كونوا معه لا عليه

تابعنا على:   09:41 2018-11-16

د. محمود عبد المجيد عساف

عندما انتصرت ألمانيا في حربها عام 1970م قالوا : لقد انتصر معلم المدرسة الألمانية، وكتب المفكر بالوفريري في كتابه(تربية الحرية): (إن كان من الواجب أن يعرف الطالب البرازيلي شيء عند سنواته المبكرة، فهو كيف يحترم المعلم).

ولما تخذ الخليفة هارون الرشيد الأمام الكسائي مربياً، ومعلماً لولديه (الأمين- المأمون)، جلس الكسائي في حضرة هارون الرشيد، فسأله الرشيد: من أفضل الناس يا كسائي؟ قال: أو غيرك يستحق الفضل يا أمير المؤمنين؟ فقال الخليفة: نعم، إن أفضل الناس من يتسابق الأميران إلى إلباسه خفيه، وقد كان الأمين والمأمون تقديراً للكسائي يتسابقون على إلباسه خفيه عندما يهم بالخروج.

كل هذا وأكثر كان من ملامح احترام وتقدير المعلم، ولا أعلم ما إن كان السبب الرقي في أخلاق المتعلمين، أم لأن المعلم كان المصدر الوحيد للمعرفة، ويشدهني التفكير حول أسباب التراجع في هذه القيم، ومن المتسبب فيه بعدما فقدت مهنة التعليم قدسيتها، وتردت نظرة المجتمع للمعلم، لكن كل ما أعرفه أن التعليم كعملية لم يعد تلقائياً نتيجة لدخول الكثير من الأوساط والشركاء في التربية مثل التكنولوجيا وتطبيقاتها، وإن شئت فاعتبره تشاركياً ناقداً، لكنه لن يصل إلى المتعة والإبداع من غير معلم، فالتوتر بين العالمية والمحلية، وبين التقاليد والحداثة، وبين التوسع للمعارف والقدرة على الاستيعاب قد أدى إلى توتر العلاقة بين الطالب والمعلم، الطالب الذي طمعته السياسات الوزارية الراغبة في تخريج طلبة أحرار قادرين على التعبير عن آرائهم دون الأخذ بعين الاعتبار التربية المجتمعية والحفاظ على كرامة المعلم الذي أرهقته ظروف العمل ونضاله من أجل الحفاظ على ما تبقى من كرامته، ودعته بكل السبل إلى: (الصبر- الرفقة والشفقة- العدل- التواضع-التغافل- العفو والصفح... وغيرها) ولم يدعى بالمقابل الطلبة إلى احترامه وتقدير جهوده.

وأي كانت الأسباب التي أدت إلى تراجع مكانة المعلم الاجتماعية، وانتشار ظاهرة التنمر عليه من أطراف عدة، ورغم قناعتي بأن المعلمين من أكثر الناس جهداً وإسهاماً في بناء الأجيال وترسيخ الثقافة، إلا أني أرى أن كليات التربية تسهم بشكل أو بآخر في تدهور مكانة المعلم من خلال فتح باب الانتساب دون اختبارات مقننة أو شوط قبول تتناسب ومهنة التعليم، واكتفت بالمعدل في الثانوية كمعيار لدخول الكلية والتخرج منها .

وأياً كان وجه القصور في حق المعلم من قبل المجتمع، أو من قبل المعلم في حق نفسه من خلال ممارسته لبعض السلوكيات التي تحط من مكانته إلا أني أرى أن أساس المكانة هو العلاقة بين المعلم والطالب التي متى قامت على أسس واضحة كانت النتيجة إيجابية، فإدراك الطالب لواجباته وتصوره لدور المعلم بأنه في مصلحته سيقلل من حجم الفجوة الشعورية والنفسية ويؤثر إيجابياً على مستقبل كل منهما ويديم أثر التعلم بشكل استراتيجي.

أحاول جاهدا تفسير بعض الأمور، مثل: قناعة الطلبة بمكانة المعلم بعد فوات الأوان، بعد أن يرتقوا في العمر، أو اختلاف نظرة الأجيال السابقة للمعلم، وتراجع طرق التعبير عن الاحترام أو الاعتراف بالفضل له، لكني لا أرى تفسيرا لها إلا أصل التربية.

لقد تزايدت في الآونة الأخيرة بعض الحوادث العرضية التي قد يظهر من خلالها عدم الوعي بمكانة ودور المعلم، سواء على المستوى الطلابي أو المجتمعي أو الرسمي، وبعيداً عن تحميل المسؤولية لأحد الأطراف دون الآخر، فلا أعتقد أن المعلم الذي يقوم بواجبه أو بالحد الأدنى منه في ظل ما يعانيه من ظروف وضغوط يستحق أي إهانة أو تقليل من مكانته وشأنه، ويبقى الدور مرهون بالمجتمع وتربية الأسرة  في تعزيز قيمة مفادها أن المعلم والد.

اخر الأخبار