بوتين رجل 2018

تابعنا على:   13:05 2019-01-02

كرست السنة الماضية الرابح الاكبر في الشرق الاوسط والعالم فلاديمير بوتين.

 فالحرب في سورية وتراجع الموقف الاميركي ازاء هذا الصراع الدموي بين ديكتاتور وشعبه اتاحت للرئيس الروسي ان يفرض شخصه كمرجع اساسي في المنطقة. ففي 2013 عندما تم الاتفاق بينه وبين الرئيس الاميركي باراك اوباما حول منع استخدام سورية السلاح الكيماوي وتجريد قوات النظام السوري منه تصدى بوتين لتدخل اميركي فرنسي كاد لو حصل ان يشل القوات السورية ويوقف حرب النظام ضد شعبه. ولكن بوتين تمكن عندئذ من التحايل على نظيره الاميركي والاستفادة من عدم المبالاة الاميركية ازاء صراع كان اوباما يشعر انه لا يعنيه. فدخل بوتين الى سورية في 2015 لحماية النظام السوري ثم تدخل في الانتخابات الاميركية لمصلحة دونالد ترامب الذي بدأ عهده في 2017 وتبين انه أكثر رئيس اميركي مناسب لبوتين.

فوجود الجيش الروسي في سورية وانتخاب ترامب كرساه في 2018 كأقوى رئيس في العالم. فاستطاع بوتين خلال سنوات الحرب السورية ان يحصل على قاعدة بحرية في البحر الابيض المتوسط وان يجعل من بشار الاسد تابعاً لنفوذه كما كان رؤساء اوروبا الشرقية تابعين للقيادات الروسية في عهد الاتحاد السوفياتي.

وبوتين أصبح في 2018 مفتاح الحل للحرب السورية، فالانسحاب الاميركي الذي قرره نظيره المفضل دونالد ترامب يتيح له ان يكون وحده المقرر لمستقبل سورية. كما انه استطاع بعلاقاته الثمينة والمميزة بإسرائيل وحكومة نتانياهو ان يصبح ضامن امنها في سورية. فهو تارة يتيح المجال لحكومة الدولة العبرية ان تضرب مواقع القوات الايرانية في سورية. ثم يعود ويتحاور معها لإيقاف هذه الضربات بوعود ضمان امن اسرائيل. ونفوذ بوتين ليست فقط في قاعدته البحرية في سورية. إذ استطاع ايضا ان يكون لاعباً اساسياً في السوق النفطية بفضل الشراكة الروسية السعودية على قطاع النفط. فالتنسيق والشراكة بين أكبر بلدين نفطيين في العالم مكن بوتين من تحويل روسيا الى لاعب اساسي الى جانب السعودية في السوق العالمية النفطية.

والشراكة السعودية الروسية على هذا الصعيد اصبحت أكبر مؤثر في السوق النفطية العالمية من انتاج اوبك وحده، فقد فهم بوتين اهمية هذه الشراكة وضغط على رؤساء الشركات النفطية الروسية الذين كانوا احيانا كثيرة مترددين في تخفيض انتاجهم لأسباب اقتصادية خاصة بهم ليوافقوا على القرار السياسي بتنسيق تخفيض الانتاج الروسي مع السعودية حين يقتضي الامر لرفع اسعار النفط او لزيادة الانتاج عندما ينقطع انتاج بعض المناطق.

وروسيا بوتين قررت منذ السنة الماضية ان تزيد اهتمامها وتدخلها في الوضع الليبي رغم ان الحديث عن التدخل الروسي في ليبيا قليل ولكنه أصبح واقعاً وكل المعنيين بالشأن الليبي يؤكدونه، فاستطاع بوتين ان يصبح في 2018 رجل المرحلة كونه لاعباً اساسياً في منطقة المتوسط مع اقناع دول المنطقة ان نفوذه قد يؤدي الى الحد من التدخل الايراني في كل من سورية والمنطقة. وانسحاب القوات الاميركية من سورية وعودة التطبيع العربي مع النظام السوري لم يبشرا بمثل هذا الاحتمال. فنفوذ إيران في سورية سيبقى مثلما هي باقية في العراق ولبنان عبر الميليشيات التابعة لها التي تخرب وتعطل المنطقة، وبوتين قد يتاجر بإمكانية اخراج إيران من هذه الدول لمصلحته. لكنه لن يتمكن لان الاسد ربط مصيره بالنفوذ الايراني عبر "حزب الله" منذ ما قبل الحرب السورية، فكان وبقي يستخدم "حزب الله" في هيمنته في لبنان والتخلص من الذين تجرأوا على السعي لاستقلالية القرار. وإيران ما زالت تملك موارد مالية لتوزيعها على مواليها في المنطقة رغم العقوبات الأميركية عليها، ذلك أن ترامب فاجأ الدول المنتجة للنفط عندما استثنى ٨ دول من العقوبات على إيران وسمح لهذه الدول ان تستورد النفط الايراني، فبقيت إيران تصدر أكثر من مليون برميل في اليوم من النفط، وبعض الدول المنتجة زادت انتاجها توقعا للعقوبات الاميركية التي ارادها ترامب ولكن، تبين أنها عقوبات منقوصة ما ادى الى انخفاض اسعار النفط.

وبشار الاسد رئيس أعرج دمر بلده وكرس بوتين رجل المرحلة بإعطائه شرعية السيطرة على المياه الدافئة في المنطقة، وقد هيمن بوتين على رغم انه على راس بلد اقتصاده في حال سيئة مع اوضاع معيشية مزرية، وهيمنته نابعة من شخصيته وحنكته السياسية في وجه قوى عظمى اميركية متراجعة برئيس يحكم بالتغريد وبالقرارات المفاجئة.

مستقبل المنطقة مقلق لأنه يرتكز على قدرة ونفوذ رئيس روسي في منطقة هشة، وحساباته واولوياته هي لمصلحته وعلى حساب شعوب المنطقة.

عن الحياة اللندنية

اخر الأخبار