فلسفة الهجر والفراق

تابعنا على:   13:24 2018-08-19

حمدي الروبي

التجدد مذهب المبدع المتمكن ، ومسلك الشاعر المجيد ؛ فهو لا يكرر ما يقول ولا ما يسطر من قصيد .. حالاته الإبداعية بلا ذاكرة .. وان شئت قل خارج الذاكرة ، فتجده دائم الإبداع في تجديد وانتقال بين عوالم الشعر. نجد هذا جليا لدى شاعرنا الأستاذ محمد مغاوري ؛ فهو يطل علينا من وراء تلال سرابية من الشعر الوهمي الذي تقذفنا به مواقع التواصل الاجتماعي ليل نهار ، فيرسل ضوءا مبهرا من إبداعه الراقي المتجدد ، يعيدنا مرة أخرى إلى بساتين الشعر العربي إبداعا وقراءة ونقداً.
قرأت لشاعرنا مؤخرا قصيدته الموسومة " وعدها المنسيّ " وهي قصيدة في الفصحى قليلة الأبيات نوعاً ، وإن كانت كلماتها القليلة تحمل من الخيال والفكر والحس شيئا كثيرا.
يقول الشاعر:
هيئ فؤادك للفراق و دلّنى
عن بيت شعر للسلامة مورد
.إني رأيت الهجر
يسكن حرفها
سحبا
بلون الغربة الظلماء يضرب موعدا.
خلف المصائر
والبصيرة أغمضت
عين الرجاء فما تلاقت في المدائن فكرة
والحلم أصبح في الحقيقة موقدا.
بنيانه المرسوم ..هيئة عازف.
.في ثغره الناي المكبل بالجوى.
أمسى حزينا
والكآبة بالستائر منشدا..
أشياء
في كتب الغرابة أعلنت
موت النبوءة .فاعلمي.
في الهامش المسطور بعد قصيدتي
سطر ينادى في الضمائر شاهدا..
فالمقصد المنسىّ أصبح مبهم
يهوى العلاقة بين بين ولو صدى.ّ

بدأ شاعرنا قصيدته بطلب غريب قاسٍ .. بل شديد القسوة : هيئ فؤادك للفراق .....
ثم يكشف سريعا عن مبعث قسوته وسر غرابته فيقول: إنى رأيت الهجر يسكن حرفها...
والبصيرة أغمضت عين الرجاء...والحلم أصبح فى الحقيقة موقدا... ويسترسل الشاعر في حشد مبرراته وحيثياته استرسالا يميل إلى المنطقية نوعاً. غير أن خصب الخيال وروعة التصوير يخفيان منطقية الأسلوب .. فـ( كتب الغرابة أعلنت موت النبوءة) و( الحلم) أصبح ( موقدا ) و( الناي ) مكبلٌ ( بالجوى) وبعد القصيدة ( سطر ينادي في الضمائر شاهدا ) و(الهجر) ( يضرب موعدا).
ويظل الهجر والفراق إلهاما لا ينضب للشعر العربي

اخر الأخبار