لا يكفي أن نقول: كفى

تابعنا على:   15:15 2018-09-24

محمد السهلي

في السياسة لا قيمة للشكوى بدون فعل على الأرض في السياسة والميدان
منذ آواخر العام الماضي، تتدحرج باتجاهنا إجراءات إدارة ترامب وقراراتها. ومن الواضح أنها مدروسة جيداً على يد فريق يعرف أولويات العمل الوطني الفلسطيني وحساسية كل قضية من قضاياه.
وإذا كانت هذه الإدارة تسرب في كل مرة بأنها أجلت الإعلان عن خطتها (صفقة العصر) لبضعة أشهر إضافية، فمرد ذلك الرغبة في زراعة الاعتقاد بأن في الجعبة الأميركية ما «يعدل» المسار الذي بدأته منذ بداية الحرب المباشرة على حقوقنا، في الوقت الذي ندرك فيه أن «الحل الإقليمي» الذي يترجم «الصفقة» يحتاج إلى وقت كافٍ لـ«إنضاج» جميع الأطراف ذات الصلة، كي «تطبق» بموافقتها النهائية على الرفض الفلسطيني.. وتساعد على إخماده.
والسلاح الرئيسي الذي بيد واشنطن قديم ومعروف، وهو السطوة المالية على مؤسسات الأمم المتحدة ذات الصلة بقضيتنا،وحجم حصتها الكبير في «الاقتصاد الريعي» للسلطة الفلسطينية.
ركزت خطوات «الصفقة» في استهدافاتها على قضيتي القدس واللاجئين، بعدما طمأن ترامب حكومة الاحتلال الإسرائيلي حول مستقبل الاستيطان. وهذا يختلف تماماً عن سياسات الادارات الأميركية السابقة التي واكبت عملية التسوية، من جوانب رئيسية:
· أولا: حافظت الإدارات السابقة (شكلاً) على خطاب الفصل بين تداعيات النكبة وبين استحقاقات احتلال ما تبقى من فلسطين في العام 1967. فبقيت يافطة الدولة الفلسطينية مرفوعة في المساعي التي بذلتها تلك الإدارات للحفاظ على مشهد التفاوض بين الجانبين.
وفي تلك الفترة، كان واضحاً أن المقايضة بين حق عودة اللاجئين وبين قيام الدولة الفلسطينية شكلت عرضاً أميركياً ملحاً، كي يقر المفاوض الفلسطيني بالفصل بين هذين الحقين ويقبل العرض. وهذا يعني استدراج المفاوض الفلسطيني للوصول إلى هذه النقطة، وليس فتح الباب فعلاً أمام تجسيد قيام الدولة.
في حين جمعت إدارة ترامب تداعيات النكبة مع استحقاقات عدوان حزيران/ يونيو 67 في خانة واحدة وشطبتهما معاً، وأغلقت بالتالي بازار المقايضة ما بين الحقوق الفلسطينية.
· ثانياً: ضغطت الإدارات السابقة على القيادة الرسمية الفلسطينية وهددتها مراراً بالعقوبات المالية والسياسية كلما تذمر المفاوض الفلسطيني من مسار المفاوضات. لكنها فعلت ذلك ضمن معادلة «العصا والجزرة». وعندما كانت حكومة الاحتلال تقرصن مستحقات السلطة من المقاصات الجمركية ،حصل أن تدخلت الإدارات الأميركية من أجل إعادة تسليم هذه المستحقات للسلطة.
السبب في ذلك أن واشنطن حينها كانت تدرك أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة للنظام الرسمي العربي، الذي كان يحرجه التموضع خلف واشنطن لتنفيذ مصالحها الإقليمية، دون أن تتخذ خطوات ملموسة تجاه تسوية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
في حين تجد إدارة ترامب نفسها في حل من هذه الاعتبارات أمام نظام عربي رسمي منقسم وتتآكل مكوناته الهواجس على استقرارها، في ظل ما تشهده المنطقة العربية من حروب مدمرة. لذلك، لا يوجد الآن جزر في الجعبة الأميركية ،بل عصا متعددة الرؤوس.
من جهة أخرى ،على الرغم من تفاقم الانقسام في الحالة الفلسطينية، استطاعت مكوناتها بمن فيها القيادة الرسمية من الوصول إلى إجماع بإطلاق المسعى الفلسطيني نحو الأمم المتحدة، كرد قوي على التعنت الإسرائيلي وتغوله في الاستيطان والتهويد، ولقي ذلك تأييداً معلناً حتى من القوى والفصائل الفلسطينية من خارج منظمة التحرير.
ضمن هذه المعادلة ،ذهب الرئيس عباس إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة خريف العام 2012 ، وقدم خطاباً استمد قوته من الاجماع المتحقق، ومن الإجراء المهم الذي اختتم فيه خطابه عندما قدم طلب ترقية وضع فلسطين في الأمم المتحدة، وكان للإجماع الفلسطيني ما أراده من مسعاه.
في حين تتدحرج منذ نحو عام قرارات إدارة ترامب وإجراءاتها بما تشكله من خطر عملي غير مسبوق على حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية دون اتخاذ إجراء عملي في مواجهتها. والمفارقة أن لا شيء يمكن انتظاره من هذه الإدارة حتى من قبل القيادة الرسمية الفلسطينية سوى المزيد من جولات الحرب على الحقوق الفلسطينية.
وإذا كان الرئيس عباس في معرض وضع الجمعية العامة في دورتها الجديدة أما خيارات فلسطينية ترتقي لمواجهة صفقة العصر، فهذا ،على أهميته، يتطلب ما كان من المهم أن يسبقه كما حصل قبل التوجه إلى الأمم المتحدة قبل 6 سنوات. قرار واضح في اللجنة التنفيذية بالمباشرة بتنفيذ قرارات المجلسين المركزي والوطني. ورسم السياسة الفلسطينية الجديدة والمستندة إلى هذه القرارات عبر حوار وطني مسؤول. وبالتالي يصبح خطاب الرئيس صوت الاجماع الوطني الذي سيعطي مضمونه القوة التي من شأنها أن تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته. والمهم أيضا أن تستمع الجمعية العامة إلى القرار الفلسطيني الموحد، الذي لا يكتفي برفض المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي .. بل بمقاومته.
وربطا بذلك، لم يأت الاجتماع الذي عقدته مؤخراً اللجنة التنفيذية في هذا الاتجاه، بل تحدث (دون قرارات)، واكتفى بنية الأفعال المستقبلية، وبلهجة «بلغ السيل الزبى»، وأنه «كفانا» استيطان وهدم منازل وتطهير عرقي. كل هذا الحديث مهم، لكنه يحمل طابع الشكوى، وقد سمع المجتمع الدولي منه الكثير ولم يحرك ساكناً، ففي السياسة لا قيمة للشكوى بدون فعل على الأرض في السياسة والميدان.
وفي السياسة، يهتم المجتمع الدولي كثيراً عندما يدرك أن الفلسطينيين موحدون في رفضهم الصفقة ومقاومتها، وهو يعرف أن معنى ذلك إنهاء مرحلة الاحتلال المجاني للأراضي الفلسطينية، وأن المقاومة الشعبية الفلسطينية باتت تحظى بمظلة الحماية السياسية الفلسطينية الموحدة. وعندها فقط سيتحرك. ومن الطبيعي أن يبدأ بالضغط المعاكس. لكن وبالتجربة، يضعف تأثير الضغط في حال توافر الإجماع الوطني ، بعكس ما يحصل عندما ينفرد طرف بموقف أو خيار يعاكس هذا الاجماع، وهو ما حصل واستمر منذ بدء المفاوضات قبيل توقيع أوسلو وبعده.
بدون مواجهة «صفقة العصر» في الميدان والسياسة، ستبقى تتدحرج خطواتها باتجاهنا، وستواصل إدارة ترامب وحكومة الاحتلال خلق الوقائع على الأرض لنسف الحقو ق الفلسطينية في العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967،وعاصمتها القدس الشرقية.

اخر الأخبار