الحرب التجارية.. والقيم الأميركية

تابعنا على:   13:44 2018-07-05

بول كروجمان

لطالما كانت أميركا دولة قوية. وقد خرجنا من الحرب العالمية الثانية، على وجه الخصوص، بمستوى من الهيمنة الاقتصادية والعسكرية لم نشهده منذ الأيام الخوالي لروما القديمة، لكن دورنا في العالم كان دائماً مرتبطاً بأكثر من مجرد المال والسلاح. وقد كان أيضاً بشأن المثل، فأميركا دافعت عن أكثر من نفسها.. لاسيما عن الحرية وحقوق الإنسان وحكم القانون باعتبارها مبادئ عالمية.

وبالطبع، كثير ما وقفنا عاجزين أمام هذه المُثُل، لكنها حقيقة ومهمة. وعلى رغم من أن كثيراً من الدول تبنت سياسات عنصرية، لكن عندما كتب عالم الاقتصاد السويدي «جونار ميردال» كتابه «مشكلة العبيد» في الولايات المتحدة عام 1944، وصفها بأنها «معضلة أميركية»، لأنه اعتبرنا دولة تحمل راية التنوير، ومواطنيها كانوا يدركون في مرحلة ما أن معاملتنا للسود تتناقض مع مبادئنا.

وكان يؤمن بوجود قدر من اللباقة، وربما الصواب، في أميركا، وهو ما تأكد في نهاية المطاف بنهوض ونجاح حركة الحقوق المدنية، رغم نقصانها. والسؤال هو ما علاقة صواب أميركا، الذي كثيراً ما تعرض لانتهاكات وإن كان حقيقياً، بالقوة الأميركية ناهيك عن التجارة العالمية؟

وإجابة هذا السؤال هو أنه على مدار 70 عاماً، مضى صواب أميركا وعظمتها بالتوازي، وجعلتنا مُثُلنا، وحقيقة أن الدول الأخرى عرفت أننا لدينا هذه المثل، قوة عظمى من نوع مختلف.. ذلك النوع القائم على الثقة.

وإذا نظرنا، سنجد أننا وحلفاءنا البريطانيون كنا قد غزونا جزءاً كبيراً من العالم بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد كان من الممكن أن نصبح قوى احتلال دائم، أو أن نُنصّب حكومات صورية خاضعة، مثلما فعل الاتحاد السوفييتي في دول أوروبا الشرقية. وربما حاولنا فعل ذلك في بعض الدول النامية من قبل. لكن ما دأبنا على القيام به بدلاً من ذلك كان المساعدة في نهوض الأعداء المهزومين، وقيام أنظمة ديمقراطية تتقاسم معنا قيماً جوهرية، وأصبحت حليفة لنا في حماية تلك القيم. وبالطبع، كانت «أميركا السلام» صورة من صور الإمبراطوريات، وبالتأكيد كانت لفترة طويلة جداً الأولى بين أقرانها، لكنها كانت بالمعايير التاريخية «إمبراطورية معتدلة» بدرجة ملحوظة، فجمعت بين القوة الناعمة والاحترام بدلاً من القوة الخشنة.

وعلى رغم من أن كثيرين يميلون إلى اعتبار الصفقات التجارية الدولية قصة منفصلة انفصالاً تاماً، لكنها ليست كذلك على الإطلاق. فالاتفاقيات التجارية كان الهدف منها أن تجعل أميركا أغنى (وقد فعلت)، وكانت أيضاً منذ البداية مرتبطة بأكثر من الدولارات والسنتات. وفي الحقيقة، لم يكن نظام التجارة العالمي المعاصر فكرة وليدة لخبراء الاقتصاد أو مصالح الشركات، وإنما كان «كوردل هال»، وزير خارجية «فرانكلين روزفيلت» لفترة طويلة، هو من اعتبر أن «ازدهار التجارة بين الدول» أداة محورية في إرساء دعائم «سلام دائم». وعندئذ سيفكر المرء في أن إبرام الاتفاقية العامة للرسوم الجمركية والتجارة كان جزءاً من الاستراتيجية ذاتها، التي أدت في الوقت ذاته إلى ظهور خطة «مارشال» وإنشاء حلف شمال الأطلسي «الناتو». لذا، فإن خطوات مثل الخروج من اتفاقيات تجارية تتتجه لوضع نهاية للاستثنائية الأميركية، وإدارة ظهورنا للمثل التي جعلت الأمة الأميركية مختلفة عن الدول العظمى الأخرى.

ورفض مثلنا لن يجعلنا أشد قوة، وإنما سيضعفنا، وبعد أن كانت أميركا قائدة العالم الحر وقوة عسكرية ومالية وكذلك أخلاقية، نلقي الآن بذلك كله وراءنا. والأهم من ذلك كله، أن ذلك الرفض لن يخدم مصالحنا، فأميركا لم تعد مهيمنة كما كانت قبل 70 عاماً، وواهم كل من يتصور أن الدول الأخرى ستذعن للتهديدات الأميركية، وإذا ما خاضت الولايات المتحدة حرباً تجارية متكاملة الأركان، فسيتفاجأ الجميع بأن بعض القطاعات ستربح منها، لكن ملايين العمال سيخسرون عملهم.

يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

عن الاتحاد الإماراتية

اخر الأخبار