إدارة دولة الإنتداب (بريطانيا) بما في ذلك أرصدة الجنيه الاسترليني التي كانت تستعمل غطاء للجنيه الفلسطيني قبل عام 1948 . هذا الأمر متضمن أيضا في قرار التقسيم![3]             

النتائج المتوخاة من هذه الخطة هي – في أسوأ حالاتها – واعدة بتثبيت فلسطين كدولة وكحق وكطرف سياسي ليس من السهل بعد الأن تجاهله. وتضمن تحوطاً معقولاً إزاء المخاطر الكبرى التي تحدثنا عنها، ويكون هذا التحوط مقترنا بحركة دبلوماسية كبرى، إن قوام الحركة الدبلوماسية الفلسطينية يجب ان يسعى دائما الى نقل الوضع الراهن الى وضع يمتاز بمضامين ذات معنى وذات وظيفة لا تتوفر حالياً، بهذا السياق سيكون للحركة معنى يفضى الى التغيير!

اخر الأخبار