فشل الحركة الوطنية يعني انتحارا جماعيا.. في ذكرى تقسيم الوطن

تابعنا على:   12:31 2018-06-15

أسامة حمود

لا يعاني الاحتلال الصهيوني من مشكلة التعايش مع العالم العربي او العالم الاسلامي و كذلك لا تجدوالانظمة العربية و المسلمة و ربما بعض من الشعوب غضاضة من التعايش معه و هو أمر يحصل و سيحصل الا اذا كانت الحركة الوطنية الفلسطينية قائمة و تشكل عقدة المنتصف للحركة الصهيونية ..الهوية السياسية الفلسطينية هي بتعريفها عكس الهوية الصهيونية المختلقة على شكل هوية اسرائيلة فكلاهما يتنزاعان على الجغرافيا و التراث و المجتمع الفلسطيني بحدوده من النهر للبحر و وجود احدهما يعني الغاء الاخر ..لهذا فالهوية الفلسطينية السياسية هي شرط اساس لأي عملية تحرير لفلسطين او محاربة الكيان الصهيوني..بمعنى اخر لا يوجد اي معنى لاي عمل نضالي كفاحي في وجه الاحتلال اذا لم يكن يحمل خلفية سياسية وطنية فلسطينية بحتة قد تحمل كل ما تحمله من انتماء للجغرافيا و المجتمع العربي المسلم الذي يذوب فيه المسلمون و المسيحيون معا داخل مجتمع تملؤه المذاهب و الطوائف و التمايزات كلها بحكم الواقع و لكن تبقى كلها انتماء ثانويا ضمن المجتمع الوطني بحكم الواقع نفسه القائم اما على الانتماء الوطني او المصلحة المجتمعية بالمجمل او المصلحة الشخصية و هو اضعف الايمان.
و لكن في حال عدم وجود حركة وطنية حقيقية كما يحدث في فلسطين الان فإن الهوية الفلسطينية ستكون الى زوال لا محالة.
لدينا سلطة حاكمة في شمال الوطن و لدينا سلطة حاكمة اخرى في جنوبه ..و كلاهما حركتان فلسطينيتين تملكان معظم الشارع الفلسطيني غير الصامت و لكن كلاهما يبتعد او بعيد اصلا عن الهوية السياسية الوطنية الفلسطينية او فشل في صنع هذه الهوية ..كلاهما داخليا يعتمد سياسية الاستبداد التنظيمي بمعنى ضرورة الولاء الكامل لراس الهرم كضمانة وحيدة للابقاء على قوة الحركة و تماسكها كما يراد له ان يبرر ..و كلامها يحجب الاصوات الداخلية ..و رغم الادبيات الصلبة التي اسسها مفكر الثورة صخر حبش و القواعد التي شرحها عن اصول الانتماء و الالتزام بحركة فتح كمثال و التي تدعو الى التزام ذو اتجاهين بين راس الهرم و القاعدة كطريقة وحيدة لوجود حركة وطنية حقيقية ذات فعالية على الارض ..الا ان فتح اختارت المسار المستحيل اقتداء بممرات القائد التاريخي ابو عمار و تمسكا بطريقته رغم انه مسلك فرض عليه منذ اليوم الاول الذي دعا في الى استقلالية القرار الوطني الفلسطيني و الهوية الفلسطينية و الذي وضعه بمواجهة مفتوحة مع اجهزة المخابرات العربية كما يصفها ابو اياد على بلاطة و مع الكيان الصهيوني كونها اول مشروع حقيقي يدعو لتثبيت الهوية الحقيقية في البلاد لاصحابها على عكس المزاج الطبقة المثقفة و السياسية في تلك الايام
استمرت فتح بشكل خاطيءبالنهج الذي لا يمكن تكراره او استنساخه حاملة معها ضمان ولاء الصفوف الثانية و الثالثة و نزولا حتى القاعدة مرتكنة اولا على العصابات و الدكاكين التي تفصل من تريد و تعين من تريد بهدف المصلحة الشخصية و التسلق لاعلى هرم السلطة.و كذلك ارتكنت الى صمت او صبر المجموع المثقف و المناضل من حركة فتح و الذي منذ ايام ابو عمار ينزع الى الصمت في العلن و محاولة التغيير من الداخل ولو تدريجيا او اصلاح راس الهرم و الضغط عليه لربما يشكل هذا ضاغطة تنظيمية نحو برنامج سياسي وطني اكثر صوابا و اقل خطيئة ..الا ان ما حدث هو العكس تماما فمعظم هذه الصفوف و القواعد المثقفة تمم تحييده من الهرم التنظيمي و بعضه تم ارضاؤه بقبلة على الصلعة مع تهميش كامل..و مشكلتنا هنا لا تتعلق بعداء شخصي او تقييم للاشخاص براس الهرم فالمشكلة هنا سياسية بحته فالهيكل السياسي القائم يقوم على عدد محدود و معدود على اصابع الايدي من القيادات التاريخية و هذه ااقيادات بعددها القليل و رغبتها بالاستفراد بالقرار الفلسطيني يحتم علميا و عمليا تراكم الاخطاء الشخصية و نفاذ الافكار و الاجتهاد الخاطيء و مراكمة الانحدار مهما كانو مبدعين و خلاقين..و ايضا بمرور الوقت ينكمش المناضلون و المثقفون و منظري الهوية الوطنية السياسية كنتيجة طبيعية لتهميشهم..و كذلك يضمحل الشارع العام الذي يؤيد شعبويا هذه القيادة بشكل تدريجي ..بمعنى اخر هو طريق حتمي للانتحار مهما صلحت النوايا و مهما افترضنا صلاح او عدم صلاح قمة الهرم
كذلك الامر في جنوب الوطن فالحركة الاسلامية منغمسة جدا بالانتماء التنظيمي الداخلي و تجعله فوق الوطن و تفرض استبدادا داخليا مرعبا لابنائه يجعلهم مخيرين بين التشدد في الايمان و الولاء لراس الهرم و بين ان يصبحو خونة او كفرة او جواسيس بمجرد محاولتهم الاختلاف معها ..و هي ما زالت تحمل في طياتها بقايا من المفاهيم المغلوطة المتوارثة و الممارسة عبر القرون الطويلة الماضية باحلامها و نظرتهاالى الحاكم المطلق بامر الله و الولاء المطلق للانسان الالهي على الطريقة الوثنية التي ورثتها المنطقة من ملوك اشور و ملوك ايجيبت او بلاد النهر و تحاول ان تطور نفسها على مبدأ التجربة و الخطأ و تعزيز التنظيم على حساب الوطن بما يجعلها تتوه في انتمائها في تضطر للاستبداد و تكميم الافواه كما سلطة شمال الوطن لتصبح جسما على عبئا على الوطن فلا تعلم لمن تنتمي و لماذا هي موجودة و هذا ما يتضح في كل بيناتها و مواثيقها التصحيحة فهي تفقد الهوية و تختار من الوطنية جزء و تجعل الاسلام ايدولوجيا سياسية دون معنى تطبيقي واضح و تبدل ولاءتها او ميولها حسب اتجاه تيار الدعم المالي و السياسي الخاص بالحركة و بطريقة تتجاوز البراجماتية الى واقع ميكافيلي و كمثال يتضح بلافتات شكرا يا دولة...التي تتغير كل ثانية ليصبح ايضا الهدف الاساسي لوجودها هو الحفاظ على راس الهرم بها بما يؤدي حتما الى انتحار اكيد للحركة و كذلك المجتمع الفلسطيني الذي تحكمه.
لهذا كله فان اختيار الولاء المطلق لهرمي السلطة القائمين تحت مبرر اختيار افضل الموجود او رفضا للشيطان الاخر في طرف الوطن الاخر هو مشاركة بالانتحار كذلك و من الضروري الفهم ان محاربة الحركتين و محاولة اسقاطهما او تشويههما تشكل استراتيجية خاطئة و تصيب الهوية الفلسطينية بمقتل لان الحركتين ما زالتا يضمان التيار الفاعل الاوسع في الوطن و الشتات و محاربتهما بمواجهة مفتوحة او بحملات للاسقاط يعني اضرار في الوطن ايضا..و كذلك التحرك بالطريقة الماوية الصينية التي تدعم بشكل غير مباشر الخلافات بين الحركتين دون الانخراط المباشر او الميل لاي من الحركتين يعني هدما للوطن و بطريقة توضيحية اذا قصصت كل الاشجار الطويلة لتكون قادرا انت على البروز فانه في النهاية لن تجد اشجارا يتعلق عليه الوطن و هويته السياسية لان كل الاشجار المتبقية لا تستطيع ان تحوي الشارع و لا تملك التاييد و ان امتلكت البرنامج كما مصر و العراق و ليبيا و حتى افغانستان. لهذه فان التململ الذي يقوم على فضح او قل تشويه للحركتين لا اكثر هو بذاته انتحار ايضا و لا يشكل اي بديل تستطيع فلسطين الارتكان له.
لهذا فان العودة للابجديات و الاساسيات العملية و العلمية هو السبيل الوحيد.
من نقطة الصفر يجب التشديد ان الانتماء لتنظيم او حركة فلسطينية اساسه خلق و تعزيز هوية سياسية فلسطينية قابلة للبقاء و كذلك قابلة للتطور و تستطيع تخلق برنامج عمليا يخدم هذه الاهداف و يستطيع ان يتجدد كلما اغلقت كل الطرق. 
لهذا فان اي عملية تسعى الى خلق او تعزيز الكيان السياسي الوطني الفلسطيني يجب ان تتجاوز الحركتين باسمهما التنظيمي نحو الوطن و لا تتوقف عندهما بل يجب ان تخلق واقعا جديدا مختلفا و نخبة او نواة تدعو الى الاسس من جديد و هي هوية سياسية وطنية فلسطينة قائمة على بناء هرمي مترابط من اصغر شارع في الوطن الى ابعد قارة في العالم تطرح نفسها اولا كبديل عن الانتحار الجماعي الحالي دون اعلان مواجهة مفتوحة معه و دون اعتباره منافس و دون حملات تشويه لما هو موجود ..لان المطلوب ليس هدم الحركتين بل استقطاب كل الشارع الوطني تحت طيات هتين الحركتين و الذي ينتمي بشدة لهما و لان البراجماتية الاخلاقية يجب ان تكون الاساس في هذا البناء الواضح المعالم لان اي تجاهل للبراجماتية الاخلاقية سيجعل كل الوسائل السيئة المستخدمة جزء لا يتجزء من هذه الحركة الوطنية و بمعنى اخر احتراب داخلي مؤجل و انتحار جماعي اخر.
يجب التخلص من افة الاستفراد و الاستبداد ربما كاول نقطة في البرنامج السياسي لاي حركة وطنية و يجب ضمان ان يكون تبدل و تجدد القيادة للحركة الوطنية دوريا و اجباريا دون تمديد او تعديل و يجب ان يحارب الاستقطاب الداخلي سواء بصورته الجغرافية او بشكله المتمدد افقيا او طوليا داخل هرم الحركة الوطنية..دون هذا فاننا نخلق كيانا مستنسخا و يحمل في طياته سوء النوايا للوطن 
من ناحية اخرى يجب ان تحمل الحركة الوطنية برنامجا سياسيا قابلا للتطبيق ذو خطوات واضحة و استراتيجية مفصلة للنضال اليومي و بنفس الوقت بناء الوطن و يجب ان لاتخجل قيادة الحركة الوطنية من التنحي عندما تصل للحظة تقول فيها قمنا بافضل ما نستطيع و لانجد حلا اخر لتترك لهرم الحركة من القاعدة حتى اعلى الهرم الحرية باخلق افق جديد لم تستطع المحدودية الفردية لراس العرم ان تصل اليه.
لا يجب علينا اختراع شعب و هيكل للحركة الوطنية فالحركتين الحاكمتين يملكان قاعدة واسعة اما صامتة او مؤمنة تقف بلا حراك متاملة او يائسة او تعمل بصمت و المهم ان تفهم ان الهوية الفلسطينية هي التي بالنهاية يجب ان ننتمي اليها لا اسم الحركة و كذلك هو الانتماء الى اي حركة فلسطينية تقوم على هذه الاسس
ان المخزون الكبير من السياسيين و الوطنيين الفلسطينيين و المثقفين يجب ان يكون هو الاساس لاي حركة وطنية فلسطينية بل و يجب ان يكون نواةلها حتى و ان كان انتماؤهم حاليا لاي من الحركتين او من الحركات الاخرى بحكم افضل المجود او بحكم الصبر او بحكم الاصلاح التديجي الداخلي كما ذكرت سابقا.
دون هذه الشروط ودون هذه الاسس فلا امل يرجى من اي تململ او تمرد او محاولة لهدم الواقع الفلسطيني الحالي السيء
على كل الحديث يطول كثيرا و اعذرو شيطاني اذ جاءني متعجلا مسرعا ليزاحمكم اعيادكم و فرحكم فقد كان صامت لدهر
و كل عام و انتم بخير.

اخر الأخبار