أزمة التعليم حقيقة أم افتعال ....... ؟؟؟؟؟؟

تابعنا على:   14:39 2018-09-22

أسامة مسلم على

 

 الرغم من التوسع الملحوظ في التعليم بمختلف دول العالم على تباين الظروف الثقافية والسياسية والاقتصادية , والتقدم فى وسائلة واحتياجاته , إلا ان العالم يعيش اليوم أزمة تعليمية رهيبة , تفوق في حدتها أزمة الطعام والشراب والكهرباء والأزمات الاقتصادية والسياسية والعسكرية , وإن بدت في مظهرها أقل خطرا واستجلابا للانتباه.

وأزمة التعليم المعاصر تختلف في شكل حدتها من دولة الى اخري , إلا ان اثارها تنعكس بصورة جلية على الشعوب , مهما تباينت الظروف من فقر او غني , ومن عراقة او حداثة , ويري البعض ان ازمة التعليم هي تزايد مجموع اعداد الاميين بسبب الانفجار السكاني من جهة , وما صاحبة من تردي في الاوضاع الاقتصادية والسياسية حالت دون مسايرة التوسع في التعليم , إلا ان الازمة تنعكس بوضوح في الزيادة لنوازع الانسان وميوله الي العنف والفساد وانتشار التحلل الاخلاقي وسط الانفجار المعرفي , وفشل الانسان في حمل رسالته الحقيقة في الحياة ,فأصبح الحصول على المؤهل العلمي هو الغاية المرجوة من الدراسة , وحل الامتحان في المقام الاول قبل التعليم , وهذا ان دل فانه يدل على فشل العملية التعليمية ذاتها , ويتمثل الفشل بصوره جلية في سلوك الطلاب وميولهم للعنف وثوراتهم والفوضى والإدمان والقسوة وغير ذلك من الامراض النفسية والعقلية التي قد تدفع البعض الاخر منهم الي الانتحار .
وتري نيرمين البورنو " دكتورة تكنولوجيا التعليم , مشرف تربوي " ان التربويون يتفقون على ان التعليم يمر بأزمة عالمية , إلا انهم قد يختلفون في تشخيص وتحليل أسبابها الرئيسية , فمنهم من جعل الاطار المادي هو السبب الرئيس , ومنهم من شخصنها في كثافة وزيادة عدد السكان خاصة في الدول النامية , ومنهم من يشخصنها على أساس ندرة الموارد المالية مع ارتفاع مستمر في التكاليف , مما أدي الي عجز التعليم عن تلبية رغبات الطلاب , وأدت الي تزايد اعداد الاميين.
وتشير البورنو ان مجموعة أخري من التربويين والمتخصصين يرون ان أساس الازمة هي أزمة اجتماعية , حيث ان العالم يعيش عصر التحولات الاقتصادية والتقنية والعلمية المتسارعه , مما جعله في حاله انتقالية باستمرار , والبعض الاخر يري ان الازمة أساسا هي ازمة تربوية تتمثل في النظام التعليمي السائد بأنه نظام تقليدي بالي خال من روح الابداع والابتكار , وتري مجموعة اخري ان الازمة ترجع الي فقدان القدوة الحسنة , وتؤكد البورنو ان الازمة انتشرت بشكل موسع عند انتشار المدارس الاجنبية بشكل مخيف في الدول العربية , حتى أصبحت الاساس في الدراسة في بعض البلدان مما يعني ان الاجيال القادمة التي تتخرج من هذه المدارس والتي تعتبر أجيال النخبة في المجتمعات العربية لم تدرس إلا التاريخ الغربي والثقافة الغربية , ولا يتحدثون باللغة العربية حتى في بيوتهم .
وتنوه البورنو على انه يجب على المؤسسات التعليمية تشخيص الأسباب الرئيسية والعمل على حلها وخلق جو نفسي مريح للطالب وتوفير الوسائل التعليمية المناسبة , والبحث عن وسائل بديلة عن أسلوب التلقين والحشو في عقول الطلاب , وانه يجب البحث عن الأسباب التى جعلت مهمة اصلاح التعليم مهمة شاقة ، تلك الازمة تتطلب من المسئولين والخبراء ابداء رؤية واضحة لمواجهة حالة التردي التعليمي في عالمنا العربي .
يري ميثاق الضيفي "دكتور العلاقات الدولية والاقتصاد "ان الأزمات الاقتصادية والسياسية التي عصفت بكثير من بلدان العالم عملت على اعاقة عملية التوسع في التعليم , ويشخص بعض السياسيين ان أزمة التعليم هي أزمة مادية تتلخص في الانفجار السكاني الذي يواجه العالم ,وارتفاع تكاليف التعليم , وتزايد احتياجاته المادية , مما دفع الكثير الى المناداة بضرورة تخطي هدف التعليم الاول وهو تربية الانسان الصالح , والعمل على تنمية قدراته ومواهبه مهما كانت تكلفتها , والبعد عن تقييد الفكر وحجر العقول وتعطيل المواهب لان المتعلمين ليسوا مجرد قطع غيار للآلة الاقتصادية العالمية.
ويشير الضيفي ان تلك العقبات خلقت عدد كبير من الاميين البالغين في العالم , وان التعليم المعاصر بات يعاني نقصا ملحوظا في كل شي سواء في عدد الطلاب , او نقص في المال والمدرسين والمباني وفي الوسائل التعليمية , وفي الاداريين وأوجدت خلل واضح في النظم التعليمية الصحيحة , مما ادي الي شلل في العملية التعليمية في كثير من البلدان .
ويؤكد الضيفي انه يجب العمل على حل تلك الازمة الخانقة التي تفشت في مجتمعاتنا العربية فلا بد من حدوث توافق هائل وكبير بين التعليم والمجتمع , يلتقي فيه الطرفان , وأكد الضيفي على ضرورة العمل في المستقبل القريب على التوافق لان التباين بين التعليم والمجتمع سيؤدي في مطاف الطريق الي تصدع في اطار النظم التعليمية .
وتري ياسمين عليان " دكتورة علم نفس التربوي " ان ازمة التعليم الأساسية من ناحية نفسية تتمحور في محاور رئيسية ,ألا وهي بناء العملية التعليمية المتمثلة بالمربين والمنهاج والطالب والتي يعتبر كل محور منها يؤثر ويتأثر بالآخر وفي النهاية الجانب التخطيطي الإداري للعملية التعليمية ، فيعتبر فشل المربين سبب رئيسي للأزمة وذلك من خلال سوء فهمهم الصحيح لطبيعة النفس البشرية ومتطلباتها ، انعكس على عدم تعرفهم على ميول واهتمامات طلابهم مما أدى إلى نفور الطلاب ، وفقدان الطالب للقدوة الحسنة مما يدفعه الي ان يفقد دافعتيه للتعلم ويوقعه تحت دائرة السلوك والفكر المضطرب .
وتضيف عليان ان هناك أزمة فاقعة في اعداد المناهج التي تعتمد على الجمود و التلقين والتي تفتقد الى الانشطة الكافية , وان المناهج لا تراعي اهتمامات وميول الطلاب الابداعية مما تسبب لهم مشاكل نفسية وجسمية وعقلية , تعمل على قتل روحه الابداعية مما تشعره بالعجز والفشل , فيطرأ إلى استخدام حيل لا أخلاقية كتعبير نفسي لرفضه الفشل مثل اضطراب الطلاب وثورتهم والميل إلى العنف والفوضى والتسرب وميل البعض إلى تكوين مجموعات مخالفة للقانون مثل البلطجة وغيرها ، وبعضهم يلجأ إلى تعاطي الأترمال والحبوب المخدرة بهدف أنها تساعدهم على التركيز وتنشيط الذاكرة وتقليل ساعات النوم لديهم ، إلى جانب الشعور بحالات الضيق والضياع والكبت والحيرة والأنانية والقسوة والتي قد تصل بهم بالنهاية الي الانتحار .
وتؤكد عليان على انه يجب الاسرع للتخلص من تلك الازمة عن طريق رسم خطة استراتيجية لإعداد مخططين للمناهج التعليمية ووضع برامج تعليمية تتناسب مع قدرات الطلبة وميولهم مما تعمل على اثارة دافعتيهم نحو التعليم مع مراعاة الفروق الفردية , والعمل على معرفة احتياجات سوق المجتمع وإعادة النظر في وسائل التقييم التحريرية والعملية والنظر في آلية اختيار المعلمين المميزين المبدعين ،وعقد ورشات تعليمية ونفسية لتعزيز خبرات المعلمين وتعزيز القيم الانسانية .
وأكد الخبراء الثلاثة على انه ينبغي على المؤسسات التعليمية رسم خطة استراتيجية للعمل على رفع مستوي التعليم , والعمل على الحد من تلك الازمات المتفاقمة التي تعاني منها الدول النامية , والعمل على تغيير النظرة السائدة للتعليم التي تفتقر للإنسانية , فالهدف من التعليم هو تخريج المواطن الصالح لا الانسان الصالح , وتبقي الاسئلة المحيرة هل التعليم وسيلة لغاية ام انها غاية في حد ذاتها , وإذا كانت النظرة اليها كذلك ما هي الغاية من التعليم ؟ وما الهدف من التعليم ؟وما الهدف من تعلم العلوم التقنية ؟ وهل الشعوب التي اهملت الروح تعاني من غيابها ؟؟؟وما هو المخرج لأزمة التعليم في العالم العربي هل هو إصلاح وتطوير نظام التعليم الحكومي أم خصخصة التعليم بالكامل أم تطوير كلا النظامين ؟ هذه الاسئلة في حد ذاتها تجسد معني الأزمة بوضوح وتظهر حقيقة معاصرة تتطلب من كافة المسئولين والمؤسسات التعليمية ان تستنهض وتتكاتف لإيجاد حلول عاجله لتلك الأزمات .

 

اخر الأخبار