تصويت أممي مصحوب بالقلق قاب قوسين أو أدني من الإدانة!!

تابعنا على:   11:57 2018-12-09

د. أحمد يوسف

إن الإصرار الأمريكي على الانحياز المطلق والظالم لإسرائيل، وتعمد إدارة الرئيس دونالد ترامب على إظهار العداوة المكشوفة للفلسطينيين، يبعث على الخوف والقلق، ويستدعي أن نتجاوز ما شجر بيننا من خلاف والتعجيل بطي صحائفه، وأن نعمل بكل صدقية وحكمة لجمع الصف والتئام الشمل، وتوجيه بوصلة حراكنا نحو تعزيز وحدة الموقف والقرار الوطني.
نعم؛ التصويت على القرار الأمريكي لتجريم حركة حماس في الجمعية العامة لم ينجح، ولكنَّ الحقيقة هي أننا كنا قاب قوسين أو أدني من الإدانة، ولكنَّ الله سلَّم!!
لقد سهرنا الليل نتابع كلمات الدول والمجموعات والكتل السياسية بخصوص هذا القرار، الذي يبدو أن صياغته كانت إسرائيلية بامتياز، وحتى أن تعقيبات مندوب دولة الاحتلال على رفض "قرار الإدانة" كانت من الوقاحة بمكان، حيث أعطى لنفسه ودولته المارقة حق الاستاذية والتنظير، وأخلى سجل إسرائيل من كل الانتهاكات والجرائم التي اقترفتها على مدار أكثر من سبعين عاماً، ومنها جرائم حرب وتطهير عرقي وجرائم بحق الإنسانية، والادعاء بكل بجاحة واسخفاف بعقلية ممثلي المجتمع الدولي، بأن إسرائيل تعاني من الإرهاب الفلسطيني وصواريخ حماس!!
إن مخرجات التصويت على القرار الأمريكي ترسل إشارات بالغة الخطورة إلى حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، من حيث ضرورات توخي الحيطة والحذر، وعدم القيام بأي تصرفات خارج القانون الدولي تمنح إسرائيل الذرائع للتمادي قي جرائمها، والاستمرار في تضليل المجتمع الدولي ومنظماته الأممية.
إن على فصائل المقاومة الفلسطينية الوعي بحقوقها التي تسمح بها الأعراف والقوانين الدولية، وعليها الفقه بكل ما يشكل لها إدانة أو إشكاليات مع المجتمع الدولي، وما اشترعه أو سنَّه من قواعد السلوك، التي تضبط عمليات الاشتباك والاحتراب بين الشعوب والأمم، بما يضمن السلامة للمدنيين وحماية حقوق الآمنيين.
إن على حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية أن تعمل على سدِّ باب الذرائع الذي تلج منه إسرائيل لتبرير اعتداءاتها، وتُحاجج لتسويق مزاعم مظلوميتها واتهاماتها للمقاومين بالتطرف والإرهاب!!
المواقف والتصريحات الفلسطينية: قراءة وتعقيب
هناك الكثير من الشخصيات السياسية والانتلجنسيا الفلسطينية الذين قاموا بالتعقيب أو التعليق على فشل أمريكا في تحقيق إنجاز أممي لصالح ربيبتها إسرائيل بإدانة حركة حماس والمقاومة الفلسطينية. لقد سجلت مواقفهم وتصريحاتهم – في الحقيقة - وقفات تستحق التقدير من الجميع، بغض النظر عما يسود ساحتنا الفلسطينية من خلافات واصطفافات حزبية، تسمح في مثل هذه الظروف بهامش من التشفي والشماته لمن أرادت المتاجرة واللعب على وتر الخلافات القائمة بين فتح وحماس. ولكن، وهذا بيت القصيد، علينا أن نقر ونعترف بأن "الكل الفلسطيني" تصرف بمسئولية عالية، وكانت حكمته بالغة، وجاءت المواقف في سياق وطني يليق بعظمة هذا الشعب وتاريخه النضالي الطويل.
سأذكر هنا بعضاً من تلك المواقف، والتي شكلت في مجموعها لوحة "قوس قزح" زاهية الألوان، وكان المشهد من خلال تلك الكلمات الطيبة يبشرنا بأن هناك أكثر من فرصة أمامنا لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، وأن المطلوب فقط هو توفر الإرادة لدى "الكل الفلسطيني"؛ باعتباره صمام الأمان للحفاظ على حقوقنا الوطنية وسلامة مستقبلنا السياسي، الذي تمثله كل القوى الفاعلة في الساحة النضالية المواجهة للاحتلال.
- د. مصطفى اللداوي؛ المفكر والمحلل السياسي، كتب يقول: انتصارٌ عربيٌ بطعمِ الهزيمةِ ومذاقِ الخسارةِ.. يتوجب علينا كفلسطينيين ألا تأخذنا نشوة الفرح والابتهاج فنهلل ونطبل، ونغني ونزمر، وندعي الفوز ونحتفل بالانتصار، حيث إن ما حدث في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة أمرٌ خطيرٌ، وسابقةٌ مقلقة، وتطورٌ سلبي لافت في مسار القضية الفلسطينية وعلاقات أطرافها الدولية، وهي تنبئ بشرٍ قادمٍ إن لم نستدرك ما حدث ونتعلم مما جرى، فنتيجة التصويت تعني تراجع المجتمع الدولي وتخليه عن القضية الفلسطينية، وانحيازه إلى الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني، وهذه إشارة سلبية للمشاريع المستقبلية، ودلالة لما يمكن أن يكون عليه المزاج الدولي تجاه الحلول المقترحة، ولعل الإدارة الأمريكية فرحة بما حققت، وسعيدة بما أنجزت، فهل تدرك القوى الفلسطينية ما آلت إليه قضيتهم، وما وصلت إليه سياستهم، فيستدركون الانهيار في معسكرهم، ويوقفون التصدع في صفوفهم، ويحصنون الجدار الذي كان يحميهم، والأسوار التي كانت تحفظهم وتمنعهم، أم يستمر الانهيار ويتواصل السقوط، ونفقد المزيد من الأنصار، ونخسر من كان لنا مؤيداً ومناصراً ومدافعاً؟! سؤال برسم اعتبار ما هو قادم.
- الأستاذ زياد النخالة؛ الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، عقَّب على فشل القرار الأمريكي بإدانة المقاومة، بالقول: إنهم يجرون أذيال الخيبة. وأوضح، أنّه من الضروري أن نواصل التحرك، وأن نتوحد، وأن نحمل قضيتنا العادلة وندافع عنها، وسنجد من يقف معنا من أحرار العالم، وأشار إلى أن الأعداء يحاولون محاصرتنا في كل مكان، لذا يتوجب علينا الرد عليهم ومطارتهم بوحدتنا وبعدالة قضيتنا وبحقنا.
- الأستاذ غازي الصوراني؛ المفكر والقيادي في الجبهة الشعبية، كتب يقول: هناك فرحة غامرة في وجوه وقلوب ابناء شعبنا الفلسطيني حققها مشهد وحدة الموقف الفلسطيني، الذي عبرت عنه حركة فتح والجبهتان الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وحركة الجهاد وغيرهم، معلنين ادانتهم ورفضهم للموقف الامريكي الصهيوني إدراج حركة حماس على قوائم الارهاب، ومؤكدين تضامنهم المبدئي الأصيل مع إخوانهم في حركة حماس؛ باعتبارها حركة وطنية فلسطينية مناضلة ضد الارهاب الصهيوني للخلاص من الاحتلال والاستيطان وتحقيق أهداف شعبنا في الحرية وتقرير المصير والعودة.
- الأستاذ باسم الخالدي؛ المستشار السياسي بالأمم المتحدة، أشار محذراً بالقول: إن التصويت المقلق على المسودة الامريكية، والموقف المشرِّف للقيادة والدبلوماسية الفلسطينية هو رسالة واضحة عن أهمية إنهاء الانقسام البغيض؛ لأن فاتورة استمراره تتضخم يومياً، وقد يؤدي استمراره إلى استغلاله، وإلى حدوث انقلابات في الموقف الدولي من فلسطين. وأضاف: نعم؛ فشلت الولايات المتحدة في تمرير قرار يدين حماس وحركات المقاومة بثلثي الأصوات، ولكن أن تصوت 87 دولة مع القرار، فهذا مؤشر خطير جداً.
- د. احمد مجدلاني؛ الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، تحدث قائلاً: إن القيادة الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية حامية المشروع الوطني ، ستكون دوما في الدفاع عن الكل الفلسطيني ، وأن احباط المشروع الامريكي لادانة حركة حماس في الامم المتحدة هو اثبات عملي على أن القيادة تعمل وفق اجندات وطنية بمحاربة كل من يحاول المساس بدولة فلسطين .
- د.صائب عريقات؛ أمين سر اللجنة التنفيذية، أشار إلى أن "القيادة الفلسطينية" انتصرت للوحدة بوقوفها ضد المشروع الأمريكي، وقد وضعت المصالح الفلسطينية العليا فوق جميع الاعتبارات الأخرى، عندما تصدت للمحاولات الأمريكية الاسرائيلية الجائرة لاعتبار حركة حماس ارهابية.
- د. أحمد بحر؛ النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي، غرَّد قائلاً: إن فشل تمرير القرار الأمريكي بإدانة حركة حماس والمقاومة، هو سقوط مدوي للغطرسة الامريكية، وانتصار لشرعية مقاومة شعبنا الفلسطيني.. ودعا كافة فصائل الشعب الفلسطيني للوحدة وإنهاء الانقسام وتعزيز ودعم حركات المقاومة.
- النائب محمد دحلان؛ القيادي في حركة فتح، أشار إلى أن التصويت برفض مشروع القرار الأمريكي لتجريم حركة حماس يعتبر انتصاراً مهماً؛ لأن قرار الإدانة لو تمَّ تمريره فسوف يصبح مقدمة لتأثيم نضال شعبنا الفلسطيني عموماً، خاصة بعد الضغوط الجهنمية التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية على دول العالم.. ونبه قائلاً: إنّ الاحتفاء بنتيجة التصويت لا يجوز أن ينسينا واجباتنا. ففي واقع الأمر، كان حجم التصويت لصالح المشروع الأمريكي رغم إخفاقه يعد إختراقاً لجبهتنا الدولية، التي لطالما ظلت صامدة كحائط صدٍّ دولي أمام كل الضغوط الإسرائيلية الأمريكية لعقود متتالية. وأضاف: إن على الدبلوماسية الفلسطينية والعربية مراجعة ودراسة ما حدث بشكل دقيق، لتشخيص الأسباب وإعتماد العلاجات المناسبة، وأساسها إعادة القضية الفلسطينية إلى مكانتها المستحقة كقضية العرب المركزية الأولى .
- د. مشير عامر؛ الأستاذ الأكاديمي بالجامعة الإسلامية، علق في تغريدة له على الحدث قائلاً: انتصار بطعم الهزيمة.. إن حجم تصويت الدول لصالح المشروع الأمريكي يجب أن يرسل مؤشرات خطيرة على مكانة القضية الفلسطينية وتراجعها على المستوى الدولي، وأيضاً على مستوى خطاب مظلومية الشعب الفلسطيني وحقه في المقاومة. إن تصويت 87 دولة ضد الشعب الفلسطيني من بين أهم الدول تأثيراً على المسرح الدولي، باستثناء روسيا والصين، يستدعي إعادة التفكير في مجمل أدائنا الدبلوماسي والسياسي والإعلامي والميداني، لأجل استعادة زمام المبادرة وزخم التأييد الدولي لقضيتنا العادلة.
- د. أسامة عنتر؛ باحث مختص بالشئون الأوربية، كتب يقول: إن التصويت في الجمعية العامة له دلالات كبيرة في السياسة الدولية... فلولا المذكرة التي تقدمت بها الكويت باسم المجموعة العربية، المطالبة قبل التصويت على مشروع القرار الأمريكي بأن يتم التصويت بالأغلبية المطلقة بثلثي الأعضاء الحاضرين، وليس بالنصف + واحد، لكانت تبعات التصويت مختلفة تماماً. فالمشروع الأمريكي حظي بتأييد 87 دولة، ومعارضة 57 دولة. للأسف؛ إن غالبية الأمريكيتين وأوروبا أيدت القرار.
وعلى الرغم من أن الجمعية العامة ليس لها صفة الزامية القرار، ولكنها تعبر عن رؤية شعوب العالم تجاه القضايا السياسية، وليس رؤية الدولة القوية، كما هو الحال في مجلس الأمن. لغاية يومنا هذا، صدر أكثر من سبعمائة قرارٍ بإدانة إسرائيل من قبل الجمعية العامة.. ولولا فشل المشروع الأمريكي، لفوجئنا ربما بقرار كان من الممكن أن يُدين الشعب المحتل ويؤيد الاحتلال!! وهذا إنذارُ خطرٍ كبير، خاصة وأن من عارض مشروع القرار الأمريكي كان فقط 57 دولة، وهو ليس بالشيء الكبير.
من الجدير ذكره، أن د. رياض منصور؛ ممثل فلسطين في الأمم المتحدة، قد بذل جهداً استثنائياً وبأخلاقيات سياسية عالية في عرضه للمظلومية الفلسطينية وتفنيد المزاعم الإسرائيلية، وقد كان لإيران والكويت من وضوح الموقف وجرأة الإدانة للسياسة الإسرائيلية ما يستحقان عليه الشكر والتقدير.
وختاماً.. أضم صوتي لكل من نادى بأن يلتقط "الكل الفلسطيني"، وخاصة حركة حماس، هذه اللحظة الوحدوية المعبرة عن جوهر شعبنا وأصالته الوطنية، ليعلنوا ادانتهم للانقسام واسدال الستار عليه ودفنه إلى الأبد.
ليس أمامنا من خيارات إلا أن نلتقي في إطار شراكة سياسية حقيقية وتوافق وطني، وعلى ما بيننا من قواسم مشتركة تجمعنا داخل وعاء الشرعية، الذي تمثله منظمة التحرير؛ الحاضنة الفلسطينية التاريخية للشعب والقضية.

اخر الأخبار