خيار "الدولة الواحدة" ممر إجباري

دحلان: إسرائيل حريصة على بقاء السلطة وقطر تسعى لإقامة قاعدة عسكرية في غزة

تابعنا على:   23:01 2018-12-22

أمد/ القاهرة: في حوار مطول مع صحيفة "العرب" اللندنية، تحدث قائد تيار الإصلاح في حركة فتح النائب محمد دحلان، عن التطورات الفلسطينية على ضوء التحركات الراهنة، قائلا إن “موقفه الثابت هو خيار حلّ الدولتين، الأنسب والأفضل والأنجع لحلّ الصراع وتحقيق الاستقرار، وتحرر الشعب الفلسطيني من الاحتلال واستعادة حقوقه المغتصبة".

لكنه استطرد مشيرا إلى أنه بالنظر إلى الوضع الراهن والشروط القائمة فإن هذا الخيار ليس ممكنا من الناحية الجغرافية في الضفة الغربية والقدس، إلا إذا كنا نتحدث عن بضع جزر متناثرة أقرب إلى “محابس” تطوق الملايين من شعبنا، وهذا سيكون أسوأ من الاحتلال القائم.

وأوضح أنه وجه رسالة إلى الإسرائيليين بأن "الشعب الفلسطيني لن يقبل بأقل من دولة فلسطينية سيادية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأن الإسرائيليين قتلوا ويقتلون ذلك الخيار يوميا، وعلينا وعليكم مواجهة استحقاقات الخيار الآخر وهو خيار الدولة الواحدة، وبمقاييس الظروف الراهنة أرى خيار الدولة الواحدة ممرا إجباريا يفرضه الاحتلال علينا وعلى نفسه بكلفته الديموغرافية المرتفعة مستقبلا".

وترفض حكومة الاحتلال الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو مبدأ حل الدولتين، فضلا عن دعمها لسياسة الاستيطان بشكل كبير في مدن الضفة الغربية، في ظل ضعف تام للسلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة محمود عباس (أبومازن).

خيار الدولة الواحدة ليس مزاجيا

عن قانون القومية الإسرائيلي، أكد دحلان أن التشريعات شيء والواقع على الأرض شيء آخر، لأن قانون القومية يؤكد النزعات العنصرية، لكن الواقع سيجتاحه مع مرور الزمن ولن يكون أمام الاحتلال إلا ثلاثة خيارات، إما العودة سريعا إلى حل الدولتين وبما يقبله الشعب الفلسطيني، وهذا غير ممكن في ظل تفوق اليمين الحاكم، وإما إعلان إسرائيل أنها دولة عنصرية تسحق حقوق ومتطلبات الملايين من الفلسطينيين، وهذا لن يمر دون صراع ودماء، وإما الاستسلام لحل الدولة الواحدة، وهذا الخيار هو الأقرب للواقع القائم، وأنا أقبل به!

وأكد دحلان أن خيار حل الدولة الواحدة ليس مزاجيا بل سيفرضه واقع التطورات وسيكون نتيجة طبيعية للسياسات الإسرائيلية، إلا إذا انسحبت إسرائيل إلى حدود 4 يونيو 1967، أو توغلت في التطرف والعنصرية، عندها سنكون أمام النموذج العنصري المقيت مثل الذي كان قائما في جنوب أفريقيا في القرن الماضي.

حول صفقة القرن الأميركية للحل، قال محمد دحلان، إنه ليس ممن ينخدعون أو يخدعون أنفسهم، وأميركا لن تضع على الطاولة ورقة أو مبادرة إلا بعد صياغتها وتدقيقها حرفا بحرف مع الحكومة الإسرائيلية، وما يسمى بالصفقة الأميركية ستكون إسرائيلية في واقع الأمر، ولن تبتعد عما تريده الحكومة جغرافيا وأمنيا وسياسيا، والجانب الأميركي قد يستفيض في العروض الاقتصادية فقط، على حساب المال العربي والمال الأوروبي.

وأشار مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، إلى طرح الولايات المتحدة لبنود صفقة القرن مع بدايات العام المقبل، بعد إدخال بعض التعديلات عليها خلال الأشهر الأخيرة. وبسؤاله عن مدى تمسك الشعب الفلسطيني بخيار مقاومة الاحتلال، استبعد دحلان وجود شعب تحت الاحتلال ويسقط خيار المقاومة، مشددا على مواصلة الشعب الفلسطيني لمقاومته بكل الوسائل مهما كلف الأمر أو طال الزمن، قائلا “وما رفض الحلول المجحفة إلا شكلا من أشكال المقاومة”.

عن احتمال سرقة إسرائيل للمزيد من أراضي الضفة دعما للاستيطان في ظل ضعف سلطة أبومازن، أوضح دحلان أن الاحتلال الإسرائيلي يقوم بذلك يوميا في ظل التنسيق الأمني (المقدس) بسبب تهالك السلطة والانقسام وتأثيره على أولويات القوى الفلسطينية، مشيرا إلى أن الأخطر هو محدودية المقاومة بحكم تحاشي السلطة ومؤسساتها مقاومة المحتل وتأثير ذلك حتى على قدرة حراك فتح في الضفة الغربية.

أزمة السلطة الفلسطينية

استبعد دحلان انهيار السلطة الوطنية الفلسطينية لأن الاحتلال الإسرائيلي لن يسمح لها بالانهيار بحكم احتياجاته الأمنية وتجنبه التورط مجددا بإدارة الشؤون اليومية للناس، "لكن إذا كان السؤال هل السلطة أداة تعزيز لصمود شعبنا ومقاومته للمحتل؟ فالجواب قطعا لا رغم الأعباء المالية الضخمة التي يتكبدها شعبنا بحكم إنفاق السلطة أكثر من 5.5 مليار دولار سنويا".

وحول تلويح الرئيس أبومازن بحل المجلس التشريعي في القريب العاجل، أكد دحلان أنه “وفقا للقانون لا يملك أبومازن صلاحية حل المجلس التشريعي، إلا إذا أعاد منصبه المغتصب (يقصد انتهاء الولاية القانونية له منذ عام 2009) إلى الشعب الفلسطيني ليقرر الشعب اختيار قياداته الجديدة عبر انتخابات ديمقراطية جديدة”.

وحذر من أي قرار جائر وتعسفي بحل المجلس التشريعي الفلسطيني، لأن ذلك يزيد من عزلة أبومازن نفسه ويضيف عبئا جديدا على ملفات الخلاف والانقسام، مشيرا إلى أن مقاومته هذا التوجه ليست خشية من أنه سيؤدي إلى عزله أو إضعافه، إنما لأنه توجه غير قانوني مثل كل قرارات وإجراءات أبومازن، خاصة بعد انتهاء صلاحيته منذ تسعة أعوام.

بسؤاله عن الطرف الذي يتحمل مسؤولية إفشال الجهود المصرية لإنجاز المصالحة بين فتح وحماس، حمّل محمد دحلان حركة حماس والرئيس أبومازن المسؤولية، مشيرا إلى أن الأخير (أبومازن) يتحمل المسؤولية الأكبر لأنه ببساطة لا يريد غزة ومسؤولياتها، فالشروط والمطالب التي وضعها أبومازن تعجيزية تماما ولا يمكن لقيادة حماس قبولها وهو يعلم ذلك ويتعمّد التعجيز.

ولفت إلى وجود جوانب من المسؤولية مشتركة لدى طرفي الانقسام، لكن شروط أبومازن هي العائق الآن رغم علمه بالأضرار الخطيرة التي يلحقها استمرار الانقسام بالشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، فعقوبات أبومازن بحق غزة تضاعف من حدّة الحصار الإسرائيلي وتخلف ضحايا وجرائم لن تسقط بالتقادم، كما أن هناك تيارا في حماس لا يريد إنهاء الانقسام تمسكا بحكم غزة في كل الظروف.

تواجه المصالحة الفلسطينية التي ترعاها مصر تحديات كبيرة بسبب مراوغة طرفي الانقسام خلال الأشهر الأخيرة، وتحاول روسيا لعب دور توفيقي لتحقيق المصالحة بين فتح وحماس، ورحبت الأخيرة بمبادرة موسكو لإيجاد حل لقضية الانقسام.

وأكد محمد دحلان أن مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي تعمل من أجل خير ووحدة الشعب الفلسطيني، لكن تلك الجهود النبيلة اصطدمت وتصطدم بكم كبير من العوائق والشروط التعجيزية المتعجرفة.

وحول المساعدات التي يقدمها إلى غزة والدعم الإماراتي إلى القطاع ومدى ارتباطه بمواجهة المقامرة القطرية بمعاناة الشعب الفلسطيني، كشف دحلان أن المساعدات التي يقدمها أقل واجب ويعمل على زيادتها خلال الفترة المقبلة قدر الإمكان، ومن واقع معرفته وخبرته فدولة الإمارات لا تبني سياستها وعطاءها على ردود الأفعال، والمساعدات الإماراتية للشعب الفلسطيني ليست خاضعة لحسابات ومناورات، بل من واقع إيمان قادة الدولة بواجبهم الأخوي تجاه شعب فلسطين، وذلك نهج أسسه الراحل الشيخ زايد ويسير عليه الشيخ خليفة بن زايد والشيخ محمد بن زايد.

حول مصير فلسطين بعد الحديث عن صحة أبومازن، أكد دحلان أن مصائر الأوطان والشعوب لا تتوقف على أشخاص، لكن إن كان أبومازن يريد أن يذكر بأي خير في التاريخ الفلسطيني عليه أن يعمل وبسرعة من أجل انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة وأن يتنحى بحكم وضعه الصحي وعامل الشيخوخة، بدلا من أن يخلف فراغا مفاجئا فوق ما خلفه من أزمات ومآزق.

وتتخوف القوى الفلسطينية من حدوث فراغ في المشهد السياسي حال غياب الرئيس عباس، بسبب الصراع الشرس بين أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، فضلا عن الانقسام الذي يقوّض أي جهود مستقبلية للحركة في قيادة المشروع الوطني.

    المساعدات الإماراتية للشعب الفلسطيني ليست خاضعة لحسابات ومناورات، بل من واقع إيمان قادة الدولة بواجبهم الأخوي تجاه شعب فلسطين، وذلك نهج أسسه الراحل الشيخ زايد ويسير عليه الشيخ خليفة بن زايد والشيخ محمد بن زايد

وعن نيته الترشح للرئاسة الفلسطينية في الانتخابات المقبلة، أشار دحلان إلى أنه لا يفكر بذلك الآن بل بما يستطيع إنجازه حالا لفلسطين، خاصة للقدس وغزة والفلسطينيين في لبنان وسوريا، وأضاف “لا أعتقد بأن موقفي سيتغير لكن سأتخذ قراري النهائي عندما تتقرر الانتخابات وأرى من هم المرشحون وفي ما إذا كان بينهم من يستحق دعمي”.

وحول حجم وفاعلية تيار الإصلاح الديمقراطي في فتح، نوه محمد دحلان إلى أن مهرجان التيار الإصلاحي بذكرى استشهاد الرئيس الراحل ياسر عرفات (أبوعمار) يشير إلى قوة تيار الإصلاح، فهو العمود الفقري لحركة فتح، مضيفا “أنا فخور بذلك وبالجهود الكبيرة لرفاقي وزملائي والقادم أعظم”.

حول الموقف القطري تجاه الأوضاع الراهنة في قطاع غزة، أكد القيادي الفلسطيني أن النظام القطري يحاول العبث في كل مكان بتسخير الأموال وطريقة إنفاقها، قائلا “قد تتفاجؤون من إجابتي، ففي الوقت الذي أرفض فيه العبث القطري، لا أرى سوءا إن قررت قطر بجدية دعم شعبنا المحاصر في قطاع غزة أو القدس، بما أمكن من مقومات الحياة مثلا الكهرباء والماء والاحتياجات الغذائية والطبية أو حتى دعم المؤسسات الدولية الراعية لشعبنا، مثل الأونروا، ولكن هل تفعل قطر ذلك؟”.

وردا عما طرحه السفير القطري محمد العمادي حول بناء مطار وميناء في غزة تشرف عليه الدوحة أمنيا، أجاب دحلان بشكل ساخر على الطرح القطري “هذا يعني أن قطر تطلب امتلاك قاعدة عسكرية وأمنية في غزة وهذا أمر مضحك”.

جنون تركي وقطري

عن سبب زج تركيا وقطر باسم محمد دحلان في كل المشكلات الكبيرة وآخرها الزعم بتورطه في قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، أكد القيادي الفلسطيني وجود أسباب متعددة تتدرج من الشعور بالهزيمة والخذلان وجنون الارتياب وصولا إلى الحقد والرغبة في الانتقام.

وأشار إلى أنه لم يخف يوما تصادمه السياسي مع مشروعي الأخونة ووهم الخلافة، فتركيا وقطر أصحاب تلك الأوهام المشبوهة والمنعزلة تماما عن الواقع، خاصة بعد انهيار مشروعهما، بداية من ثورة الشعب المصري العظيمة في 30 يونيو 2013.

 

وسخر دحلان من بعض الأوهام التي تتحول إلى نهج فج تكرس له وسائل إعلامية وسياسية ومالية، وتساءل "بماذا تفسر ما يقوم به حمد بن خليفة واستهدافه الدائم لمصر والسعودية، وكيف يحلم من كان مثله وحجمه بتمزيق دولتين كبيرتين بهدف السيطرة عليهما، وكذلك الأمر بالنسبة لأردوغان المصاب بجنون الارتياب والعظمة، وأنا بصراحة أحيانا أتفهم حالته النفسية بعد أن تلاشت أحلام الخلافة والسلطنة وضاع منه كل شيء".

وأكد القيادي الفلسطيني أنه لم يضطر يوما لتوضيح كذبة ما أطلقوها (الأتراك والقطريون) هنا أو هناك، ولا الدفاع عن نفسه لأن الواقع هو الذي يكشف كذبهم وزيفهم دائما، لكنهم لا يخجلون ويواصلون نفس النهج الذي داسته أقدام شعوبنا.

وبشأن أسباب استهدافه من قبل كل من تركيا وقطر، قال دحلان “لا أخشى حملات الكذب والتضليل، وأصدقائي يعرفونني جيدا كما أعرفهم وأحترمهم وعلاقاتي مع العواصم الشقيقة لا تقوم على أساس مصالح شخصية أو آنية، بل أساسها الثقة والرؤية المشتركة والعمل الجاد من أجل مصالح أمتنا وشعوبنا”.

وطالب محمد دحلان من يتهمه بالتورط في قضية مقتل خاشقجي أو انقلاب تركيا ضد أردوغان بتقديم الدليل على ذلك، مشيرا إلى محاولات (تركيا وقطر) بث مزاعم بطريقة مثيرة للشفقة ولم تصمد أكاذيبهم لساعات، ولم يستطع أردوغان الكشف عن أي صلة لي رغم عشرات الآلاف من المعتقلين في سجونه وسنوات من التحقيقات، والسبب بكل بساطة أن لا علاقة لي لا من قريب ولا من بعيد بما جرى، ولا أعرف أحدا من خصوم ومعارضي أردوغان، ولم أتعاون مع أحد منهم يوما، وأسمع عنهم كما تسمعون أنتم عنهم.

اخر الأخبار