مباغتة نهارية خلال منع التجول

تابعنا على:   21:06 2018-12-09

حسين حمّاد

في تل الزعتر اختلطت الابتسامة بالدمعة والتحدي بالنخوة واختتم الاعتقال بالحرية
تل الزعتر حي هادئ يقبع أعلى تلة تشرف على مخيم جباليا، يعيش سكانه في تصالح مع النفس بعيداً عن صخب المخيم، وفي أحد أيام الشتاء في بداية العام 1991، تجمع الأصدقاء في مستقرهم المعروف "دكانة الشعب"، رغم فرض قوات الاحتلال منع التجوال على سكان المنطقة، بسبب العدوان على العراق وقصف الرئيس صدام حسين لكيان الاحتلال بالصواريخ الثقيلة. ورغم أوامر منع التجول إلا أن سكان الحي تجمّعوا وتناولوا حكاياهم اليومية، وعلت ضحكاتهم عنان السماء، وهتفوا مع كل صاروخ عراقي أصاب الكيان، متحدّين كل الإجراءات والمخاطر.
...
تواجد الطفل المشاغب حسين في منزله، بينما تواجد والده الستيني أبو أديب في دكانه، لفتته أصوات الضحكات، فقرر النزول للتسامر معهم. فجأة!! سمع صوت جيبات الاحتلال تدوي ثم تتوقف، أعقب ذلك ضجة في الأسفل، خرج لبلكون منزله "الأرضي" الذي يطل على دكانتهم لاستطلاع الأمر، فشاهد جنود الاحتلال يترجلون ويدقون باب الدكان بقوة وسط صرخات (افتخ.. افتخ..). تحفز حسين جراء للموقف واخذه التفكير بعيداً ماذا يفعل لإنقاذ أصدقائه وأبناء حارته.
...
بمجرد دخول الشبان أغلق أبو أديب باب الدكان، فيما حاول أبو تامر ونجيب وشقورة التسرب من مخزن خارج الدكان إلى زقاق جانبي بين المنازل، بيد أنّ بوابته لم تفتح، فأمسك بهم الجنود كأول الصيد، وهو ما منح هاني الذي تواجد في الخارج إلى التسلل عبر مدخل منزل أبو أديب دون أن ينتبه إليه الجنود.
...
وفي خضم ذلك شاهد حسين صديقه هـاني يتسلل إلى المنزل مستتراً بنبات الياسمين الذي أحاط بالمدخل، فأسرع وفتح له باب المنزل بخفّة كبيرة، أثناء ذلك.. لاحظه الجنود فأسرعوا نحوهما، فهربا إلى داخل المنزل، وطاردوهم داخل المنزل حتى صعدا إلى سطحه، وأغلق حسين باب السطح الحديدي، بينما ضرب الجنود الباب في محاولة الوصول إليهما كصيد ثمين، وبينما حاولا رفع ألواح الأسبستوس التي تغطي "بيت الدرج"، قرر هاني وحسين القفز من أعلى السطح وعدم تمكين الجنود منهما. فاستجمعا قواهما قفزا، كانت قفزة بارتفاع سبعة أمتار، شعرا وأن سيقانهما قد تكسرت، وأمام التهديد الذي يحيط بهما تابعا الحركة من الزقاق الخلفي للمنزل إلى حاكورة للجيران ثم إلى بيارة حمضيات تبعد عن عدة أمتار إلى الشرق.
...
دهم الجنود الدكانة بالقوة، فحاول أبو أديب منعهم، ولكنهم دخلوا يفتشون على الشبان الذين رأوهم يدخلونها، صرخ أحد الجنود بصوت عالٍ: وين المخربين؟! أمسكوا بأبو يونس وعبد الحكيم "وهما أكبرهم سناً". ومن ثمّ بدأوا بالبحث داخل الدكان، حيث حاول الجميع الاختباء في مكان ما. فأمسكوا بحاتم خلف ثلاجة العصائر. وأمسكوا بكل من: نضال ومنصور ورامز وناصر، في المخزن الداخلي. بينما لم يروا نبيل الذي اختبأ داخل شوال! بدأوا بتجميعهم وتقييدهم، وحينذاك أبرز عبد الحكيم تصريح بالحركة في منع التجول بسبب عمله المحاسبي، فسمحوا له بالعودة إلى بيته، وقرروا اعتقال الباقين بما فيهم أبو أديب.
...
لم يكتف حسين وهاني بالإفلات من بطش جنود الاحتلال، والتفّا إلى شارع مواجه للدكان، وبدأوا بإثارة الجيران للمواجهة والمساندة، الجميع هبّ، وتجمعت نساء الحارة وهاجمن جنود الاحتلال ومعهن أم أديب.. بينما قذف حسين وهاني ورفاقهم الجنود الاحتلال بالحجارة، وأمام صعوبة الموقف واحتدام المواجهة طلب الجنود تعزيزات إضافية، استغل أديب ونجيب وشقورة الفوضى المقصودة وفرّوا من بين أيدي الجنود، بينما ابتعد أبو أديب عنهم، وإزاء ذلك فتح الجنود النار وأطلقوا قنابل الغاز المسيل للدموع تجاه المحتجين، وأمام استبسال أهل الحارة لم ينتظر الجنود وصول التعزيزات وفرّوا من المكان بمن اعتقلوهم من داخل الدكان.
...
كعادة جنود الاحتلال، حان وقت الانتقام، وانهالوا بالضرب على المعتقلين الستة داخل الجيبات، حتى وصلوا مركز مخيم جباليا، وبعد اشباعهم ضرباً أطلقوا سراح نضال ورامز لكونهم أطفالاً لا يحملون الهوية، بينما اقتادوا أبو يونس وناصر وحاتم ومنصور إلى معتقل أنصار.
...
كان يوماً مشهوداً في تل الزعتر، تجسدت فيه الوحدة والنخوة والقوة في مواجهة جنود الاحتلال وبطشهم، وتحدي أوامر منع التجوال، ومر هذا اليوم من أيام الانتفاضة على تل الزعتر بطيئاً صعباً ونقش في الذاكرة. وبعد مرور ثمانية عشر يوماً والافراج عن الشبان من الاعتقال، زارهم السكان مهنأين بسلامتهم مستذكرين الحادثة، ولقصصهم عما حدث مستمعين. وعاد الرفاق لممارسة رياضتهم اليومية خلال الانتفاضة بملاحقة جنود الاحتلال أينما وجدوا. فيما قرر أبو أديب فتح شباك الدكان الذي ينفذ إلى زقاق الجيران، لعدم تكرار الحادثة مستقبلاً، ورغم مداهمة قوات الاحتلال أكثر من مرة بعد ذلك للدكان؛ إلا أنهم لم يجدوا داخلها أحد، فقد مر الجميع من الفتحة.

اخر الأخبار