هل بدأت مَرحلة ما بَعْد.. نتنياهو؟

تابعنا على:   13:40 2019-01-09

محمد خروب

مَن راقب و"قَرأ" ملامح نتنياهو ولغة جسده، وهو يُلقي بيانه الذي وُصِف بـ"الدراماتيكَيّ" قبل ساعتين تماماً من موعد إلقائه,في بث مباشر من منزله الرسمي (مِلكية حُكومية) في القدس المحتلة عند الثامنة من مساء الاثنين، لاحَظ بغير عناء,حجم المأزق والضيق والشعور بالمرارة والهزيمة التي بات عليها هذا الصهيوني المتطرف,الذي ظنّ بعض العرب لفرط سذاجتهم ورُعبهم انه «نِمرٌ حقيقي», دون ان يدركوا او يتوفّروا على معلومات عن سيرته الذاتية القائمة على الصلف والعنجهية والبلطجة, المحمولة على بُعد ايديولوجي فاشي"أرضَعه" اياه والده «المؤرخ» المُتعصّب بن تسِيون نتنياهو, الذي شغل منصب مدير مكتب زعيم الحركة التنقيحية (التصحيحية) الصهيونية فلاديمير جابوتنسكي,والتي تقوم في الاساس على اعتبار نهر الأردن بـ"ضِفَتيه"هي أرض إسرائيل الكاملة, ولا ترى في "العرب" سوى حطّابين وسقّائين لليهود, الذين هم اعلى كعباً وأكثر ذكاء وأهمية من كل أُمم المعمورة وشعوبها, وأنهم(اليهود)هم شعب الله المختار بفضل..عبقريتهم»ونقائِهم».

نتنياهو في بيانه الذي استمر عشر دقائق،لم يأتِ بجديد رغم ان الإعلان عنها الذي بثّه مَكتبه، قال انه سيكون "دراماتيكيا",ما اطلق سيلا من الشائعات والتوقّعات التي وصَلت ذروتها لدى بعضهم(داخل كيان العدو) الى التكهّن انه سيُعلن استقالته واعتزال السياسة, فاذا به يظهر على حقيقته كـ"نمرٍمن وَرق",يشكو اضطهاد الشرطة له,ويقول لجمهوره من الفاشيين و»المستوطنين»انه "ضحية»" مؤامرة من»اليسار»,وان الهدف من الحملة عليه ما كان لها لتكون بهذه الضراوة,لو انه «أعاد جيش الاحتلال الى خطوط العام 1967وقام بتقسيم القدس»,في مسعى لاستنهاض جمهوره من اليمينيين,الذين باتوا يُشكّلون غالبية الجمهور الصهيوني في دولة العدو.فضلاً عن «ذُخرِه» الانتخابي الاستراتيجي,المُتمثّل في نصف المليون مستوطن في الضفة الغربية, الذين يصوتون في غالبيتهم لحزب الليكود,نظراً لما يُغدِقه عليهم من اموال وتسهيلات, واستجابته الفورية لكل ضغوطهم ودعواتِهم لتطبيق القانون «الاسرائيلي» على مستوطنات الضفة الغربية المحتلة بعد «شرعَنتها»،ناهيك عمّا لاقاه إقرار «قانون القومية» من صدى ايجابي وترحيب لدى قطعان المستوطنين,والذي نصّ في احد بنوده على ان»الاستيطان في ارض اسرائيل,هو قيمة صهيونية عُليا يجب تشجيعه».

نتنياهو في بيانه... بدا مُشوّشاً وغير متماسِك, وظهر بوضوح وكأنه يستجدي الدعم ويستنهض مؤيديه، ناهيك عن خلو البيان من أي حقائق أو أسانيد تُفنّد او تسعى الى تفنيد اتهامات النيابة العامة وتوصياتها للمستشار القضائي بمحاكمتِه، في قضايا الرشوة وإساءة استخدام السلطة والاحتيال.

وهو في الوقت نفسه– وهذا كان لافتاً –لم يَعُدْ الى تكرار عبارته الشهيرة التي تمسّك بها منذ فتح ملفات الفساد الشهيرة بِحقِه, والتي تحمل الارقام 1000، 2000، 3000 و4000,مقولة كرّرها: "ان التحقيقات لن تُسفِر عن شيء, لأنه لم يكن هناك شيء, ولن يكون هناك شيء". وواصَل تمثيل دور البريء، على نحو اثار قلق الكثير من المراقبين داخل كيان العدو، الذين اعتقدوا ان ثقة نتنياهو بنفسه قد تعود ربما الى تأكّده بان المستشار القضائي للحكومة افيحاي مندلبليت (وهو ليكودي ويميني متعصب، كان سكرتيرا لإحدى «حكومات» نتنياهو الذي جاء به الى المنصب الأرفع الحالي), لن يتنكّر له ولن يقبَل توصيات النيابة العامة ويقوم بإغلاق الملفات, كما فعل مستشارون سبقوه, مع ارئيل شارون في ملف الجزيرة اليونانية على سبيل المثال. لكن المفاجأة حصلت وأعلن مندلبليت قبل ايام انه: "سيُعلِن قراره الشهر المقبل"، ما يعني انه سيبدأ جلسات استماع من نتنياهو (او محاميه). وهنا فَقَدَ نتنياهو ومعسكر اليمين صوابَهم، وراحوا يُصوبون سهام نقدهم اللاذع للمستشار القضائي واليسار المزعوم. علما انه لم يعد في اسرائيل ما يمكن تسميته باليسار، بعد ان تبدّد وبات أقرب الى اليمين او في أفضل حالاته ليس سوى... يسار الوسَط.

كذلك فان بيان «الدقائق العشر» الذي اثار سخرية وتهكّما لدى الدوائر الحزبية والإعلامية والسياسية داخل كيان العدو, كان في بعض تجلّياته دعاية انتخابية بنكهة سياسية يمينية تحريضية, تقمّص خلالها نتنياهو دور الضحية التي تستنجد بمؤيديها لوقف الحملة عليها, وعدم السماح بسقوط "حكم اليمين" الذي استمر لأكثر من اربعة عقود,(منذ ايار 1977 سوى فترات لا تُذكر كحكومتي اسحق رابين1992 وايهود باراك 2000),وإن كان أيضا خص يئير لبيد، زعيم حزب يوجد مُستقبَل (يِشّ عَتيد),بانتقاد لاذع عندما اتهمه بانه "اجتمع مع مالك صحيفة يديعوت احرونوت (نوني موزيس) عشرات المرات, ولم يتم اتّهامه بما اتُّهم به نتنياهو في الملف المعروف (1000).

ثمّة الكثير يُقال في هذا الشأن، وبخاصة ان نتنياهو الذي ظنّ ان تبكير انتخابات الكنيست سيحول دون تقديمه للمحاكمة، بذريعة انه سيكون بعد 9نيسان القريب, زعيم الحزب الاول في الكنيست(الـ20)وبالتالي لا يجوز محاكمة رئيس وزراء مُنتخَب،...قد خاب امله ولم يعد لديه سوى المبادرة الى هجوم "استباقي ووقائي", علّ جمهوره يُنقذه ويُسهم في اندلاع نقاش جماهيري صاخِب وضاغِط على المستشارالقضائي, لتأجيل الإعلان عن قراره الى ما بعد الانتخابات, ويبدو(حتى الآن)أن توقّعات نتنياهو لن تتحقّق, وان مرحلة ما بعد نتنياهو "قد تكون بدأت".. والأيام القليلة المقبلة ستكشِف مصير مناوَرة هذا " النمر الوَرَقِيّ" الفاشي الصهيوني, رغم كل ما يُروِّجه بعض العرَب.

عن الرأي الأردنية

اخر الأخبار