صورة الضحية

تابعنا على:   11:14 2018-08-14

د. أسامه الفرا

أيقونة فلسطين التي باتت رمزاً لإرادة لا تلين ولا تستكين وتلطم بكبريائها وجه الاحتلال، سجلت الطفلة عهد التميمي حالة نضالية فريدة أوجعت بها الاحتلال، وقفت حيالها ترسانة الاحتلال الإعلامية العابرة للقارات عاجزة عن معالجة تداعياتها، واستطاعت الطفلة بتمردها إعادة الأمور إلى نصابها الحقيقي والطبيعي، فمن المهم لنا ألا نسمح للاحتلال البتة بمغادرة موقع القاتل والجلاد والمغتصب والمنتهك لأبسط الحقوق والقيم الانسانية، نخطيء حين نفتح ولو نافذة صغيرة يمكن أن يتسلل منها الاحتلال إلى موقع الضحية، يحرص دوماً الاحتلال على تقمص دور الضحية ويجند كل إمكاناته الاعلامية والسياسية والدبلوماسية لخلق هذه الصورة وترويجها في العالم، وننجر أحياناً دون معرفة في مساعدته لتحقيق ما ينشده، نتداول الصور التي يبثها إعلام الاحتلال وهو ينقل حالة الخوف التي تنتاب المجتمع الاسرائيلي بفعل ما يصل إليه من المقاومة الفلسطينية، نعم نرتاح حين نرى الخوف يسكن قلوبهم ونرى فيه الكثير من إعادة الإعتبار لنا، لكن الاحتلال يحرص على أن يصنع منها قناع الضحية.
لا أعرف لماذا نخجل من رصد الخوف الذي ينتابنا ويسيطر على أطفالنا من بطش الاحتلال وجبروته وتوغله على أبسط حقوقنا الانسانية؟، ولماذا نتخلى طواعية عن صورة الضحية التي ينحتها لنا الواقع الذي نعيشه؟، من الواضح أن سيكولوجية المواطن الفلسطيني ما زالت ترى في الخوف ما يمكن له أن يقوض دعائم روح التحدي، وبالتالي يحرص على ألا تطفو على وجهه معالم للخوف حتى وإن سكن الخوف مفاصله، لا شك أنها ثقافة شرقية المنشأ لكننا نوغل في تثبيتها ضمن أدبيات منظومة النضالية، ما الفائدة التي نجنيها حين نرفض الطبيعة البشرية؟ فنحن كسائر البشر ينتابنا الخوف أحياناً ونبكي كما يبكي الآخرون فلسنا سلالة معصومة من ذلك، بل علينا أن ندرك أهمية قوة الخوف وتسخيرها لخدمة قضيتنا، فرغم إيماننا المطلق بضرورة تحصين روح التحدي التي نمتاز بها على إعتبار أنها قاعدة ضرورية نرتكز عليها في مواجهة احتلال يلهث وراء إنهاك الإرادة الفلسطينية، إلا أن ذلك يجب ألا يكون ممراً نذهب من خلاله إلى المكان الذي يريد لنا الاحتلال أن نتواجد فيه.
يحاول الاحتلال دوماً جرنا إلى حلبة ملاكمة تحكمها مفردات القوة وتغيب عنها قواعد الانسانية، تختلط عندها المفاهيم لدينا وتدفعنا لأن نبحث عن صورة نستطيع من خلالها خلق شيء من التوازن لمعادلة مختلة، نعم نستطيع أن نوجه اللكمات للمحتل ونستطيع أيضاً أن نؤلمه وهو الشيء الذي يجب ألا نقلل من أهميته ولكن في الوقت ذاته من المفيد لنا أن نضعه في السياق الذي نحافظ من خلاله على دور الضحية لنا وأن نحرص دوما على كشف اللثام عن الاحتلال الذي يحاول به اخفاء وجهه الحقيقي.
الرأي العام الدولي يمثل جبهة مهمة لنا في صراعنا مع الاحتلال، ودوماً يخشى الاحتلال من التقدم الفلسطيني على هذه الجبهة سيما وأننا نملك من الحجة والصورة ما يمكن لنا أن نحقق بهما مكاسب مهمة، ورغم يقيننا بأن الصمت الدولي حيال ما يقوم به الاحتلال من جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية أفقدنا في كثير من الأحيان الثقة في قدرة المجتمع الدولي على لجم الاحتلال وإجباره على احترام القانون الدولي، إلا أن ذلك يجب ألا يدفعنا لأن نهمل هذه الجبهة في صراعنا مع احتلال يجند كل قدراته في مسارات الصراع المختلفة، الحقيقة التي يجب علينا مصارحة أنفسنا بها أننا استطعنا انتزاع الكثير من القرارات الدولية المنصفة لنا إلا أننا فشلنا في ترجمة هذه القرارات والبناء عليها في مواجهتنا مع الاحتلال، أعتقد أننا لسنا بحاجة إلى المزيد من القرارات من المنظمات الدولية بقدر ما نحن بحاجة إلى إجبار المجتمع الدولي على تطبيق وتنفيذ ما صدر عنه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، المؤكد أن الرأي العام الدولي حيال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تغير بشكل كبير خلال السنوات السابقة ونجد لديه أحياناً من المواقف ما هو متقدم عن مواقف الدول العربية والإسلامية، ولكن مؤكد أن هذا لا يكفي ويتطلب منا قبل غيرنا الكثير من الجهد والعمل المنظم المبني بالأساس على تقديم مفردات يفهما المجتمع الدولي ويتفاعل معها بعيداً عن المفردات الشعبوية.

اخر الأخبار