مصر.. "مقهى كبير"

تابعنا على:   12:55 2018-11-24

د. محمود خليل

تحولت مصر بقدرة قادر إلى مقهى كبير.

عبر سنين طويلة كان المقهى جزءاً من حياة المصريين، ولكن خلال السنوات الأخيرة حدث ما يمكن وصفه بـ«الطفرة» فى عدد المقاهى التى يتم افتتاحها.

شوارع بأكملها تكاد تصبح مقاهى عمومية مفتوحة بسبب بروز كل صاحب مقهى إلى الساحة له. بين كل مقهى ومقهى فى شوارعنا يبرز مقهى. شقق وورش ومحال تتحول إلى «كافيهات».

وكلمة «كافيه» هى الكلمة المودرن التى تُستخدم فى تسمية المقهى، ليس معنى ذلك اختفاء المقاهى الشعبية، فلا تزال موجودة ويزيد عددها شهراً بعد شهر. يقدِّر البعض عدد المقاهى فى مصر بـ2 مليون مقهى، أقلها حاصل على تراخيص رسمية للعمل، وأغلبها يعمل بلا ترخيص. ويعنى هذا العدد أن هناك مكاناً لكل مصرى داخل مقهى، لأن لدينا ببساطة مقهى لكل 50 مواطناً، طبقاً لتعداد المصريين!

ارتبط ظهور المقاهى فى مصر بالعصر العثمانى، فخلال هذا العصر انتعش هذا النشاط بصورة ملحوظة. وقد أحصى على مبارك عدد المقاهى بالقاهرة عام 1880 فوجد أنه يصل إلى 1067 مقهى، منها 252 فى منطقة الأزبكية وحدها. ومن المعلوم أن اسم «القهوة» ارتبط بهذا المشروب التركى الشهير «القهوة التركى» الذى عرفه المصريون بعد دخول العثمانيين مصر، فمنذ ذلك الحين تعوَّد الناس على الاجتماع فى الساحات التى تقدم هذا المشروب، بالإضافة إلى «شبكة الدخان» التى استبدلها المعاصرون بـ«الشيشة»، وألقوا على مكان لقائهم اسم «القهوة». ولعلك تعلم أن «العثمانلية» قضوا على صناعات وحرف عديدة كانت منتشرة فى أنحاء مصر، بسبب نقل «أسطواتها» إلى إسطنبول، الأمر الذى ترتب عليه انتشار البطالة بين قطاع لا بأس به من المصريين، ودعم من هذه المشكلة اهتمام كل من المماليك والأتراك بحلب البلاد أكثر من تطويرها وتعميرها بما يوفر فرص عمل.

منذ زمن بعيد تُشخَّص البطالة كسبب فى ظهور المقاهى ورواجها بين المصريين. تاريخياً ارتبطت نشأة المقاهى بـ«العواطلية»، فأغلب أصحابها كانوا ممن لا يجيدون مهنة أو حرفة معينة، فلجأوا إلى هذا النشاط بغرض «الاسترزاق»، وعبر مراحل مختلفة شكل «العواطلية» الزبائن الأكبر والأهم للمقاهى، وفى الثقافة المصرية يشكل المقهى مقصداً لأرباب المعاشات، فكل من لا يجد عملاً أو خرج من الحياة العملية يعرف سبيله إلى المقهى. الأمر بالطبع يختلف فيما يتعلق بالكافيهات الحديثة التى يشكل الشباب والمراهقون الكتلة الأكبر الطافية فوق كراسيها وموائدها، والنسبة الغالبة منهم تنتمى إلى الطبقة الوسطى من المصريين (ذكوراً وإناثاً). ويجد هؤلاء فى «الكافيه» متنفساً جيداً لقتل الوقت والاستهلاك ومعالجة ما يعانون منه من فراغ عبر الاندماج فى شلة. هؤلاء «الزبائن الجدد» للكافيهات، وقطاع أيضاً من مرتادى المقاهى الشعبية قد يكون لديهم عمل، لكن الكل يتشارك فى الإحساس بـ«العطالة» و«البطالة» بسبب فقدان الدور وغياب الإحساس بالانتماء إلى الأسرة أو حتى المجموع.. ويبقى أن انتشار المقاهى والكافيهات فى مصر بهذه الصورة الكبيرة يعنى أن «العواطلية مقبلون»!.

اخر الأخبار