الفراغ في قيادة الغرب

تابعنا على:   13:12 2018-12-14

جيفري كمب

كانت أعمال الشغب، المتواصلة، في فرنسا، وخصوصاً في عاصمتها باريس، بسبب خطط التقشف التي أعلن عنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أجل زيادة الضرائب على الوقود الأحفوري، هي الاحتجاجات وأعمال الشغب الأكثر عنفاً وشدة منذ تظاهرات الشباب الشهيرة هناك في عام 1968. وقد بلغت شعبية ماكرون مستويات قياسية منخفضة، لذلك فقد اضطر بالفعل إلى التخلي عن بعض جهوده واسعة النطاق الرامية إلى إصلاح الاقتصاد الفرنسي.
وأسفرت الاحتجاجات التي بدأت أساساً ضد زيادة رسوم المحروقات، وأصبحت تعكس استياءً اجتماعياً عميقاً، عن سقوط أربعة قتلى ومئات الجرحى منذ انطلاقها في السابع عشر من نوفمبر الماضي. وفي ضوء ذلك تراجع دور «ماكرون» كقائد بحكم الأمر الواقع لأوروبا في وقت شديد الحساسية، حيث تواجه كل من رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماي» والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حالات ضعفهما الشخصي في الداخل. فـ«ماي» قد تخسر منصبها بسبب أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكسيت» الحالية، و«ميركل» أخذت على عاتقها بالفعل تقديم خليفتها المختارة «أنغريت كرامب كارنباور»، بينما تتأهب لإنهاء عملها مستشارةً.
وهذا الفراغ في القيادة على المستوى الأوروبي كان من الممكن التسامح معه لو أن الولايات المتحدة تلعب دورها التقليدي كقائد للتعاون عبْر المحيط الأطلسي، لكن لسوء الحظ لم يعد الأمر يمضي على هذا النحو. ومن الواضح الآن أن الرئيس دونالد ترامب ليست لديه رغبة في الاضطلاع بهذا الدور. والحقيقة أن سياساته وغياب القيادة الأميركية، كل ذلك أضعف نسيج التحالف القوي بين ضفتي المحيط الأطلسي.
وبغض النظر عن انسحاب الرئيس ترامب من دور القيادة القوي، فإنه يواجه عدداً من الأزمات ذات الصلة بالتحقيقات حول الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، وبعض سلوكيات فريق عمله أثناء تلك الفترة، وأثناء مدة رئاسته الممتدة منذ عامين.
وتشير التقارير إلى أن المحقق الخاص «روبرت مولر» يوشك على الانتهاء من تحقيقه بشأن إدارة ترامب، ومن المفترض أنه جمع قدراً كبيراً من البيانات حول الاتهام بأن هناك تواطؤاً بين الحملة الانتخابية لترامب والحكومة الروسية بشأن انتخابات 2016 الأميركية.
ومن المشكلات التي تواجه ترامب أن تقرير «مولر» من المحتمل أن يصدر قبل أو بعيد انعقاد الكونجرس الجديد في واشنطن، في الثالث من يناير المقبل، مع سيطرة الحزب الديمقراطي على أغلبية المقاعد في مجلس النواب، إلى جانب سلطة استدعاء الرئيس والقدرة على التحقيق في جميع عناصر أنشطة ترامب التي رفض «الجمهوريون» التحقيق فيها خلال العامين الماضيين.
ولا يزال من المبكر جداً أن نحكم على ما إذا كانت أقوال وأفعال الرئيس ترامب في الماضي والحاضر ستعتبر انتهاكات «تستدعي سحب الثقة» من قبل الكونجرس الجديد أم لا. لكن من المحتمل بشكل كبير أن يصبح أفراد في أسرة ترامب موضعاً لتوجيه تهمة الإدلاء بتصريحات كاذبة تحت القسم، بسبب بيانات سابقة تم الإدلاء بها أو طلبها الكونجرس لتقديم أدلة جديدة على أنشطتهم فيما يتعلق بانتخابات عام 2016.
وسيخسر ترامب رئيس موظفي البيت الأبيض الحالي «جون كيلي» في نهاية العام الجاري، وحتى الآن لا يوجد شخص مرشح للحلول محله. وهناك عشرات الوظائف المهمة في الإدارة الأميركية لا تزال شاغرة، ولذلك تأثير يشلّ قدرة الولايات المتحدة على القيام بالمهام الدبلوماسية وتنفيذ البرامج المحلية.
وفي هذه الأثناء، ليست هناك أي بوادر على توصل الرئيس ترامب إلى اتفاق تجاري حقيقي مع الصين، ناهيك عن حل المشكلة النووية لكوريا الشمالية والأزمات الأخرى المتنوعة في الشرق الأوسط، بما في ذلك خطة السلام الإسرائيلي الفلسطيني التي تحدث عنها صهر الرئيس الأميركي «جاريد كوشنر» كثيراً.
ولعل ما يزيد الأمور تعقيداً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اختار المرحلة الراهنة لتصعيد المواجهة مع أوكرانيا، لدرجة احتمال اندلاع مواجهات عسكرية جديدة بين الجانبين. ومن الممكن أن تؤدي أي أزمة جديدة مع روسيا بصورة ما إلى تحفيز قادة الدول الغربية على التعاون بصورة أكثر تنسيقاً مع الرئيس ترامب، أملاً في مواجهة بوتين مباشرة، وهو أمر عزف ترامب عن القيام به منذ أن أصبح رئيساً. غير أن المراقبين في كل من واشنطن وأوروبا يشكون في إمكانية حدوث ذلك.
ونتيجة لذلك، تعود كثير من سمات الحرب الباردة التي أضرت بكل من الغرب وروسيا، تاركةً للصين حرية مواصلة جهودها الحذرة والمعدة بصورة جيدة، لتصبح قوة عالمية كبرى ومهيمنة.

عن الاتحاد الإماراتية

اخر الأخبار